رسو “يو إس إس ماونت ويتني” في ليبيا: تعاون أمني أم فرض وصاية؟

1
رسو
رسو "يو إس إس ماونت ويتني" في ليبيا: تعاون أمني أم فرض وصاية؟

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. أثار وصول السفينة الحربية الأمريكية “يو إس إس ماونت ويتني” إلى ميناء طرابلس الليبي، في إطار زيارة أعلنت عنها السفارة الأمريكية، جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية والشعبية في ليبيا. وبرغم توصيف الزيارة بأنها تهدف إلى “تعزيز التعاون الأمني” بين البلدين، إلا أن هذا الحدث اعتبره العديد من السياسيين والنشطاء “انتهاكاً للسيادة الليبية” و”صفعة لمبادئ ثورة فبراير”.

في بيان مقتضب، أعلنت السفارة الأمريكية أن السفينة ستزور طرابلس وبنغازي، بمشاركة نائب الأدميرال جيه. تي. أندرسون، قائد الأسطول السادس، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، والقائم بالأعمال جيريمي برنت، بهدف بحث التعاون الأمني ودعم وحدة ليبيا.

الرمزية التاريخية للسفينة تثير غضب الليبيين

رسو السفينة التي كانت القيادة المركزية لعملية “فجر الأوديسا” التي شنها حلف الناتو على ليبيا عام 2011، أعاد إلى أذهان كثيرين ذكريات التدخل العسكري الغربي في البلاد، ما زاد من حدة الانتقادات. وفي الوقت الذي وصف فيه نورلاند الزيارة بأنها “حدث تاريخي” يعكس التزام واشنطن بتحقيق الاستقرار في ليبيا، أكّد الأدميرال أندرسون أن الوجود الأمريكي يهدف إلى “تعزيز التعاون الأمني وحماية سيادة ليبيا”.

مشروع أمريكي لتوحيد القوة العسكرية وتقليص النفوذ الروسي

وفي تصريح خاص لموقع أفريقيا برس، كشف المستشار العسكري الليبي عادل عبدالكافي أبعاداً أعمق لهذا التواجد الأمريكي، مؤكداً أن الهدف الأساسي للزيارة هو “استكمال مشروع أمريكي بدأ منذ ثلاث سنوات لتشكيل قوة عسكرية ليبية موحدة بين الشرق والغرب والجنوب، بناء على اجتماعات تمت في تونس، إيطاليا، وباريس”.

وأضاف عبدالكافي “الولايات المتحدة تسعى لتقليص الدور الروسي المتصاعد في ليبيا، خاصة بعد استخدام الروس للأراضي الليبية كمنصة لعملياتهم نحو دول الساحل والصحراء، عبر قواعد مثل الجفرة والخادم، ووصولاً إلى قاعدة معطن السارة جنوب شرقي ليبيا.”

وشدد على أن واشنطن تسعى لاجتثاث ما وصفته “بالقوة الخبيثة”، في إشارة للوجود الروسي، عبر تكوين قوة عسكرية محلية مدعومة لوجستياً واستخباراتياً أمريكياً، لحماية الحدود الجنوبية ومنع تدفق الأسلحة إلى جهات كحميدتي ودول الساحل والصحراء.

صفعة للكرامة الوطنية ووصاية جديدة تحت ستار التعاون الأمني

أما الناشط والمحلل السياسي عدنان النجار، فكان أكثر حدة في انتقاده للزيارة، إذ اعتبرها “صفعة مدوية على وجه كل ليبي حر، وإهانة لا تُغتفر لتاريخنا ولتضحيات ثورة فبراير المجيدة”. و قال النجار “إنها رسالة احتقار لذاكرتنا الوطنية… كيف نسمح لبارجة أمريكية بأن ترسو في موانئنا، بينما الحقيقة هي استعراض وقح للقوة وتكريس للوصاية؟” مذكراً بتاريخ ليبيا المجيد عندما واجه البحارة الليبيون الغطرسة الأمريكية في القرن التاسع عشر، وأسروا المدمرة “فيلادلفيا”.

كما حذّر من الأهداف الخفية للتواجد الأمريكي، قائلاً: “أمريكا لا تأتي ببارجاتها لتبني لنا وطناً أو لتحمي سيادتنا، بل لتفرض هيمنتها وتضمن مصالحها.” معدداً أهدافاً مثل تثبيت الهيمنة الأمريكية في مواجهة روسيا وفرض الوصاية العسكرية عبر “جيش موحد” يخدم الأجندة الأمريكية وضمان المصالح الاقتصادية خاصة في قطاع النفط وتطبيع التدخل الخارجي عبر إذعان الحكومات المحلية وإلهاء الرأي العام عن الفساد والانقسام وفشل الدولة.

بين المخاوف والسيادة… إلى أين تمضي ليبيا؟

زيارة “يو إس إس ماونت ويتني” إلى ليبيا فتحت مجدداً ملف التدخلات الأجنبية في البلاد، وكشفت عمق الانقسام في النظرة إلى التعاون الدولي: بين من يراه فرصة لتعزيز الاستقرار، ومن يراه تكريساً للتبعية وضرباً للسيادة. وبينما تتحدث واشنطن عن “الشراكة الأمنية”، يتحدث الليبيون عن ذكريات الناتو، والمخاوف من تقسيم جديد تحت مسمى توحيد الجيش.

وفي ظل غياب مشروع وطني جامع، يظل السؤال مفتوحاً: من يملك القرار السيادي في ليبيا؟ وهل ستبقى البلاد ساحة صراع إقليمي ودولي، أم تستعيد صوتها الحر ومكانتها المستقلة؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here