ليبيا المنقسمة تطرح مطالبها في مواجهة الضغوط الأوروبية

9
ليبيا المنقسمة تطرح مطالبها في مواجهة الضغوط الأوروبية
ليبيا المنقسمة تطرح مطالبها في مواجهة الضغوط الأوروبية

أفريقيا برس – ليبيا. طرح المنتدى الدولي حول الهجرة في البحر الأبيض المتوسط بالعاصمة طرابلس تساؤلات كثيرة حول جدوى عقد مثل هذه اللقاءات، وقدرتها على وقف تدفقات الهجرة من أفريقيا إلى ليبيا، ومنها إلى الشاطئ الأوروبي، خاصة في غياب مؤسسات موحدة، في حين أصبح التوطين واقعاً، وربما مسكوتاً عنه، مع الكشف عن رقم 120 ألف وافد شهرياً يستقرون في الأراضي الليبية.

حكومة الدبيبة تطرح مقاربتها خلال مؤتمر الهجرة

وحاولت حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عن طريق طرح مقاربة شاملة في مؤتمر حول الهجرة؛ بحيث لا يجرى تركيز المعالجة على خط البحر المتوسط فقط، وإنما على بلدان المصدر والعبور والمقصد، لضمان تقاسم هذه الأعباء بعدالة، ويبرز ذلك من خلال قائمة المشاركين الممثلين من رؤساء ووزراء ومندوبي وزارات داخلية إيطاليا، ومالطا، وتونس، وتركيا، وألمانيا، والنمسا، والتشيك، وصربيا، والنيجر، والسودان، والسنغال، وتشاد، وإسبانيا، واليونان، وبعثة الأمم المتحدة ومنظمات دولية.

وتعد ليبيا ضحية لظاهرة ما يسمى بالهجرة غير النظامية، أو غير القانونية، وممراً لجميع المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في طريقهم إلى أوروبا؛ حيث ينتظر عشرات الآلاف منهم لسنوات على الأراضي الليبية لمحاولة عبور البحر المتوسط، وتهدف الاتفاقيات المبرمة مع إيطاليا والاتحاد الأوروبي إلى تولي ليبيا بمهمة اعتراض المهاجرين، لكن يبدو أن ليبيا تنوي التوقف عن لعب هذا الدور دون تعويضات جديدة.

تعددت المؤتمرات وبقت أزمة الهجرة تراوح مكانها

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تعقد فيها مؤتمرات تكتسي الصفة الدولية، بهدف البحث في قضية التدفقات غير النظامية، غير أن الأزمة تراوح مكانها؛ حيث يتمسك مراقبون بأهمية القضاء أولاً على سوق الاتجار بالبشر المنتشرة في غالبية المدن؛ إذ تبرز كتجارة رائجة تديرها عصابات ومجموعات مسلحة، بعضها يتخذ الصفة الرسمية، ورغم كشف التحقيقات الأمنية تورط مجموعة من المهاجرين الأفارقة في أعمال مخالفة للقوانين، إلا أن السلطات الليبية أصبحت تتعاطى مع قضية ترحيلهم بتساهل، في وقت تبدو أحياناً أنها تلعب لعبة مزدوجة؛ إذ تشكو من وجود أعداد كبيرة للغاية من المهاجرين في بلادها، لكنها من ناحية أخرى، تطلب المال من الاتحاد الأوروبي لاحتجازهم في ليبيا، في وقت يؤكد كثيرون أن الملف لا يمكن إدارته سوى من طرف سلطة تنفيذية واحدة منتخبة قادرة على تأمين الحدود.

ولم يستبعد وزير داخلية حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عماد الطرابلسي خلال المنتدى أن يكون حصر المهاجرين الذين أعيدوا من البحر في ليبيا محاولة لتوطينهم، كاشفاً عن دخول نحو 2.5 مليون مهاجر إلى ليبيا، مع توقع ارتفاع العدد إلى 3 ملايين في الإحصاءات الرسمية، خاصة أن نحو 90 إلى 120 ألف مهاجر يدخلون البلاد شهرياً يأتون من الصحراء، وهو ما يعادل ثلث إجمالي السكان المقيمين في الأراضي الليبية.

ودعا إلى دعم جهاز مكافحة الهجرة، وحرس الحدود للقيام بمهامهما، مؤكداً أن ليبيا صرفت 330 مليون دولار على مكافحة الهجرة العام الماضي، في حين لم تتلق سوى 30 مليون يورو كدعم دولي.

واعتبر الوزير الليبي أن ليبيا هي «خط الدفاع الأول، وأن أمن أوروبا يبدأ من حدود ليبيا مع دول الساحل والصحراء»، مؤكداً «التزام الدولة الليبية بالاتفاق مع إيطاليا ومالطا حفاظاً على أمنهما».

ليبيا بين الرفض الأوروبي والرغبة الأفريقية

وخلال المنتدى، قال رئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عبدالحميد الدبيبة «إن ليبيا وجدت نفسها بين ضغط الرفض الأوروبي للمهاجرين شمالاً والرغبة الأفريقية في الهجرة من الجنوب»، لافتاً إلى أن مشكلة الهجرة «تعززها الأزمات التي تعانيها بعض البلدان الأفريقية، وتؤرق كثيراً من الدول والبشر».

وأشار الدبيبة إلى أن الإنفاق على ملف الهجرة منذ 15عاماً لم يحل أي مشكلة، مفضلاً إنفاق هذه الأموال على دول المصدر، وليس على ملاحقة المهاجرين في القوارب والصحراء، ولا في معسكرات الحجز في ليبيا أو الدول الأوروبية، كبناء مشروعات حقيقية لدعم استقرار دول المصدر في القارة الأفريقية.

فيما حث رئيس الوزراء التونسي أحمد الحشاني الدول الأوروبية على زيادة مساعداتها المالية لدول مثل تونس لمعالجة التدفق الكبير للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، معتبراً أن المساعدات المقدمة لوقف الهجرة كانت ضعيفة.

وأكد رئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا خلال المنتدى أن الهدف النهائي من معالجة الهجرة غير الشرعية هو منع المهاجرين من مغادرة أفريقيا في المقام الأول. وقال أبيلا إن إدارة الحدود هي الهدف الأكثر أهمية الذي يتعين تحقيقه في الأمد القريب، ولكن بمجرد تحقيق ذلك يجب على أصحاب المصلحة البحث في أماكن أخرى لتنفيذ الحلول.

في المقابل، أوضح نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي مارغريتيس شيناس أن العديد من الأصوات في أوروبا تحاول تجزئة ملف الهجرة غير النظامية، مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي لا يؤيد هذا النهج. واعتبر أن الحل الأمثل يكمن في جلب جميع أصحاب المصلحة لمناقشة ملف الهجرة نحو دول المصدر.

وفي كلمتها أمام المنتدى اعتبرت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجا ميلوني، نفسها مواطنة ليبية عند حديثها عن المبادرات مع ليبيا، وقالت «سوف أقدم مبادرات أخرى عديدة لرئيس الحكومة الليبية وغيره».

وتحدثت ميلوني عن أعمال تقوم بها الحكومة الإيطالية على عدة جوانب، منها أعمال داخل البحر بمساندة شركاء من عدة دول ضمنهم دول المنطقة والجوار، معقبة «لا يمكن حل مشكلة الهجرة إلا إذا توجهنا لجذورها ودول المصدر، ويجب ألا يتم طرد أشخاص وفرض الهجرة عليهم».

مشاريع تنموية في أفريقيا للحد من الهجرة

وفي ختام المنتدى اتفقت ليبيا مع دول أوروبية وأفريقية على إقامة مشاريع استثمارية وتنموية في أفريقيا تهدف إلى الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، مع تشكيل فريق عمل لتحديد المشروعات في بلدان المصدر.

وأخذت قضية الهجرة أبعاداً أخرى بعدما نسب إلى النيابة العامة تأكيدها مزاعم تحدثت عن ضلوع مافيا تهريب مهاجرين غير نظاميين من ليبيا إلى الولايات المتحدة، وأنها توصلت في تحقيقاتها إلى ضلوع مسؤول ليبي بشركة «غدامس» للطيران في «ارتكاب نشاط ضار بمصالح ليبيا».

وترجع القصة إلى منتصف مايو الماضي، عندما جرى تداول تقارير إعلامية غربية بشأن قيام رحلات جوية بنقل مهاجرين من مطاري معيتيقة وبنينا الدوليين بطرابلس وبنغازي إلى مطار ماناغوا عاصمة نيكاراغوا.

ويخشى ليبيون ومتابعون للشأن الليبي أن يؤدي الضغط على ليبيا، في ظل الانقسام الحكومي الحالي، إلى توريط ليبيا في اتفاقيات تلزمها بمنع المهاجرين التوجه نحو أوروبا وبقائهم داخل ليبيا، لتخدم في المحصلة المصلحة الأوروبية، وهذا ما يبدو أن رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني تسعى إليه لتوظيفه من جانب آخر كمنجز لحزبها اليميني يعزز موقفه في الانتخابات المقبلة.

المصدر: جريدة الوسط

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here