التوتر بين حكومة الدبيبة وروسيا.. الأسباب والدلالات والتداعيات

36
التوتر بين حكومة الدبيبة وروسيا الأسباب، الدلالات والتداعيات
التوتر بين حكومة الدبيبة وروسيا الأسباب، الدلالات والتداعيات

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. شهدت العلاقات بين حكومة الوحدة الوطنية الليبية بقيادة عبد الحميد الدبيبة وروسيا توترًا ملحوظًا في الأيام الأخيرة، بعد حادثة القبض على مواطن روسي في طرابلس بتهم تمس الأمن الوطني الليبي.

هذا الحادث ترافق مع تحذير السفارة الروسية لمواطنيها من زيارة ليبيا وخاصة المنطقة الغربية، ما دفع وزارة الخارجية الليبية لحكومة الدبيبة إلى المطالبة بتوضيح عاجل من موسكو.

الأسباب الكامنة وراء التوتر

قال النائب بمجلس النواب وعضو لجنة الأمن القومي في المجلس علي التكبالي، إن التوتر القائم بين حكومة الدبيبة وروسيا يأتي في إطار محاولة الدبيبة تحسين صورته أمام الغرب.

وأضاف في حديثه لـ”أفريقيا برس” أن حكومة الدبيبة قد تكون تسعى من خلال هذا التصعيد لإظهار خلافها مع موسكو، خاصة في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على روسيا.

وأوضح التكبالي أن القبض على المواطن الروسي قد يكون مناورة سياسية تهدف إلى إرسال رسالة إلى الغرب مفادها أن حكومة الدبيبة لا تدعم السياسة الروسية في ليبيا والمنطقة.

كما اعتبر أن “اعتقال مواطن روسي ليس بالأمر السهل ولا أعتقد أنه بأمكان حكومة الدبيبة أن تحتمل تداعياته وخاصة في حال فشل حكومة الدبيبة في إثبات تورط المواطن الروسي بالأعمال التي اعتقل بسببها”.

من جهة أخرى، أشار المحلل السياسي مفتاح الديب إلى أن التوتر بين طرابلس وموسكو ليس وليد اللحظة. وأضاف في حديثه لـ”أفريقيا برس”، إن هذا التوتر كان نتيجة لمواقف روسيا الثابتة حول الدعم العسكري لحفتر، وتدخلها سلبا اتجاه الملف الليبي من وجهة نظر الطرف الآخر، ما جعل العلاقة بين الطرفين تتسم بالاحتقان. وأضاف الديب أن روسيا قد تكون شعرت بتهديد لمصالحها في ليبيا بعد القبض على المواطن الروسي، خاصة إذا كانت هناك ارتباطات له مع الجماعات المسلحة التي تعتبرها حكومة الدبيبة تهديدًا للأمن.

وحول الأسباب الحقيقية وراء هذا التوتر، قال المحلل السياسي محمود إسماعيل لـ”أفريقيا برس”، إن المتغيرات الدولية ألقت بظلالها على ليبيا والقضية أبعد من اعتقال مواطن روسي؛ فقد حدث سابقا ما يشبه هذا الاعتقال لمواطنيين روس بتهمة التجسس، وتم سجنهم بالمنطقة الغربية؛ وبالرغم إثبات التهم عليهم بالدلائل القاطعة، مع هذا تم تسليمهم إلى روسيا وتحسنت العلاقة لفترة ولم يكن هناك تصريحات وبيانات تصعد الموقف ولكن بعدها، استمرت روسيا بممارسة سياسة غير متوازنة بين الأطراف الليبية مما جعل الأمر يزيد توترا في العلاقات مع حكومة الدبيبة.

ومن الواضح أن روسيا قد لا ترغب في خسارة موقعها الاستراتيجي في ليبيا، وتعتبر الحادثة الأخيرة جزءًا من محاولة لتهديد مصالحها في المنطقة، مشيرًا إلى أن هذا التوتر قد يرتبط بتحركات أمنية وعسكرية.

دلالات التوتر وأغراضه الجيوسياسية

حسب التكبالي أن حكومة الدبيبة تسعى دائمًا لإظهار قوتها السياسية أمام المجتمع الدولي، والقبض على المواطن الروسي كانت خطوة محسوبة لتأكيد سيطرة حكومة الدبيبة على الوضع الأمني، وهو ما يعكس محاولة من حكومة الدبيبة لفرض نفسها كقوة محورية في المنطقة.

وبالرغم أن هذه الخطوة قد تكون جرت تحت مبررات أمنية، إلا أن التكبالي يرى أن هذا الأمر من حكومة الدبيبة قد لا يكون إلا مناورة سياسية لتأثيرات أوسع في الساحة الدولية.

أما بالنسبة لمفتاح الديب، فقد اعتبر أن هذا التوتر يعكس الصراع المستمر بين القوى الدولية في ليبيا. وأوضح أن الموقف الروسي من النزاع الليبي، أسهم في تعميق الهوة بين موسكو وحكومة الدبيبة. وأشار إلى أن التصعيد الأخير قد يكون مرتبطًا بمساعي حكومة الدبيبة لتقوية موقفها في ظل التقارب مع القوى الغربية، وهو ما يعكس محاولات لتغيير التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.

وفي ذات السياق، قال محمود إسماعيل، إن تصاعد التوتر بين حكومة الدبيبة وروسيا يعكس أيضًا انعكاسات الوضع الإقليمي.

وأضاف أن الضغوط الدولية على روسيا قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد في العلاقة مع طرابلس، لأن حكومة الدبيبة يجب أن تكون حريصة في تعاملها مع روسيا، باعتبارها واحدة من القوى الكبرى في العالم، ويمثل التعامل معها التحدي الأكبر في الحفاظ على التوازنات السياسية داخل ليبيا.

التداعيات المحتملة لهذا التوتر

أشار التكبالي إلى أن حكومة الدبيبة قد تجد نفسها في موقف صعب إذا استمر التصعيد مع روسيا، وقد يفتح هذا التوتر الباب أمام تدخلات خارجية جديدة في الشأن الليبي، وهو ما قد يساهم في تعميق الأزمة السياسية والأمنية في البلاد.

أما المحلل السياسي مفتاح الديب فقد أكد أن الحكومة الروسية قد تواصل الضغط على حكومة الدبيبة عبر وسائل متعددة، بما في ذلك التصعيد الإعلامي والدبلوماسي، خصوصًا إذا فشلت حكومة الدبيبة في تقديم أدلة دامغة حول تورط المواطن الروسي في الأنشطة المزعومة.

وقال الديب إن الحكومة الليبية قد تجد نفسها أمام تحدي كبير في تفسير هذا الحادث، خاصة إذا تعثر التحقيق في القضية.

من جانبه، رأى محمود إسماعيل أن تداعيات هذا التوتر قد تشمل المزيد من الانقسام السياسي في ليبيا، حيث ستجد حكومة الدبيبة نفسها في مواجهة عدة ضغوطات من جانب روسيا ومن جانب القوى الغربية في آن واحد. وأشار إسماعيل إلى أن حكومة الدبيبة قد تكون مجبرة على اتخاذ مواقف أكثر توازنًا للحفاظ على استقرارها السياسي وتجنب الوقوع في صراع مفتوح مع القوى الكبرى.

يسلط التوتر الذي نشأ بين حكومة الدبيبة وروسيا الضوء على التحولات السياسية المعقدة التي تشهدها ليبيا في هذه المرحلة. ويتضح أن هذا التصعيد لم يكن مجرد رد فعل عابر، بل هو نتيجة لعدة عوامل تتعلق بالمواقف الإقليمية والدولية. وتظل حكومة الوفاق في موقف حساس بين القوى الدولية المتصارعة حيث يتعين عليها التعامل بتوازن مع روسيا والغرب على حد سواء، بما يضمن الحفاظ على استقرار البلاد والوصول لحل سياسي يخرج البلاد من التجاذبات الإقليمية والدولية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here