أهم ما يجب معرفته
تتناول المقالة الوضع الأمني المتدهور في ليبيا، مشيرة إلى صفقة دفاعية مع باكستان وتأثيرها على الصراع الداخلي. كما تسلط الضوء على تداعيات الحرب الأهلية في السودان على ليبيا، حيث تتحول الصحراء إلى ممر لنقل الأسلحة والمقاتلين، مما يزيد من تعقيد جهود توحيد مؤسسات الدولة ويهدد الاستقرار في حوض البحر المتوسط.
أفريقيا برس – ليبيا. ألقت صحيفة تركية الضوء على حدثين بارزين شهدهما ليبيا الأسبوع الماضي، هما توقيع باكستان صفقة دفاعية بقيمة أربعة مليارات دولار مع قوات “القيادة العامة” في بنغازي، والتقارير بشأن اتساع رقعة الحرب الأهلية في السودان، وتحول الصحراء الليبية إلى ممر لانتقال الأسلحة والمقاتلين جنوباً. وحذرت من تحول الوضع في ليبيا إلى معضلة أمنية معقدة، تعرقل الجهود السياسية الرامية لتوحيد مؤسسات الدولة، وهي معضلة سيكون لها تداعيات على حوض البحر المتوسط بأسره.
وقالت، في تقرير نشرته الأحد: “يبدو الحدثان منفصلان، لكن عند جمعهما معاً، فإنهما يعكسان عسكرة بطيئة يمكن أن تعقد من حالة الجمود السياسي في ليبيا وتحوله إلى معضلة أمنية، سيكون لها تداعيات مباشرة على شرق حوض البحر المتوسط والحسابات الاستراتيجية لتركيا”.
ورأت الصحيفة أن الهدوء الظاهر الذي تبدو عليه الأوضاع في ليبيا الآن ربما يكون خادعاً، وقالت موضحة: “في الوقت الذي تصف فيه القوى الخارجية الوضع بالصراع المجمد، إلا أن النزاع الداخلي لا يزال مستمراً حتى من دون تبادل طلقات المدفعية”. وأضافت: “نظرياً، تبدو ليبيا في مرحلة ما بعد الصراع، إلا أنها تنزلق صوب الظروف نفسها التي كانت قائمة في مرحلة الصراع. يبدو أن البلاد لا تظل عالقة بين النقيضين”.
صفقة دفاعية مع باكستان
فيما يتعلق بالصفقة الدفاعية الموقعة بين باكستان وقوات “القيادة العامة”، والتي لم يجر تأكيد تفاصيلها بشكل رسمي إلى الآن، قالت الصحيفة إن “الأهمية الاستراتيجية لتلك الصفقة تتجاوز نوعية العتاد العسكري أو الأسلحة المتفق على بيعها بل على ما تعنيه استراتيجياً”.
وأضافت: “قد تفتح الصفقة قنوات إمداد جديدة لمعسكر حفتر. ففي ليبيا، تشكل صفقات التوريد السياسة لأنها تغير التوقعات بشأن النفوذ على الأرض، وهو ما يمكن أن يؤثر على الموقف التفاوضي في المستقبل”.
كما تطرح الصفقة الدفاعية تساؤلاً هاماً بشأن إنفاذ حظر التسليح المفروض من قبل مجلس الأمن الدولي منذ سنوات. وقالت الصحيفة: “حينما تتداول الأنباء على صفقات تسليح بقيمة مليارات الدولار بحرية، يشير ذلك إلى وجود نفاذية ورصد غير متكافئ في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط”.
وأضافت: “إذا كان إنفاذ القرارات الأممية غير متكافئ، فإن حظر التسليح يتحول إلى أداة سياسية وليس رادعاً عملياً، وبالتالي يشجع الأطراف على الأرض على النظر إلى صفقات التسليم الجديدة باعتبارها أمراً ممكناً”.
وتابعت: “لطالما استخدم معسكر حفتر حجة تحديث قواته كميزة إضافية. وغالباً ما تستخدم القدرات العسكرية في المنطقة الشرقية كورقة تفاوض أو رسالة ردع وأداة لتأكيد الشرعية الداخلية، وليس لأغراض عملياتية فقط”.
رسالة ردع
كما أشارت الصحيفة إلى أنه “في ظل الوضع الأمني المتشرذم في ليبيا، تكتسب التصورات أهمية كبيرة لأنها تؤثر على حسابات الخطر. فالمنافسون يقلصون المخاطر، والجهات الراعية تعدل دعمها، والوسطاء المحليون يرفعون أسعار خدماتهم. ولهذا السبب، حتى الشائعات حول توافر أنظمة عسكرية قد تحمل وزناً استراتيجياً في ليبيا”.
وفي حين استبعدت الصحيفة اشتعالاً فورياً لتصعيد شامل على غرار العام 2019، فقد رأت أن الأوضاع تتجه إلى انزلاق تدريجي في ليبيا. وفي الوقت نفسه، تتواصل العملية السياسية بلغة رسمية، في حين يميل التوازن الأمني بهدوء.
اشتعال حرب السودان جنوباً
وفي الجنوب، قالت الصحيفة إن الصحراء الشاسعة تحولت إلى أنسجة تربط ليبيا والسودان وتشاد والنيجر ومنطقة الساحل، وأصبحت ممرًا رئيسيًا لنقل الأسلحة والوقود والمقاتلين والأموال بطرق غير مشروعة.
وقد أثرت الحرب في السودان بشكل خاص على دول الجوار، وتسبب في “تآكل الغرض من الحدود كحواجز ذات معنى”. وقد حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن تقدم التشكيلات المسلحة قد يؤدي إلى موجة نزوح جديدة للاجئين، مع سيناريوهات محتملة تشمل نزوح عشرات أو حتى مئات الآلاف من السودانيين إلى جنوب ليبيا.
غير أن الصحيفة حذرت مما وصفته بـ”الوجه الخفي” لحرب السودان، وهو اقتصاد الحرب الذي ينتعش في الظل. ففي الوقت الذي ينزح فيه عشرات الآلاف، تستغل شبكات التهريب الوضع لتوسيع نطاق أنشطتها، مما يفقد السلطات المحلية قدرتها على المساومة.
تغير توازن القوى في جنوب ليبيا
إلى جانب الأزمة الإنسانية الناجمة عن حرب السودان، قالت الصحيفة إن الحرب تعمل على إعادة تشكيل توازن القوى في جنوب ليبيا بشكل تدريجي. إذ تترافق حركة المقاتلين والوسطاء المرتبطين بقوات الدعم السريع مع حركة الأسلحة والأموال والعلاقات الاستخباراتية التي تعزز شبكات المحسوبية القائمة بالفعل في جنوب ليبيا.
وأضافت: “لا يقتصر هذا الوضع على إضافة قوة نارية إلى الصحراء فحسب، بل يحدد أيضاً من يستطيع تهديد من، وأي من الأطراف المحلية يمكنها التفاوض مع الرعاة الدوليين”. كما تعمل حرب السودان على إعادة تشكيل أسواق الأسلحة وشبكات المرتزقة في ليبيا وتشاد، وهو ما يعرف بـ”الدواير الجانبية التي تتغذى على ضعف الرقابة والربح”.
ولهذا تكتسب التقارير بشأن استخدام أطراف سودانية للصحراء الليبية أهمية خاصة. وقد كشف تحقيق أجرته مصدر محلي الأسبوع الماضي عن وجود لعناصر من قوات الدعم السريع ومنشآت في عمق الصحراء بجنوب ليبيا، مما يشير إلى مناطق إعادة تموين وإمداد لوجستي تعمل خارج حدود السودان.
خارج سيطرة طرابلس وبنغازي
وفي الوقت الذي أصبحت فيه منطقة جنوب ليبيا شديدة الارتباط باقتصاد الحرب في السودان، قالت الصحيفة إن “الصراع في ليبيا اكتسب محورا جديدا من الهشاشة والضعف لا يمكن لأي من الطرفين المتنازعين، سواء في طرابلس أو بنغازي، السيطرة عليه بشكل كامل”.
وأضافت: “من الناحية العملية، قد تتشكل المواجهة المستقبلية في ليبيا بفعل القوى والتدفقات الناشئة من السودان، بقدر ما تتشكل بالقرارات التي تتخذها الأطراف في طرابلس أو بنغازي”.
3 مسارات تستحق الاهتمام
إلى ذلك، تحدثت الصحيفة عن ثلاثة مسارات تستحق الاهتمام بالنسبة إلى تركيا وأوروبا، أولها ما وصفته بـ”سلام بارد” قد يسود مع قدرة جميع الأطراف على مراكمة القدرات التي تمكنها من ردع المنافسين، وهو ما يتطلب من تركيا وضع دفاعي حذر وقوي.
أما المسار الثاني فهو الاحتواء. ففي حين تقدم الشبكات المرتبطة بالسودان أطرافا جديدة غير متوقعة، ينبغي على أنقرة توسيع نطاق تركيزها الاستراتيجي ليتجاوز الشريط الساحلي لليبيا.
وينطوي المسار الثالث على تسريع وتيرة العمل الدبلوماسي، حيث يدفع الخوف من إعادة التسلح أصحاب المصلحة الدوليين إلى الضغط بقوة أكبر من أجل التوصل إلى تسوية، وهنا يكتسب الثقل الدبلوماسي لتركيا أهمية.
بالنظر إلى الأوضاع الراهنة، دعت الصحيفة التركية أنقرة إلى «التعامل مع ليبيا كمسرح واحد له ثلاث طبقات، الساحل والمدن والصحراء»، مؤكدة أن العمل على تعزيز الاستقرار في طرابلس وإغفال الممرات الجنوبية يترك الدولة مكشوفة عند نقاط ضعفها.
وقالت إن «ليبيا ترسل إشارات على جبهات متعددة. ففي الشرق، لا تزال أحاديث توريد الأسلحة متداولة، وفي الجنوب، تتعمق ديناميكيات الممرات صوب السودان. وفي الوقت نفسه، تستمر العملية السياسية بالخطة الرسمية، لكن التوتر في البيئة الأمنية يتصاعد بهدوء».
تاريخياً، شهدت ليبيا صراعات داخلية متعددة منذ الإطاحة بنظام القذافي في 2011، مما أدى إلى انقسام البلاد إلى حكومات متنافسة. في السنوات الأخيرة، تفاقمت الأوضاع الأمنية نتيجة التدخلات الخارجية والنزاعات المسلحة، مما جعل البلاد تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. الوضع في ليبيا يتأثر بشكل كبير بالأحداث الإقليمية، مثل النزاع في السودان، الذي أدى إلى تدفق المقاتلين والأسلحة عبر الحدود.
تعتبر الصفقات العسكرية، مثل تلك الموقعة مع باكستان، مؤشراً على عسكرة الوضع الأمني في ليبيا. هذه الصفقات قد تعزز من قدرات الأطراف المتنازعة، مما يزيد من تعقيد جهود السلام. في ظل هذه الظروف، تظل ليبيا في حالة من الجمود السياسي، مع استمرار النزاع الداخلي رغم الهدوء الظاهر.





