حرفة النقش على النحاس في ليبيا… إرث مهدد بالاندثار وصناع يكافحون للحفاظ عليه

7
حرفة النقش على النحاس في ليبيا... إرث مهدد بالاندثار وصناع يكافحون للحفاظ عليه
حرفة النقش على النحاس في ليبيا... إرث مهدد بالاندثار وصناع يكافحون للحفاظ عليه

أفريقيا برس – ليبيا. في قلب المدينة القديمة في العاصمة الليبية طرابلس، حيث تمتزج أصوات المطرقة بدقات التاريخ، يقف مختار رمضان النحايسي، أحد آخر الحرفيين الليبيين المتخصصين في النقش على النحاس، محافظا على مهنة ورثها عن أجداده منذ أكثر من خمسة أجيال.

هذه الحرفة، التي كانت يوما ما من أهم الصناعات التقليدية في ليبيا، تواجه اليوم خطر الاندثار بسبب ارتفاع التكاليف، وغياب الدعم، والمنافسة من المنتجات المستوردة.

وفي هذا اللقاء، يتحدث النحايسي عن التحديات التي تواجه هذه المهنة، وأهمية الحفاظ على التراث الليبي، ودور الدولة والمجتمع في دعم الصناعات التقليدية.

حرفة متوارثة تواجه خطر الاندثار

يقول النحايسي إن “النقش على النحاس ليس مجرد مهنة، بل هو فن متوارث عبر الأجيال، حيث تعتمد الحرفة على الطرق اليدوي للنحاس وتحويله إلى أوان، ودروع، وتحف فنية، وهدايا تذكارية”، مشيرا إلى أن “النحاس هو المكون الأساسي في جميع الأعمال”.

وأضاف: “نحن عائلة امتهنت هذه الحرفة لأكثر من خمسة أجيال، وكانت زنقة النحاسين في المدينة القديمة بطرابلس تضم عشرات المحال المتخصصة، لكن اليوم لم يتبقَ سوى عدد قليل من الحرفيين الذين يكافحون للحفاظ على هذا التراث”.

تحديات تهدد الاستمرار

أوضح النحايسي أن “الصعوبات التي تواجه صناع النحاس ازدادت بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، وأبرز هذه التحديات هي ارتفاع أسعار المواد الخام، مما يجعل الإنتاج مكلفا ويؤثر على القدرة التنافسية، وغياب الدعم الحكومي، وعدم وجود أي تشجيع رسمي لهذه الحرفة”.

وتابع: “أيضا من أبرز التحديات التي تواجه صناعة النحاس في ليبيا إغراق السوق المحلي بمنتجات مستوردة تشبه النحاسيات الليبية، إلا أنها أقل جودة وأرخص سعرا، مما أدى إلى تراجع الطلب على المشغولات المحلية، بالإضافة إلى قلة الأيدي العاملة المؤهلة، وارتفاع تكاليف التشغيل، حيث أصبح من الصعب تدريب جيل جديد من الحرفيين”.

وأضاف: “في الماضي، كانت لدينا أكثر من 20 عائلة تعمل في هذه الحرفة، أما اليوم فلم يتبقَ سوى ثلاث عائلات فقط تحافظ على هذا التراث العريق”.

انخفاض الإنتاج وغياب السياحة يؤثران على المهنة

يتحدث مختار رمضان النحايسي عن تأثير الأوضاع الاقتصادية في ليبيا على هذه الصناعة، قائلا: “نسبة الإنتاج في الوقت الحالي لا تتجاوز 10% مقارنة في السابق، وذلك بسبب النقص الكبير في المواد الخام، وارتفاع أسعارها، مما لا يشجع الحرفيين على الاستمرار”.

كما يشير إلى أن “تراجع السياحة في ليبيا زاد من معاناة القطاع، إذ كان السياح يشكّلون جزءا كبيرا من الزبائن الذين يشترون المشغولات النحاسية كهدايا تذكارية”.

يؤكد النحايسي أن “شهر رمضان كان يعتبر الموسم الذهبي لبيع الأدوات النحاسية، إذ يزداد الطلب على الأواني التقليدية المستخدمة في تحضير الأطعمة، ولكن بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع أسعار المنتجات، حدث عزوف كبير عن شراء المشغولات النحاسية، مما أثر بشكل مباشر على دخل الحرفيين”.

وأضاف: “كان سعر القدر النحاسي متوسط الحجم في السابق 50 دينارا ليبيا، أما الآن فقد تجاوز 200 دينار ليبي، وهو فارق كبير جعل المواطنين يبحثون عن بدائل أرخص”.

مبادرات للحفاظ على الحرفة

رغم هذه التحديات، لا يزال النحايسي وإخوته يحاولون الحفاظ على هذه المهنة؛ إذ أسسوا شركة “كنوز ليبيا”، التي تهدف إلى المشاركة في المعارض المحلية والدولية لتعريف العالم بالصناعات التقليدية الليبية، وتنظيم دورات تدريبية لنقل المهارات الحرفية إلى الأجيال الجديدة، وترميم وتلميع القطع النحاسية القديمة في المساجد والأسواق الشعبية، مثل أبواب المدينة القديمة النحاسية العتيقة، وبعض المساجد، التي صنع الهلال النحاسي فيها والده الراحل، رمضان النحايسي.

ضرورة إصدار قانون لحماية الحرف التقليدية

يؤكد النحايسي أن “غياب القوانين الداعمة للحرف التقليدية أثّر بشكل كبير على هذه الصناعة”، مشيرا إلى أن “ليبيا انضمت رسميا إلى منظمة “يونسكو”، وهناك جهود لتسجيل النحاسيات ضمن قائمة الصناعات التقليدية المحمية”.

وواصل: “الدولة قادرة على دعم الصناعات التقليدية، لكن لا توجد تشريعات واضحة تحمي هذه المهن، بدون قوانين رسمية، ستستمر هذه الصناعات في التراجع، وربما تختفي تماما”.

دعوة للحفاظ على التراث

وجّه مختار رمضان النحايسي، رسالة إلى المسؤولين والجمهور، قائلا: “نحن نحتاج إلى دعم حقيقي، ليس فقط بالكلام، بل بتشريعات تحمي هذه المهن وتشجع الأجيال الجديدة على تعلمها”.

وأردف: “نحن فخورون بتراثنا، ولكن دون دعم، ربما يأتي يوم تزورون فيه زنقة النحاسين ولن تجدوا فيها إلا الذكريات”.

كما أعرب عن شكره العميق على هذا اللقاء، واعتبره نوعًا من الدعم المعنوي للحرفيين التقليديين الذين يسعون للحفاظ على هوية ليبيا الثقافية.

المصدر: وكالة سبوتنيك

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here