عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. قرار المحكمة العليا الليبية في مارس 2025 بإلغاء “ضريبة الجهاد” أثار موجة من الردود المتباينة في الأوساط القانونية والاقتصادية، وسط تساؤلات عن مصير الأموال التي تم جمعها على مدار عقود. هذا الحكم، الذي أنهى نصف قرن من الاستقطاع المالي الإجباري، شكل نقطة تحول حاسمة في التاريخ المالي لليبيا.
نظرة مالية وتحليلية
فوزي ددش، الخبير المصرفي والمحلل المالي، في تصريح خاص لـ”أفريقيا برس”، أشار إلى أن حجم الأموال المستقطعة من هذه الضريبة كان كبيرًا جدًا مقارنة بالمدة الزمنية التي تم فيها خصمها من رواتب العاملين في مؤسسات الدولة. كما أضاف أن الضريبة كانت تشكل عبئًا إضافيًا على المواطنين في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وأوضح: “هذه الضريبة كانت تُخصم من المرتبات بشكل إلزامي، ما أدى إلى استنزاف جزء كبير من دخل الأفراد، خاصة في ظل انخفاض الرواتب العامة وتعدد الضرائب المفروضة على المواطنين.” وتابع قائلاً: “بالنسبة للطريقة القانونية التي كان يتم التعامل بها مع هذه الضريبة، كان يتم تحصيل الأموال وفقًا لقانون المصارف الليبي. وكانت مصلحة الضرائب هي الجهة المخولة قانونًا بتحويل الأموال المستقطعة إلى صندوق الجهاد، مما يجعلها تحت رقابة قانونية صارمة”. وأضاف أنه بعد حكم المحكمة، يجب تحديد آلية لإدارة الأموال التي تم جمعها.
تصريحات قانونية حول إلغاء الضريبة
من أبرز ردود الفعل القانونية، طالب العديد من الخبراء والمختصين بفتح تحقيق شامل في مصير الأموال التي تم جمعها من خلال “ضريبة الجهاد”. وأكدوا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن إدارة الأموال، مع التأكيد على أن القضاء الليبي بحاجة إلى القيام بدور أكبر في متابعة أموال المواطنين. بعض المحامين أكدوا على أن إلغاء الضريبة يجب أن يكون بداية لمراجعة قوانين مالية أخرى قد تكون غير عادلة أو غير دستورية.
وفي تعليق له على حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بإلغاء ضريبة الجهاد، صرح القانوني والمختص في القانون العام بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا، مجدي الشبعاني، لمنصة “ليبيا اليوم” حيث أوضح بأن حكم إلغاء ضريبة الجهاد يعتبر من الدور الذي تمارسه المحكمة العليا بالدائرة الدستورية في الرقابة على دستورية القوانين، ومدى انطباقها مع نصوص الإعلان الدستوري، لحماية حقوق المواطنين.
وأضاف أن هذا الحكم يُلزم كافة الجهات والهيئات والمؤسسات بالتوقف عن تحصيل هذه الضريبة، كونها أصبحت مسألة إلزامية وواجبة.
ونوه أنه يجب على الجهات وبالأخص المراقبين الماليين أن يتوقفوا عن توقيع أي حوافظ مالية بها خصم خاص بهذه الضريبة منذ تاريخ إعلان الحكم.
وشدد على أن من يمتنع عن تنفيذ هذه الأحكام يعرض نفسه للمسائلة القانونية، وهي جنحة مباشرة عقوبتها الحبس، ولذلك أعتقد أن الجهات ستلتزم بالتنفيذ طواعيةً.
وأوضح أنه يحق لكل مواطن أن يتقدم بشكوى إلى أقرب نيابة أو محكمة جزئية في أي مؤسسة أو مسؤول يرفض تنفيذ هذا الحكم. كما نوه أن الحكم لا يُنفذ بأثر رجعي، ويتم تنفيذه من تاريخ صدوره للمستقبل فقط.
التداعيات الاقتصادية: تأثيرات على الإيرادات الحكومية
من الناحية الاقتصادية، يمثل إلغاء الضريبة تحديًا كبيرًا للحكومة الليبية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي تعاني منها البلاد. ستواجه الحكومة صعوبة في تعويض الإيرادات المفقودة من هذه الضريبة، والتي كانت تشكل جزءًا من الإيرادات غير النفطية. ومع ذلك، يجب أن تواكب الحكومة التطورات الاقتصادية، حيث يمكن أن تشمل الحلول البديلة زيادة الإيرادات من القطاعات الأخرى، مثل تعزيز السياحة أو تحفيز الاستثمارات المحلية. لكن هذا يتطلب تغييرات هيكلية في الاقتصاد الليبي، وهو أمر قد يستغرق وقتًا.
المطالب الشعبية بإعادة الأموال
طالب العديد من المواطنين والسياسيين بضرورة فتح تحقيقات وإعادة الأموال المستقطعة من الضريبة إلى المواطنين، أو على الأقل توجيهها إلى مشاريع تنموية تعود بالنفع على المجتمع. كما شدد العديد من المراقبين على ضرورة التحقيق في هذه الأموال، حيث قد يكون الفساد قد طال بعض أجزائها.
الجانب السياسي: تداعيات القرار على حكومةالوحدة
القرار الصادر عن المحكمة العليا قد يشكل تحديًا سياسيًا أيضًا، خاصة في ظل الأوضاع السياسية المتقلبة. إلغاء ضريبة الجهاد يُعد ضربة في وجه السياسات المالية القديمة التي كانت مرتبطة بالنظام السابق، ولكنه في الوقت ذاته سيضغط على الحكومة الحالية، التي ستكون مطالبة بتوضيح مصير الأموال التي تم جمعها خلال السنوات الماضية. تحتاج الحكومة إلى اتخاذ إجراءات واضحة وشفافة لمعالجة هذه القضية.
التوجهات المستقبلية: ضرورة مراجعة التشريعات الضريبية
من خلال هذا الحكم، يظهر أن هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في التشريعات الضريبية في ليبيا.
فإلغاء ضريبة الجهاد قد يكون بداية لتغيير شامل في النظام الضريبي الليبي، حيث يطالب البعض بإعادة هيكلة النظام الضريبي ليشمل جميع الضرائب التي تم فرضها في فترات سابقة، خاصة إذا كانت غير عادلة أو غير فعالة.
في الختام، إلغاء “ضريبة الجهاد” يمثل مرحلة هامة في تاريخ ليبيا المالي والسياسي، ولكنه يثير تساؤلات عديدة حول مصير الأموال التي تم جمعها لعدة عقود. إن تصريحات الخبراء والمحللين تكشف عن حاجة ماسة لتحقيق الشفافية والمحاسبة، بدءًا من استرداد الأموال أو توجيهها إلى مشاريع تنموية، وصولًا إلى ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية في النظام الضريبي الليبي. الأيام القادمة ستكشف عن كيفية تعامل الحكومة مع هذه القضية وكيفية إصلاح النظام المالي في ليبيا لتحقيق العدالة المالية والاقتصادية لمواطنيها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس