عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. يعد الاتحاد الأفريقي إحدى المؤسسات الدولية التي تشكلت بهدف تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية ومواجهة التحديات المشتركة.
وفي تاريخ 9 سبتمبر 1999 الذي يمثل القمة التي عُقدت في ليبيا، والتي أعلن فيها عن إنشاء الاتحاد الأفريقي كخلف لمنظمة الوحدة الأفريقية. هذه القمة عُرفت باسم قمة سرت، ووضعت الأساس لتأسيس الاتحاد الأفريقي بشكل رسمي، والذي تم في 9 يوليو 2002. ومن هذا المنطلق أخذ الاتحاد منحا آخر، وبرؤية كانت أقوى من سابقاتها.
كانت ليبيا من الدول المحورية التي لعبت دوراً قيادياً في دعم هذا الاتحاد وتثبيته. ركّزت ليبيا في تلك الفترة كل اهتمامها على بناء اتحاد أفريقي قوي، يأمل في أن يكون على مستوى التكتلات الإقليمية والدولية، ويمنح أفريقيا صوتاً واحداً في المحافل العالمية.
أهداف الاتحاد وطموحاته
منذ تأسيسه، سعى الاتحاد الأفريقي لتحقيق العديد من الأهداف والطموحات، مثل تحرير الدول الأفريقية من التبعية والارتقاء بمكانتها الدولية، بالإضافة إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشعوب القارة. كما طمح الاتحاد إلى إيجاد موقعٍ سياسي واقتصادي وعسكري لأفريقيا في الساحة الدولية.
ومع ذلك، فإن نجاح أي اتحاد يعتمد بشكل أساسي على قوة اقتصادات دوله الأعضاء، وقدرتها على الانفتاح على المشاريع والتكتلات الدولية.
ورغم الموارد الهائلة التي تمتلكها القارة الأفريقية، والتي تشكل أكثر من ثلث موارد العالم، إلا أن تاريخ الاستعمار خلف وراءه انقسامات داخلية وصراعات جغرافية وإثنية تعيق التقدم المنشود.
هذه العقبات جعلت من مهمة الاتحاد الأفريقي أكثر تعقيدًا، حيث لا يزال يسعى لتوحيد صفوف الدول الأعضاء وإيجاد حلول مستدامة للمشاكل التي تعاني منها القارة.
الاتحاد الأفريقي والأزمة الليبية
منذ اندلاع الأزمة الليبية في عام 2011، وضع الاتحاد الأفريقي في امتحان صعب في حل أزمة تمسّ أحد دول أعضائه ومؤسسيه، مع أن الاتحاد الأفريقي لم يغب عن الساحة، إلا أن دوره كان محدوداً مقارنة بالتدخلات الأجنبية، خاصة من القوى الدولية خارج القارة السمراء.
رغم الخطوات البطيئة التي اتخذها، حاول الاتحاد التأثير في بعض الملفات الأفريقية الكبرى، بما في ذلك الأزمة الليبية، من خلال مساعي الوساطة ومحاولة إيجاد حلول داخلية بعيداً عن التدخلات الخارجية.
ومع ذلك، فإن التحديات الداخلية وتعدد الأطراف المتصارعة جعلت جهود الاتحاد الأفريقي تواجه صعوبات جمة.
ليبيا التي لعبت دورًا رئيسيًا في تأسيس الاتحاد الأفريقي، تعاني من انقسامات داخلية حادة، الأمر الذي أعاق الاتحاد عن القيام بدور أكثر تأثيراً في حل النزاع.
ومع استمرار الأزمة، أصبح واضحًا أن تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا يتطلب جهودًا أكبر وتنسيقًا أوسع بين الأطراف الليبية والأفريقية والدولية على وجه الخصوص.
وفي اتجاه آخر يرى مراقبون أن الدور الأفريقي في الأزمة الليبية يكاد يكون معدوما يأخذ دائما دور المراقب دون الفاعل ولأسباب استراتيجية واقتصادية.
وفي حوار مع عميد مدرسة الدراسات الاستراتيجية بالأكاديمية الليبية لـ”أفريقيا برس”، العارف التير، حول المنهجية التي يتبعها الاتحاد الأفريقي في الأزمة الليبية، أكد أن “النهج الذي يتبعه الاتحاد الأفريقي يقتصر في دعوة الأطراف الليبية إلى أهمية الوصول إلى توافق وإجراء انتخابات”، لكن أعرب عن أسفه لأن “الاتحاد الأفريقي غير فعال بالشكل المطلوب وليس له أي تأثير في الأزمة الليبية”. واعتبر إن “الأسباب مرتبطة بعدم امتلاكه للقوة التي من خلالها يمكن التأثير سواء كانت دبلوماسية أو اقتصادية أو عسكرية أو تنظيمية”.
ويعتبر العارف التير أن دور الأمم المتحدة أكثر فاعلية من خلال بعثتها في ليبيا، وكذلك دور الاتحاد الأوربي لأنه كثيرا ما يقدم مساعدات وأٔغلب المبادرات قدمت من دول أوروبية، مثل باليرمو، باريس، مدريد، جنيف فيما تغيب المبادرات من الاتحاد الأفريقي.
زيارة ولد الغزواني
في إطار الجهود المتواصلة لتعزيز دور الاتحاد الأفريقي في حل الأزمة الليبية، قام رئيس الاتحاد الأفريقي الحالي، الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، بزيارة مهمة إلى العاصمة الليبية طرابلس في الأسابيع الأخيرة.
جاءت هذه الزيارة بهدف إعادة تنشيط دور الاتحاد في مساعي المصالحة الليبية، وتقديم الدعم للأطراف الليبية المتصارعة للعودة إلى طاولة الحوار.
حظيت زيارة ولد الغزواني باهتمام كبير داخل ليبيا وخارجها، حيث أبرزت التزام الاتحاد الأفريقي بلعب دور فعال في حل النزاع بعيداً عن التدخلات الخارجية.
وقد تمحورت اللقاءات التي عقدها رئيس الاتحاد الأفريقي مع المسؤولين الليبيين حول إمكانية تعزيز جهود المصالحة الوطنية، وتأمين دعم القارة الأفريقية لعملية الانتقال السياسي في ليبيا.
كما شدد الغزواني على أهمية استعادة ليبيا لاستقرارها لتكون قادرة على لعب دورها الكامل داخل الاتحاد الأفريقي.
إلى جانب ذلك، حملت الزيارة رسائل متعددة على الصعيد الدولي، حيث أكد الاتحاد الأفريقي من خلالها أنه لا يزال لاعباً مهماً في القضايا الأفريقية، وبالأخص في الأزمات ذات الطابع الإقليمي مثل الأزمة الليبية.
وبالرغم من أن البعض لم ير أي تأثير لهذه الزيارة تظل في إطارها الروتيني المعهود وأن الأزمة الليبية في هذه الآونة بالتحديد دخلت تحت إدارة الإدارة الأمريكية وبشكل يختلف على أي مرحلة مضت وهذا ما أكد عليه العديد من المراقبين.
الأمل في مستقبل أفريقي مشرق
ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها العديد من الدول الأفريقية، فإن الأحلام ما زالت قائمة ببناء اتحاد أفريقي قوي قادر على المنافسة في الساحة الدولية، وحماية القارة من التدخلات الخارجية، وتحقيق الاستقرار والنمو المستدام لأبناء القارة السمراء.
وفي النهاية، يظل الاتحاد الأفريقي ركيزة مهمة للجهود الأفريقية نحو تحقيق وحدة حقيقية وتنمية شاملة. ومع تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، يمكن أن يتحول الاتحاد إلى قوة مؤثرة تسهم في حماية مصالح القارة وحل النزاعات بطرق سلمية، كما تجسدت هذه الرؤية في زيارة ولد الغزواني التي جاءت لتعيد الأمل بإمكانية تجاوز ليبيا لأزمتها وتقديم نموذج جديد للتعاون الأفريقي الداخلي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس