أحمد جبارة
أفريقيا برس – ليبيا. أكد مجدي عبدالقيوم “كنب”، القيادي السابق بحركة “حق”، أن اعتقال ياسر عرمان ثم إطلاق سراحه يفتح باب الاحتمالات، مشيرًا إلى احتمال أن يكون نتيجة لتداعيات الصراع داخل تحالف نيروبي، خصوصًا بعد رفض عرمان فكرة الحكومة الموازية.
وأضاف في حوار مع “أفريقيا برس”، أن الدعم السريع يفتقر إلى القدرة على توسيع رقعة الحرب بسبب فقدانه للمقاتلين والعتاد، مشددًا على أن تصريح عبد الرحيم دقلو لا يعدو كونه محاولة للظهور أكثر من كونه إعلانًا حقيقيًا عن التصعيد.
وأشار إلى أن فكرة الحكومة الموازية فشلت بسبب رفض المجتمع الدولي، وتوقع أن تسعى القوى الدولية لتغيير المسار السياسي في السودان بما لا يتضمن الدعم السريع.
اعتقال ياسر عرمان ومن ثم إطلاق سراحه.. ما دلالات الاعتقال ومن يقف وراءها؟
حسب متابعتي للموضوع، الانتربول أصدر بيانًا نفى فيه عدم صلته بالحادثة، وبالتالي ينبغي قراءة مشهد الحادثة من هذه النقطة. وهناك احتمالان:
1. احتمال أن تكون الحادثة نتيجة لتداعيات الصراع داخل تحالف نيروبي الأخير، حيث رفض الأستاذ ياسر عرمان شخصيًا فكرة الحكومة الموازية بشكل قاطع، وبالتالي يمكن أن تكون الحادثة جزءًا من “الطبخة” الداخلية التي لم تنضج بعد. وما يعزز هذه الفرضية هو أن هناك من كان في نيروبي أحق من الأستاذ ياسر بالملاحقة، إذا كنت تتحدث عن المسؤولية الجنائية، وبافتراض أن الحكومة هي من تقف وراء ذلك.
2. احتمال أن هناك جهات غير رسمية ترغب في إزعاج الأستاذ ياسر وقد تمكنت من اختراق بعض منسوبي الانتربول في كينيا، ولكن هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا جدًا.
عبدالرحيم دقلو أعلن تصعيد عسكري جديد وقال إنه سيتم توسيع رقعة الحرب لتشمل ولايات أخرى من السودان.. هل يقدر على ذلك؟ وهل هذا الخطاب مؤشر لوجود دعم خارجي جديد للدعم السريع؟
السؤال هنا هو كيف يمكن نقل الحرب لولايات أخرى في الوقت الذي انتهت فيه قدرة الدعم السريع كقوة عسكرية، سواء على مستوى المقاتلين أو العتاد العسكري. تركيزه على الهجوم باستخدام الطائرات المسيرة قد يكون مؤشراً على فقدان القدرة على خوض المعركة بشكل تقليدي على الأرض.
وبالنسبة للدعم الخارجي، في ظل التطورات السياسية الإقليمية والدولية، لا أعتقد أن هناك دولة أو عدة دول ستكون على استعداد لتقديم أي نوع من الدعم العسكري المباشر لهذه المليشيا. خاصةً في ضوء التحركات القانونية ضد الإمارات، حيث قدم السودان ملفًا أمام المحكمة في لاهاي، بالإضافة إلى التحركات التي تشهدها أروقة الكونجرس الأمريكي.
في رأيي، خطاب عبد الرحيم دقلو لا يعدو كونه محاولة للظهور وإبراز الوجود، أكثر من كونه إعلانًا فعليًا عن قدرة على التصعيد أو الحصول على دعم خارجي.
مجلس الأمن الدولي يحذر من تشكيل حكومة موازية.. ما هو السيناريو المتوقع لقوات الدعم السريع بعد الرفض الواسع لحكومتهم؟
فكرة الحكومة الموازية كانت في الأساس محاولة من قوات الدعم السريع لإعادة التموضع في المشهد السياسي بعد الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها. ومن الواضح أن هذه الفكرة كانت مدعومة من بعض حلفاء الدعم السريع المدنيين، بالإضافة إلى بعض القوى الإقليمية والدولية. ولكن مع الرفض الواسع لها من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك تحذيرات مجلس الأمن الدولي، يبدو أن هذه الفكرة قد فشلت قبل أن تبدأ، ولا أعتقد أنها ستتحقق.
في السيناريو المتوقع، من المرجح أن تحاول القوى الدولية التي دعمت هذه الفكرة تغيير مسار الأحداث السياسي في السودان عبر محاولة جديدة قد تكون أكثر توافقية، حيث سيسعى الرعاة الدوليون للسودان بعد فشل فكرة الحكومة الموازية لدفع السودان نحو مسار سياسي جديد لا يكون فيه مكان للدعم السريع بحجمه وقوته الحالية.
قد يحاول الدعم السريع “الذوبان” في تحالف جديد، على أنقاض تحالف نيروبي الذي انتهى لحظة ميلاده. هذه التحولات السياسية قد تشمل محاولة الانفتاح على مواقف جديدة في دول الجوار مثل جنوب السودان، خاصة مع النزاع القائم حول منطقة أبيي بين الدينكا والمسيرية، الذي من الممكن أن يتصاعد، ويؤثر على المشهد السوداني بشكل غير مباشر بعد تغيير الوضع في شرق كردفان.
في النهاية، الوضع السياسي في السودان يمر بمرحلة معقدة، حيث يحاول الجميع البحث عن حلول وسط بعد الفشل في الحلول العسكرية والسياسية السابقة.
انهيار واضح لقوات الدعم السريع في الميدان، ماذا يعني لكم هذا الانهيار؟
الانهيار الذي حدث لقوات الدعم السريع كان متوقعًا، وكان مسألة وقت فقط. الأسباب الرئيسية لذلك تتعلق بطبيعة قوات الدعم السريع نفسها. تتكون هذه القوات من مزيج من المرتزقة من دول متعددة، وهو ما يجعلها هشة ومهددة بالانهيار في حال تعرضت لمواجهة طويلة الأمد مع جيش محترف. من الطبيعي أن يقف الشعب السوداني إلى جانب جيشه الوطني، الذي يُعتبر القوة الصلبة المعنية بالدفاع عن الوطن ضد أي تهديد داخلي أو خارجي.
الجيش السوداني يمتلك مزايا كبيرة مقارنة بالدعم السريع، بدءًا من التدريب والتأهيل العالي، مرورًا بالتكتيك المتطور، وصولاً إلى التنوع الكبير في التسليح. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحق المدنيين كانت محفزًا قويًا للشعب السوداني ليتوحد ويقاوم هذه المليشيا، حيث شعر الناس أنهم في معركة وجودية للدفاع عن أرضهم وكرامتهم.
العامل الأهم في هذه الهزيمة الساحقة هو أن الدعم السريع كان يقاتل دون تاريخ أو عقيدة قتالية مشتركة. بينما يقاتل الجيش السوداني بناءً على مبادئ وطنية وثقافية مرتبطة بالجغرافيا والتاريخ، وهي عوامل من المستحيل أن تتمكن مليشيا مرتزقة من امتلاكها. لذا، الانهيار كان أمرًا طبيعيًا في ظل هذه الفوارق الكبيرة.
وبالنهاية، الانهيار ليس فقط بسبب القوات العسكرية المتفوقة، بل أيضًا بسبب التفاف الشعب السوداني حول الجيش، وإدراكهم للقضية الوطنية الكبرى التي يعيشون من أجلها.
بعد انشقاق تقدم وتكوين تحالف “صمود”، هل يمكن القول أن تقدم فك الارتباط مع قوات الدعم السريع؟
إذا كان فك الارتباط حقيقيًا أم لا، فإن الأمر يعتمد على قراءة المشهد من زوايا متعددة. بعض القراءات تشير إلى أن فك الارتباط قد يكون مجرد تكتيك لتوزيع الأدوار، ويستند ذلك إلى تصريحات رئيس تنسيقية “صمود”، الدكتور حمدوك، التي لم تخرج كثيرًا عن الخطاب السياسي لتحالف “تقدم”، إلا في مسألة رفض الحكومة الموازية.
إذا كان هذا هو الحال، فإن فك الارتباط مع الدعم السريع قد يكون مجرد خطوة في سياق تكتيكي أكبر، حيث يبقى ارتباط كلا المجموعتين بالخارج، سواء على الصعيد الدولي أو الإقليمي، عنصرًا هامًا في تحديد مواقفهم السياسية. في هذا السياق، يمكن القول إنهم قد يتصرفون بناءً على مصالح تلك الدول الراعية لهم.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل أن تحالف “صمود” يحاول تحسين صورته بعد خسارته الشعبية الكبيرة نتيجة لمواقفه السابقة المؤيدة أو المتعاطفة مع قوات الدعم السريع، حتى وإن ادعى الحياد. بعد هذه العزلة الجماهيرية، من المحتمل أن يكون تحالف “صمود” يسعى إلى إعادة تموضعه سياسيًا، خاصة مع تغير موازين القوى في الساحة الداخلية.
هل يمكن لتحالف “صمود” التحالف مع الجيش بعد عملية الانشقاق؟
في عالم السياسة، من الممكن أن تحدث تحولات غير متوقعة، كما أشار تشرشل حين قال إن “ليس هناك صداقة دائمة أو عداوة دائمة، إنما مصالح دائمة”. القوى المدنية في تحالف “صمود” كانت في شراكة سابقة مع الجيش وفقًا لتوازن القوى في ذلك الوقت. صحيح أن التوازن الحالي لصالح الجيش، خاصة مع التفاف قطاع واسع من الجماهير حوله بسبب معركة المقاومة ضد غزو خارجي، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك انعدام تام لأي تحالف مع المدنيين.
في الفترات الانتقالية، وخاصة في الدول الهشة أمنيًا مثل السودان، من الضروري أن تقوم عملية التحول السياسي على شراكة بين المدنيين والعسكريين. وبالتالي، من المحتمل أن القوى المدنية، ومنها تحالف “صمود”، قد تجد نفسها مضطرة للعودة إلى شراكة مع الجيش، سواء لأسباب سياسية أو لتلبية متطلبات المرحلة الحالية.
عليه، يمكن القول إنه في ظل ظروف معينة، مثل الحاجة إلى استقرار أو في مواجهة تحديات مشتركة، يمكن لتحالف “صمود” أن يدخل في شراكة مع الجيش، خاصة وأن هذه القوى المدنية موجودة في عدة تحالفات ولا تقتصر على “صمود”. ربما يشمل ذلك تحالفات سابقة مثل “قحت”، التي قد تكون جزءًا من الحل السياسي في المستقبل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس