ليبيا: إنفاق حكومي «متزايد» في مقابل أزمات معيشية خانقة

ليبيا: إنفاق حكومي «متزايد» في مقابل أزمات معيشية خانقة
ليبيا: إنفاق حكومي «متزايد» في مقابل أزمات معيشية خانقة

علاء حموده

أفريقيا برس – ليبيا. على الرغم من الارتفاع القياسي في إنفاق السلطتَيْن التشريعية والتنفيذية، تواصل ليبيا الغرق في حالة الانقسام السياسي، من دون أي خطوات ملموسة لتوحيد المؤسسات أو فتح مسار سياسي واضح. وفي المقابل، تتصاعد الأعباء المعيشية على المواطن، في مشهد يراه متابعون دليلاً جديداً على «غياب أي عائد فعلي لهذا الإنفاق المتنامي».

وقد بدا هذا الواقع أكثر وضوحاً مع الزيادة الكبيرة في نفقات حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، ومجالس: («الرئاسي»، و«النواب»، و«الأعلى للدولة»)، التي ارتفعت بنحو 42 في المائة خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، لتصل إلى نحو 5.7 مليار دينار، مقارنةً بنحو 4 مليارات دينار في الفترة نفسها من العام الماضي، بفارق يناهز 1.7 مليار دينار، حسب أرقام المصرف المركزي (الدولار يساوي 5.43 دينار في السوق الرسمية، و8.19 دينار في الموازية)

ورغم هذه الأرقام الضخمة للنفقات، فإنه ومن وجهة نظر وزير النفط السابق محمد عون، «غير ذات جدوى»، بل عدها «تبذيراً وتفريطاً في ثروة ليبيا». ويعتقد عون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بوجود «فساد غير مسبوق ومخالفة واضحة للقوانين والتشريعات النافذة»، مسلطاً الضوء على قرارات النائب العام الصديق الصور بحبس عدد من المسؤولين على مختلف المستويات.

هذا الإنفاق العام أيضاً، ورغم تضخّمه، فإنه -وحسب رؤية المحلّل السياسي حسام الفنيش- «لم يُترجم إلى خطوات جادّة لتوحيد المؤسسات أو إنهاء حالة الانسداد السياسي عبر مسار انتخابي واضح».

ويرى الفنيش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشكلة لا تكمن في حجم الإنفاق فقط، بل في غياب العائد السياسي والاقتصادي له، إذ يُستخدم المال العام لتدوير الأزمة بدلاً من دفع التنمية، في حين يدفع المواطن الثمن من قوته الشرائية اليوم ومن فرصه المستقبلية غداً».

وسبق أن حذّر تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في يونيو (حزيران) 2025 من أن «الانقسام السياسي والهشاشة المؤسسية يعوقان قدرة السلطات الليبية على ضبط الإنفاق العام، ما يجعل تحقيق إصلاحات مالية أو هيكلية صعباً».

ويرى الباحث السياسي الليبي محمد الأمين أن «الأرقام المعلنة حول حجم الإنفاق العام في ليبيا تكشف عن خلل جوهري في أولويات الصرف، إذ إن الأموال التي كان يُفترض أن تُترجم إلى بنى تحتية فعّالة أو مشاريع تنموية أو منظومات حماية اجتماعية، تحوّلت عملياً إلى أدوات لصناعة الولاءات وتمويل شبكات النفوذ».

ويضيف الأمين لـ«الشرق الأوسط» أن «جزءاً كبيراً من هذا الإنفاق لا يذهب لتلبية احتياجات المواطنين؛ بل لتثبيت تحالفات السلطة والسلاح وتأمين استقرار سياسي مؤقّت يأتي على حساب التنمية والعدالة»، مشيراً إلى أن «المال العام يُدار خارج منطق الدولة الحديثة، ليُستخدم وسيلة لإدارة توازنات سياسية واجتماعية هشّة، لا بوصفه رافعة اقتصادية أو تنموية».

ويتساءل: «إلى متى يمكن لهذا النمط من الإنفاق أن يستمر دون مساءلة حقيقية؟»، محذّراً مما سمّاه «التسيّب المالي»، ويرى أن تداعياته ستكون لها «تكلفة باهظة على المجتمع الليبي ومستقبل الدولة».

في المقابل، لم تُسجّل مسارات توحيد الحكومتَيْن الليبيتَيْن أو المؤسسة العسكرية المنقسمة أي تقدّم ملموس خلال العامين الماضيين، رغم سخاء الإنفاق، حسب مراقبين رأوا أن محاولات الحل ظلّت رهينة المناورات الداخلية والمبادرات الدولية التي لم تُثمر شيئاً، في بلد يعيش انقساماً مزمناً بين حكومتَين؛ «الوحدة» في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأخرى تهيمن على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد.

الملاحظ أن هذا الإنفاق المتزايد من جانب السلطتَين التشريعية والتنفيذية يتزامن مع شكاوى لا تنقطع من قطاعات من الليبيين من نقص السيولة، والأزمات المعيشية الخانقة، وعدم وصول الكتاب المدرسي إلى الطلاب، بالإضافة إلى احتجاجات مرضى الأورام والأمراض المزمنة، وهي حالات ترصدها وسائل الإعلام المحلية ونشطاء المجتمع المدني ولا يتم إنكارها رسمياً.

ويعتقد الفنيش أن «جزءاً كبيراً من النفقات يُصرف تحت مسمّيات (الإعمار والتنمية) دون أثر حقيقي؛ ما يحوّلها إلى دورة مالية مغلقة داخل شبكات مصالح، ويزيد الضغوط على الاستقرار المالي والنقدي»، في وقت تتآكل فيه القدرة الشرائية لليبيين ويستمر تراجع قيمة الدينار.

كما أن هذه المعطيات تفتح الباب واسعاً أمام الحديث عن الفساد، خصوصاً بعد ترتيب ليبيا المتدنّي في آخر تقرير لـ«الشفافية الدولية» العام الماضي، بعدما حلّت في المرتبة الـ173 من أصل 180 دولة بمؤشر مدركات الفساد، متراجعةً عن العام الذي قبله بثلاث مراتب، وذلك إلى جانب تقارير الأجهزة الرقابية الرسمية وأبرزها «ديوان المحاسبة».

ويربط رئيس حزب الائتلاف الجمهوري، عز الدين عقيل، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، هذا الإنفاق الحكومي بالحالة السياسية في عموم البلاد، قائلاً إن «مستوى الفساد وإهدار المال العام بلغ درجات غير مسبوقة»، عادّاً حجم النهب «يفوق ما شهدته أي دولة خلال القرن الأخير»، وأن المؤسسات المالية والاقتصادية «تعاني ترهّلاً حاداً نتيجة هذا الانفلات».

ويرى بعض السياسيين أن زيادة الإنفاق من جانب السلطات الليبية لا يمكن فصلها عن الأدوار الدولية المتصاعدة على المسار الاقتصادي، في ظل واقع تصفه المبعوثة الأممية هانا تيتيه بـ«حالة عدم اليقين الاقتصادي» الناتجة عن غياب ميزانية موحدة، ما يزيد هشاشة الاقتصاد ويعقّد أداء مؤسسات الدولة.

ويصف محلّلون هذا المسار بأنه شكل من «تدوير الأزمة» بدلاً من معالجتها، يحذّر خبراء اقتصاد وسياسة من أن استمراره سيحمّل ليبيا كلفة اجتماعية وسياسية واقتصادية باهظة في المديين القريب والبعيد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here