أفريقيا برس – ليبيا. عبّر وزراء خارجية عدد من الدول الأفريقية، ومسؤولون في الاتحاد الأفريقي، عن قلق متزايد من تصاعد الانقلابات في القارة وتهديدات الإرهاب، خصوصاً في منطقة الساحل الأفريقي.
وجاء هذا في اجتماع عالي المستوى، افتُتح في مدينة وهران بغرب الجزائر، الاثنين، وحضره مفوض الاتحاد الأفريقي محمد علي يوسف، ووزراء خارجية أفارقة وأعضاء مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والأمين العام المساعد للأمم المتحدة المكلف عمليات حفظ السلم جان بيار دي لا كروا؛ لبحث مشاكل القارة الأفريقية الأمنية والنزاعات والحروب التي تواجه دولاً عدة منها.
وانتقد وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، في افتتاح المؤتمر «انكفاء الدور الدبلوماسي لقارة أفريقيا وقلة المبادرات الأفريقية لرأب الصراعات والنزاعات»؛ ما فتح المجال، حسبه، أمام تهافت التدخلات الخارجية. وساق مثالاً على ذلك بالحرب الجارية في السودان، والأزمة الليبية، والاضطرابات على حدود بلاده في منطقة جنوب الصحراء، خصوصاً في مالي.
وقال عطاف إن الظروف التي تمرّ بها القارة «تفرض تحدياتٍ إضافية عليها، لا سيما ونحن نشهد اليوم تلاشي واضمحلال الاهتمام الدولي بقضايا السلم والأمن في قارتنا»، لافتاً إلى الحرب في السودان «التي تقترب من عامها الثالث، مخلّفة أخطرَ أزمة إنسانية دون حل، والأزمة في ليبيا صارت نسياً منسِياً».
كما تناول عطاف في كلمته نزاع الصحراء و«انقضاء اثني وستين عاماً على الوعد الأممي بتمكين شعبِها من حقه في تقرير المصير… كما فاقت الأوضاع في منطقة الساحل الصحراوي حدود التأزم، دون أي تحرك نحو معالجة ظاهرة التغييرات غير الدستورية للحكومات، أو التكفل بآفة الإرهاب المتفاقمة»، مشيراً إلى أن «هذه الأوضاع تثبت أنه لا مفرّ من إعادة إنتاج الأزمات ذاتها، بل بِصيغ أكثرَ حدة، حين تغيبُ الحلول الدائمة والمستدامة، حلولٌ من تدبيرٍ أفريقي، وصُنعٍ أفريقي، وتنفيذٍ أفريقي».
«دور دبلوماسي ضعيف»
وفي تقدير عطاف، تفرض مشاكل المناطق وأزماتها التي ذكرها، «أن نرفع المرآة إلى ذوَاتنا، فقد أصبح ضعف الدور الدبلوماسي القاري سمة ملازمة للمشهد العام للسلم والأمن في أفريقيا، بينما أدى نقص المبادرات الأفريقية الرامية لحل الصراعات والنزاعات إلى اتساع المجال أمام التدخلات الخارجية المتكررة.» وأضاف: «أفريقيا أحوج ما تكون اليوم إلى تعزيز دورها الدبلوماسي، وإلى بلورةِ وتفعيلِ حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية. وهذا يتطلب نهجاً قوامه الحضور البارز في مواطن التأزم، وأساسه التواصل الهادف مع الفرقاء كافة، ومنطلَقه المبادرة الفعلية بطرح مقترحاتِ الوساطة».
من جهته، أكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الجيبوتي محمود علي يوسف، أن تصاعد الانقلابات العسكرية في القارة «يمثل تحدياً بالغ الأهمية، كما يستوجب أن نظل حازمين وغير متساهلين تجاه هذه التغييرات غير الدستورية في الحكومات. وفي الوقت نفسه، تشكل عودة الإرهاب في أفريقيا، من الساحل إلى القرن الأفريقي، ومن حوض تشاد إلى موزمبيق، مصدر قلق كبير؛ ما يستدعي دعوة مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته بالكامل في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، عبر تعزيز آليات الوقاية وتقوية الآليات الإقليمية».
ودعا علي يوسف إلى «التصدي لتزايد التدخلات الخارجية التي تعقّد بشكل خطير حل الأزمات الأفريقية… ووجب تذكير الجميع بأن الحلول للمشاكل الأفريقية يجب أن تبقى أفريقية، مع احترام سيادة الدول والقانون الدولي»، وتعهد بـ«الاستمرار في استخدام جميع المنصات المتاحة لإسماع صوت أفريقيا، كما فعلنا في تيكاد (المؤتمر الدولي طوكيو من أجل تنمية أفريقيا) ومجموعة العشرين والقمة السابعة للاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، وغيرها من المناسبات».
«مسار وهران»
وافتتح الاجتماع في إطار «مسار وهران»، وهو لقاء سنوي تستضيفه كبرى مدن غرب الجزائر، ويجمع مسؤولين ودبلوماسيين وخبراء مختصين في قضايا الأمن، من دول أفريقية ومنظمات دولية؛ بهدف مناقشة قضايا الأمن والسلم في القارة. يركز المسار على توحيد الموقف الأفريقي في المحافل الدولية، خصوصاً داخل مجلس الأمن، وتعزيز مبدأ إيجاد حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية دون الاعتماد على الأطراف الخارجية. ويناقش المشاركون، عادة، تحديات مثل الإرهاب، والجريمة المنظمة، والانقلابات، والاضطرابات الإقليمية، ويسعون لتنسيق الجهود بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
وانطلق «مسار وهران» لأول مرة في ديسمبر (كانون الأول) 2013 بالجزائر العاصمة، قبل أن ينتقل لاحقاً إلى مدينة وهران التي أصبحت مقرّه السنوي. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا المسار موعداً ثابتاً يجمع مسؤولين ودبلوماسيين من أفريقيا والأمم المتحدة لمناقشة ملفات السلم والأمن في القارة. وتنظّم الجزائر هذا الحدث في إطار رغبتها في لعب دور محوري في استقرار المنطقة، مستفيدة من موقعها وتجربتها الدبلوماسية في معالجة أزمات القارة، ولتشجيع تكتل أفريقي موحّد وفاعل في القضايا الحساسة التي تمس القارة. وتعدّ الجزائر معنية بشكل مباشر ببعض الأزمات، خصوصاً الاضطرابات التي تعيشها الدول المجاورة مالي والنيجر وبوركينافاسو، حيث شهدت انقلابات ومحاولات تغيير نظام الحكم بالقوة بين 2021 و2025. كما شهدت المنطقة في السنوات الأخيرة نشاطاً لافتاً لمجموعات «الفيلق الأفريقي»؛ وهو من أثار قلق الجزائر الذي رأت فيه مساً بالاستقرار الداخلي في هذه البلدان.
وأفاد عطاف في خطابه، بأن المشاركين في هذا المؤتمر «يعودون بعد 12 سنة إلى نقطة المنبع للوقوف على ما تم إحرازه من تقدمٍ لافت على درب تجسيد الرؤية الاستراتيجية وترجمتِها واقعاً ملموساً في أُطُرِ الأمم المتحدة».
ودعا الوزير الجزائري إلى أن يكون الاجتماع الجديد، الذي يستمر يومين، «مناسبةً لتجديد الالتزام بمضاعفة الجهود من أجل صياغة حلولٍ أفريقية لتَطبِيب الأوجاع الأفريقية، وتجديد الالتزام بالمرافعة بصوت واحد وموحد عن أولويات أفريقيا، وتجديد الالتزام بمواصلة التعبئة من أجل إنهاء تهميش أفريقيا في مختلف مراكز صنع القرار الدولي».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





