بقلم : إدريس إحميد
أفريقيا برس – ليبيا. شهدت ليبيا منذ بداية 17 فبراير 2011، اصطفاف بين مؤيد لنظام معمر القذافي وبين معارض له مما أحدث انقساما وشرخا بين المدن والقبائل، وحدث قتل وتهجير واعتقالات وانتهاك يرتقي لجرائم الحرب، واستمر ذلك ما بعد إعلان التحرير في 20 اكتوبر 2011 و إجراء أول انتخابات في 7-7 -2012 ، واقرار قانون العزل السياسي وحدوث اقتتال داخل العاصمة في 2014 بعد انتخابات مجلس النواب. كذلك شهد الجنوب الليبي اقتتال بين قبائل ومكونات حيث السلاح المنتشر لدى التشكيلات المسلحة داخل العاصمة وبقية المدن الليبية. ولعل آخرها القتال حول العاصمة منذ 2019 واستمر عام كامل وانتهى بوقف اطلاق النار.
وتخرج بين الحين والآخر أصوات تدعو للمصالحة الوطنية من خلال محاولات اجتماعية في مختلف المدن الليبية من اتفاقية ومصالحات ، كان لها دور في ايقاف الاقتتال بين القبائل والمدن بما يعرف بالعرف الاجتماعي، نجح بعضها وفشل بعضها الآخر بسبب تعقيد المشاكل وافتقارها لآليات ضرورية واجراءات قانونية ، دراسات وتحقيقات لإثبات الوقائع والبحث فيها ، وهذا يحتاج لمجهودات الدولة التنفيذية والتشريعية وايجاد التعويضات وجبر الضرر واقامة مؤتمرات شاملة للمصالحة واصدار قانون بذلك. ومع تشكيل مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية كان من بين مهامها تحقيق المصالحة الوطنية، وهذا ما تعهد به المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، واخيراً استحدث المجلس الرئاسي هيئة للمصالحة الوطنية في ليبيا.
مؤتمر للمصالحة الوطنية
في اطار الجهود المبذلة لتحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا، نظم مركز الدراسات الاجتماعية مؤتمر الاول بعنوان : المصالحة الوطنية آفاقها وأهميتها وضروراتها لتحقيق السلم الاجتماعي تحت شعار “ليبيا واحدة للجميع وبالجميع “. وقد احتضن هذا المؤتمر عدد من أبرز الاساتذة الاكاديميين والباحثين والمهتمين. يهدف هذا المؤتمر إلى التعريف بمفهوم المصالحة الوطنية وسبل تحقيقها وتعزز قيمها. حضر جلسات المؤتمر “عمر الكوحة ” مستشار وزيرة الشؤون الاجتماعية “وفاء ابوبكر الكيلاني”، ورئيسة وحدة تمكين المرأة بمجلس الوزراء الدكتورة “ليلي اللافي”، وعدد من المهتمين بالشأن الاجتماعي ونشطاء المجتمع المدني .
حول فعاليات المؤتمر قالت فاطمة أبوالقاسم أحمد مديرة مكتب التعاون الفني والعلمي بمركز الدراسات الاجتماعية وعضو اللجنة العلمية للمؤتمر في تصريح لـ “أفريقيا برس” شارك قي المؤتمر العديد من أساتذة وبحاث من مختلف الجامعات الليبية ومراكز الابحاث، والمناطق الليبية شمالها وشرقها وجنوبها، حيث عُرضت 22 ورقة تناولت مختلف الجوانب الاجتماعية والسياسية والاعلامية والقانونية، والتركيز على تجارب مصالحات بين بعض المناطق والمدن، وخرج المؤتمر بالتوصيات التالية:
– صياغة مشروع المصالحة الوطنية بمنهج ولغة قانونية يضمن مشاركة فاعلة للمثلين عن النخب الثقافية والاجتماعية والدارسين والباحثين.
– حل المجموعات المسلحة ونزع السلاح وتفعيل قانون حمل السلاح.
– نشر ثقافة الحوار من خلال وسائل الاعلام ومحاربة خطابات الكراهية بين ابناء الوطن.
– تنظيم ندوات ولقاءات وورش عمل في المجتمع حول الحوار والمصالحة الوطنية.
– تأسيس جهاز رقابي من الخبراء في شؤون الدولة من أهل المعرفة بحقيقة النسيج الاجتماعي الليبي.
– التأكيد على أهمية تطبيق المقترحات وأن تكون موضع التنفيذ في برنامج المصالحة الوطنية .
موقف الشارع الليبي
كيف يرى الشارع الليبي أهمية المصالحة الوطنية وأولويتها من بين الاولويات الاخرى، و ما هو المنتظر من هيئة المصالحة الوطنية؟ و ما هي الآليات الواجب اتخاذها من أجل نجاحها؟

التقينا بعدد من المواطنين في بعض المدن لمعرفة آرائهم ومقترحاتهم حول المصالحة الوطنية؟ الدكتور حسن بشير صالح أستاذ الفلسفة بجامعة سبها قالت لـ “أفريقيا برس” موضوع المصالحة من أهم الموضوعات التي يجب أن نقف فيها وقفة جادة على مستوى المجتمع، لو لم تكن لدينا مصالحة لن نستطيع بناء دولة وليبيا تحتاج لمصالحة على كافة المستويات ليس السياسية بل الاجتماعية والتي تعد الاولى. وبالنسبة لهيئة المصالحة فيجب ان يكون على راسها لجنة مشكلة بعناية على أساس الكفاءة والخبرة والقبول من الجميع ومن كافة مناطق ليبيا.
الشيخ صالح بدر صالح من مدينة سبها قال في تصريح مماثل لـ “أفريقيا برس” كلنا نتمنى المصالحة الوطنية على مستوي ليبيا، ونتمسك ببعضنا من أجل انقاذ الوطن نريد المصالحة الحقيقة، والمصالحة تريد قول كلمة الحق والتي تعد غائب في مجتمعنا، والمصالحة تحتاج لجبر الضرر والتعويض.
من جهته قال عز الدين الشريف من بنغازي أن المصالحة الوطنية من أهم أسباب استقرار البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولهذا فإن من واجب القائمين على الدولة ان يضعوها في أولويات القوانين والقرارات وان توضع الميزانيات الخطوط اللازمة من العفو العام وجمع السلاح، والاستفادة من تجارب الدول التي مرت بحروب بين أهلها، وكيف حصلت فيها المصالحة واستقرت وأصبحت من الدول المنافسة في الاقتصاد العالمي. ويعلل سبب عدم تحقق المصالحة في ليببا الى أن كل من وصل للحكم في ليبيا لم يضع المصالحة في أولوياته.
أسامة منصور من بنغازي قال لـ “أفريقيا برس” المصالحة الوطنية تكون أولا بين أبناء الشعب وليس بين الاحزاب والتيارات، ويعتقد بأن الشعب الليبي لم يدخل في مصالحة فعلية برأب الصدع وجبر خواطر الناس ذوي المفقودين والجرحى والامهات الثكالى والزوجات، ويجب أن تنبع المصالحة الوطنية من داخل ليبيا وليس من خارجها، ويرى بأن العالم لا يرد المصالحة الوطنية ولن تكون هناك مصالحة وطنية اذا كانت نذر الحرب تلوح في الافق.
عبدالله سليمان من بني وليد قال ” أرى بأن الطرح ممتاز ويستحق الدراسة والثناء عليه، المصالحة الوطنية تحتاج لجهد ووقت وعلى حسب المشكلة، فقد حدثت منازعات قبائل ومناطق في الجنوب الليبي وفي مدن الغرب ومدن الشرق، هذه النزاعات تحتاج كيفية معالجتها وتشكيل لجان العراقيل التي تحول دون اللقاء بين الاخوة ، المصالحة تعتمد على ثلاثة أشياء وهي: أعلاها الشرع ، أوسطها القانون، أدناها العرف. فلو تحقق هذا فإن ليبيا سوف تنهض كما نهضت رواندا وتدفن البغضاء والشحن.
ومن طرابلس قالت الباحثة الاجتماعية زهرة التومي لـ “أفريقيا برس” بالنسبة لموضوع المصالحة الوطنية ملف كبير ومعقد وشائك ولم يتم العمل عليه وفقا لقانون العدالة الانتقالية، نظرا للحروب التي شهدتها وتشهدها ليبيا منذ عقد من الزمن، بشتى أنواعها حروب قبلية وحروب سياسية وحروب إيدلوجية من أجل السلطة والنفوذ. ولم تستطيع الحكومات المتعاقبة القيام بالمصالحة الوطنية كملف وطني وقانوني واجتماعي للحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي تفكك بسبب تلك النزاعات والحروب.
عبدالرزاق محمد من طرابلس قال “في الواقع لا توجد مشكلة بين عموم الليبيين ولكن الفتنة التي حدثت في 2011 والتدخل الخارجي زاد من الانقسام والاقتتال، وهذا ما عزز الاقتتال بين بعض المناطق والقبائل والسبب الصراع السياسي، ولكن الكثيرون فهموا بأنهم مغرر بهم من اطراف تتصارع فيما بينها، لذلك الليبيون محتاجون وجاهزون للمصالحة في حال وجود من يتبنى البرنامج بجدية”.
محمد سعد من طرابلس قال “في خلال هذا العقد من الزمن تضرر النسيج الاجتماعي للدولة واصبح المجتمع الليبي متصارع وصل لدرجة الاقتتال، مما نتج عنه اضرار مادية ومعنوية وهدر للممتلكات العامة والخاصة وسفك للدماء، واصبح الموضوع يحتاج للتدخل من جميع الاطراف لان الاستمرار في هذه الحالة من الحروب و الاقتتال سوف يؤدي بنا لمزيد من الدماء ويؤخر بناء الدولة المنشودة. وأنني أرى بأن المصالحة الوطنية أولوية من أولويات بناء الدولة ، وهي أمر سياسي داخلي وسيادي ينبع من الداخل وعلى الليبيين أن يقدموا تنازلات لبعضهم البعض في سبيل بقاء الوطن، ولابد من توفر الارادة السياسية من طرف المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.
وقال الاعلامي محمد سالم الديب من براك الشاطئ “المصالحة الوطنية هي أساس اصلاح الوطن وتحتاج قيادة توجه الداعمين لهذا الموضوع ، ولايتم ذلك الا من خلال اناس وطنين يمتلكون الشجاعة لطي صفحة السنوات المؤلمة. وركز على ضرورة ايقاف كل القنوات الاعلامية ذات التوجهات المتشددة والخطاب الاعلامي الذي يعمق الفرقة بين الليبيين، ولابد من وجود حراك من النخب المثقفة والواعية لا حداث واقع قادر على التغيير. ورأى بأن فشل المصالحة طيلة هذه السنوات سببه تردي الاوضاع الامنية والاقتصادية واختياراتنا الضعيفة من المؤتمر الوطني العام الى مجلس النواب ناهيك عن تكالب وصراع الدول الاقليمية والدولية.
ومن مدينة سرت قال المبروك حسن أرحومة إن “تحقيق المصالحة الوطنية لابد من ينطلق من مبدأ العدالة الانتقالية حتى يأخذ اصحاب الحق حقوقهم ونزع السلاح من جميع الاطراف، وارى بأن مشاكلنا الاجتماعية يمكن حلها، ولكن لدينا سياسيون استغلوا المشاكل الاجتماعية لتعميق الجرح والركوب عليه.