عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. منذ فبراير الماضي، شهدت منطقة الأصابعة غرب ليبيا ظاهرة غامضة، حيث اندلعت حرائق مفاجئة في أكثر من 100 منزل متفرق، دون أسباب معروفة حتى الآن، مما أثار حالة من الذعر والجدل بين السكان، وترك عقولهم حائرة بين تفسيرين متناقضين، أحدهما يستند إلى العلم، والآخر يغوص في عالم الجن والأساطير.
استمرت هذه النيران الغريبة ومجهولة المصدر في التهام منازل مدينة الأصابعة الجبلية، التي لا يتجاوز عدد سكانها 65 ألف نسمة، على شكل موجات متقطعة خلال هذه الفترة. وقد التهمت ألسنة اللهب بعض هذه المنازل بالكامل، وسط تخبط الجهات الرسمية في مكافحتها، لا سيما في البداية، بسبب ضعف الاستعدادات وقلة الإمكانات اللوجستية في المنطقة.
وفي حوار أجرته أفريقيا برس مع عميد بلدية الأصابعة، عماد المقطوف، أوضح فيه أن الحرائق عادت من جديد، لكن بوتيرة أقل مما سبق، حيث خفّت خلال شهر رمضان، وتجددت بعد عيد الفطر في أكثر من ثلاثة منازل خلال أبريل الجاري. وأضاف أن هناك منازل تجددت فيها الحرائق دون الإبلاغ عنها، لتعامل سكانها مع النيران بوسائل الإطفاء الأولية.
وأكد أن البلدية لم تستلم أي تقرير رسمي من اللجنة الأوروبية التي زارت المدينة، للكشف عن الأسباب العلمية أو الجنائية التي قد تفسر هذه الحرائق. ونوّه بأن كل المعلومات الأولية لا تشير إلى وجود أسباب جنائية متعمدة أو علمية، مثل تسرب الغازات أو التلوث كما يُشاع.
وشدد المقطوف على ضرورة دعم فرق السلامة الوطنية في المنطقة، نظرًا لحالة الإرهاق وطول مدة تواجدهم في حالة طوارئ منذ فبراير الماضي. كما أردف أنه، رغم الخسائر المادية الكبيرة في الممتلكات، فإنه – بفضل الله – لم تُسجل أي خسائر في الأرواح.
ما أبرز المستجدات التي توصلت إليها البلدية بشأن الحرائق الأخيرة في الأصابعة؟
حتى الآن، لا تزال الأسباب مجهولة، ولم يُقدّم أي تقرير رسمي أو غير رسمي يؤكد أو ينفي الروايات المتداولة. كل الفرق البحثية، سواء العلمية أو الجنائية، ما زالت تحقق دون التوصل إلى نتائج قاطعة. هناك من رجّح احتمال وجود تلوث صادر من المكب أو غاز معين، لكن لا شيء مؤكد حتى اللحظة. كما أن الفرقة المكلفة من قبل مكتب النائب العام، رغم كونها مكتملة من الناحية الفنية والجنائية، لم تحدد بعد أسباب اندلاع الحرائق.
كيف تقيّمون تعامل فرق الإطفاء والطوارئ مع الحرائق المتكررة في البلدية؟
الوضع صعب جدًا. فرق الطوارئ، خاصة رجال هيئة السلامة الوطنية وجهاز الإسعاف السريع، يعملون بجهود جبارة رغم تواضع الإمكانات. شهدت البلدية موجتين كبيرتين من الحرائق، كانت الأولى في فبراير، والثانية مباشرة بعد عيد الفطر. هذا الضغط المتواصل أنهك الطواقم، ومع ذلك، ما زالوا يواصلون عملهم رغم الاستنزاف الكبير.
هل هناك تقديرات أولية عن حجم الخسائر المادية والبشرية الناتجة عن هذه الحرائق؟
وفق ما تم رصده، فقد تم تسجيل 44 حالة احتراق منازل خلال ثلاثة أيام فقط، وبعض المنازل اشتعلت أكثر من مرة. هناك لجنة تقديرات تابعة لجهاز المباحث الجنائية تعمل على حصر الأضرار، وترفع تقاريرها إلى وزير الحكم المحلي، ومن ثم إلى رئاسة الوزراء. لكن لا يمكن الحديث عن أرقام نهائية حتى تكتمل هذه الإجراءات.
إلى أي مدى ساعد الفريق الأوروبي المتخصص في تحديد أسباب الحرائق؟
حتى الآن، لم يصل إلى البلدية أي تقرير من الفرق الأوروبية أو الأجنبية. نحن في انتظار فرق دولية تابعة للمؤسسة الوطنية للنفط، والتي طلبنا تدخلها لتسريع عملية البحث عن الأسباب. ونأمل أن تُسهم هذه الفرق في توضيح الصورة وتخفيف حالة الهلع والخوف لدى المواطنين.
ما الإجراءات العاجلة التي اتخذتها البلدية لدعم المتضررين من سكان المنازل المحترقة؟
قمنا بتشكيل لجنة تعويضات تعمل بشكل أسبوعي، وترفع تقارير مبدئية للجهات العليا. لكن صرف التعويضات لم يُبت فيه بعد، نظرًا لاستمرار اندلاع النيران وعدم الاستقرار. نحن حالياً في مرحلة حصر الأضرار، وسننتقل إلى التعويضات بعد انتهاء موجات الحرائق أو تحديد أسبابها رسميًا.
هل رُصدت مؤشرات جنائية أو شبهات معينة وراء هذه الحوادث المتكررة؟
لا توجد حتى الآن أي مؤشرات جنائية مؤكدة. كل ما يُتداول في هذا الشأن لا يستند إلى تقارير رسمية. نؤكد على ضرورة الاعتماد على القنوات الموثوقة في نقل المعلومات، وحتى اللحظة، لا توجد جهة رسمية، محلية أو دولية، قدمت تقريرًا يحدد طبيعة أو خلفيات هذه الحرائق.
في الختام، رغم تصاعد الحيرة وتنامي القلق في أوساط السكان، لا تزال حرائق الأصابعة لغزًا يحير الجميع، في ظل غياب تفسير علمي أو جنائي قاطع. وبين من يعلّق الظاهرة على مشاجب العلم والتلوث، ومن يربطها بالخوارق والأساطير، يبقى الأمل معقودًا على نتائج التحقيقات الرسمية والدولية المرتقبة لكشف الحقيقة وإنهاء حالة الغموض، وعودة الطمأنينة إلى قلوب الأهالي المنهكة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس