التفويض بديكور جديد

التفويض بديكور جديد
التفويض بديكور جديد

عبدالله الكبير

أفريقيا برس – ليبيا. للمرة الثانية يلجأ حفتر للقبائل لتفويضه حاكما مطلقا للبلاد، بعد إجراء بعض التحويرات للتجربة السابقة المتعحلة، إذ لم يتفاعل الناس حينها بالشكل المطلوب مع تلك الدعوة، ومرت كأنها لم تكن.

هذه المرة أعيد استخدام قطع ديكور قديم كان القذافي يستخدمه تحت لافتة القيادات الاجتماعية، لتمرير ما يرغب في تسويقه بغطاء اجتماعي يوحي أن هناك ارتياح وقبول لقراراته وسياساته.

المرة الأولى كانت في أبريل سنة 2020، بعد أن لاحت بوادر هزيمة حفتر وانكسار قواته ومرتزقته على أسوار طرابلس، عقب التدخل التركي لمصلحة حكومة الوفاق وقواتها، التي استبسلت في الدفاع على طرابلس، ثم اتفاق غير معلن بين تركيا وروسيا انسحبت على إثره مجموعات الفاغنر، التي اعتمد حفتر على قدراتها القتالية لمساعدته في اقتحام طرابلس.

إزاء الهزيمة الوشيكة آنذاك، وقبل إعلانها الضمني بعبارات ملطفة عن إعادة التموضع والانسحاب التكتيكي، طلب حفتر في خطاب مرئي من الشعب إسقاط حكومة الوفاق الوطني وتفويض الجهة المناسبة لحكم البلاد وإنهاء الفوضى، ورغم إجراءات الحظر بسبب كورونا آنذاك، خرج أنصاره في عدة مناطق بشرق البلاد داعين إلى تفويض حفتر، ولكن الاستجابة لم تكن في المستوى الذي يمكن أن يقنع القوى الدولية أو المحلية بوجود تأييد شعبي لحفتر، فالدعوات لم تسمع إلا في مناطق نفوذه حيث لا صوت ولا قرار ولا رؤية ولا موقف لأحد غيره، لأن مخالفته باهظة الثمن، لذلك يؤثر الناس السلامة، ويتظاهرون بتأييده أو يلزمون الصمت، وحتى في الصمت مخاطرة لأنه يمكن أن يفسر كموقف قد يجر صاحبه للمساءلة.

ومثل كل حاكم متسلط من العصور الغابرة، لا يؤمن حفتر بالديمقراطية والانتخابات، إلا إذا كانت نتائجها مضمونة سلفا بنسبة عالية، إما بالتزوير المباشر، أو بتقدمه كمرشح وحيد، أو بوجود مرشحين مجهولين لم يسمع بهم أحد في العمل السياسي، وفي الحالات الثلاثة لا تعبر العملية الانتخابية عن الحقيقة، ولا تعكس الإرادة الحقيقية للشعب.

رسائل حفتر في اجتماعاته مع من تقدمهم وسائل اعلامه كشيوخ وأعيان وحكماء ( القيادات الشعبية الاجتماعية سابقا )، غامضة لأنها تدعو الشعب للتحرك لإنقاذ البلاد، معلنا استعداد مليشياته لحماية الخيار الذي سيقرره الشعب، وبصرف النظر عن شطبه لرغبة الشعب في الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وتجاهله لمبادرة البعثة التي تهدف في مرحلتها الأخيرة إلى إجراء الانتخابات، وموقفه الرافض للدستور والإشارة له باستخفاف في لقاء سابق له مع نفس الديكور، فإن تجنب الطرق الصحيحة لتعبير الشعب عن إرادته، بالطريقة الغامضة التي أعلنها بعدة صيغ، هي مجرد خدعة لن تنطلي على الشعب.

من عيوب محاولة تزوير إرادة الشعب بهذه الخدعة هي إعلان مجالس حكماء وأعيان بعض الكيانات الاجتماعية، عدم اعترافها بمن مارسوا هذا الدور وتحدثوا باسمهم، والتأكيد أنهم منتحلون ولا يمثلون المدن أو الكيانات الاجتماعية التي يزعمون تمثيلها، وهذا سيقود لفوضى وارتباك واضح، لأن هذه المجالس تفتقد لشرعية حقيقية تؤهلها للتحدث باسم من تزعم تمثيلهم، فضلا عن التداعيات الخطيرة للزج بالقبيلة أو المدينة في المعترك السياسي، لأن هذا التوجه تجاوزه الزمن، فلا بديل عن المواطنة وتكريس حرية الناس كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، ومن أهم هذه الحقوق حقهم في اختيار من يدير شؤونهم على كل المستويات عبر صناديق الاقتراع، و من ثم لا مجال لتمرير هذا المشروع واعتباره بديلا واقعيا عن الانتخابات، ومن يسعى لمصادرة حق الناس في ممارسة حقهم في الاختيار عبر آليات معاصرة تعمل بها أغلب شعوب العالم، هو محتال يحاول استغفال الناس وخداعهم في زمن انفجار المعلومات، وتقدم الوعي الإنساني نحو تكريس حرية الاختيار، وعلى الناس التمسك بحقوقهم والتصدي لأي محاولة لعودة الاستبداد عبر هذه الألعاب السحرية المخادعة، برفضهم المعلن عبر المظاهرات والبيانات لأي محاولة للقفز على الانتخابات، وأن من يشارك في حفلات التفويض لا يمثل إلا نفسه.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here