“بيوت الحفر” في غريان الليبية تحفة معمارية تحولت لمزارات سياحية

6
"بيوت الحفر" في غريان الليبية تحفة معمارية تحولت لمزارات سياحية

أفريقيا برس – ليبيا. في ليبيا يعود تاريخ المعمار لسنوات قديمة جدا، قمنا بزيارة مدينة غريان وتحديدا بيوت الحفر أو كما يسمى في ليبيا “حوش الحفر” وهي بيوت أثرية حفرت في أزمنة قديمة جدا وكان تستخدم للسكن، حيث كانت تضم عددا كبيرا من العائلات في نفس المكان.

يعد هذا البيت معلما سياحيا يقصده السياح من كل دول العالم، بالإضافة للسياحة الداخلية، محمي هذا البيت بالقانون رقم (3) لسنة 1995م من جهاز إدارة المدن التاريخية، بشأن حماية الآثار والمتاحف والمدن القديمة والمباني التاريخية.

عاصمة الجبل الغربي

تقع مدينة غريان الليبية في الجبل الغربي، جنوب العاصمة طرابلس وتبعد عنها بمسافة 80كم، تعرف غريان بصعوبة تضاريسها وارتفاع قممها التي تصل لأكثر من 900 متر فوق مستوى سطح البحر.

تتميز غريان بالبيوت القديمة والتي تعد معلما من معالم المدينة والتي لا تزال آثارها موجودة حتى اليوم، حيث كان يقطنها الليبيون القدامى في المناطق الجبلية، تتميز بيوت الحفر بحفاظها على درجات الحرارة المعتدلة صيفا وشتاء.

ورغم معالمها التاريخية، إلا أن البيوت القديمة في ليبيا لم تحظ بالاهتمام الكبير من أجهزة الدولة المختصة في الشؤون التاريخية والأثرية وربما يرجع سبب عدم الاهتمام بها بسبب الظروف التي مرت بها البلاد منذ سنوات.

أهمل بعضها وأتلف بعضها الآخر ولم يتبق منها إلا القليل، الذي شهدت على عراقة هذا المعمار المميز في مدن الجبل.

حوت هذه البيوت العديد من العائلات في آن واحد بالرغم من مساحتها المحدودة، إلا أن البساطة كانت حاضرة فيها.

وصفت هذه البيوت كمية السعادة والبساطة التي كان يتقاسمها الليبيون في حياتهم القديمة، وفي أثناء تجوال عدسة سبوتنيك نقلت تفاصيل دقيقة لهذه الحياة الجميلة.

التصميم في أبهى صورة

يتكون بيت الحفر من فناء واسع تطل عليه في منتصفه الغرف (الدار) التي تتكون بدورها من مساحة تزيد عن 10 أمتار اتساعا وأحيانا 15 مترا وبارتفاع ثلاثة أمتار ويوجد فيها ما تتطلبه أمور المعيشة للأسرة.

يرجح المؤرخون والباحثون الأسباب التي دعت سكان غريان إلى حفر بيوتهم في الأرض بهذا التصميم والشكل إلى أسباب مناخية وتضاريسية بالأساس، فالمناخ في تلك المنطقة كان قاسيا جدا، فلقد عرفت مناطق الجبل الغربي بالبرودة القاسية في فصل الشتاء.

حدثنا قاسم العربي بالحاج سليل عائلة بالحاج وأحد أحفاد هذا البيت والذي ورثه عن جده السادس عمر بالحاج، بأن جده عمر قد سكن هو وأبناؤه في هذا البيت والذي أسسه في عام 1666م، وبدأت تتوارثه الأجيال حتى يومنا هذا.

حياة البادية

وصف بالحاج حياة البادية وكأنه يستحضر تلك الأيام، وقال إن هذا المنزل يتكون من ثمانية غرف كل عائلة تسكن في غرفة خاصة بها، تضم الغرفة ثمانية عائلات سكنت في هذا البيت في آن واحد، كلهم من أحفاد عمر بالحاج الذي أسس أركان هذا المنزل بكل تفاصيله الدقيقة.

وأضاف بأن كل غرفة في هذا البيت منقسمة إلى ثلاث أقسام، قسم للزوجين، وقسم آخر للأطفال، وقسم للمعيشة، وتفصل هذه الأقسام بقطع قماش للخصوصية، حفاظا على حياة العائلة وخصوصيتها.

استخدمت في هذا البيت أبواب بسيطة جدا، صممت من أغصان الزيتون الطبيعي، كانت هي صمام الأمان لبوابة البيت.

ووصف المناخ الداخلي للبيت قائلا أن هذا البيت يتميز عن البيوت في الوقت الحاضر بدرجات الحرارة التي تكون ثابتة على مدار العام من 20-24 درجة مئوية في أي فصل على مدار العام، وبالتالي فهي ملائمة في كل الظروف والأوقات.

الحياة المشتركة

اشتهر المطبخ الليبي بالعديد من المأكولات التي ما زالت تأكل حتى اليوم وفي هذا الجانب قال بالحاج إن كل العائلات التي سكنت هذا البيت تشترك في مطبخ واحد، حيث تطبخ ثلاث نسوة في وقت واحد في نفس المطبخ الصغير، وظلت فكرة البساطة هي السائدة، حيث يتكون المطبخ في هذا البيت من أربع أحجار تعرف بـ”الطابونة” وحطب الزيتون وقدر الطبخ، هذه كل مقتنيات هذا المطبخ البسيط الذي كان يستخدم لكل العائلات في هذا البيت، رصدنا صور المقتنيات البسيطة التي وصفت لنا حلاوة المعيشة في تلك الأيام.

لم تترك الهندسة الطبيعية تفاصيل مهمة، منها غرفة الخزين كما يسميها الليبيون، وتابع بالحاج قائلا إن هذا البيت زود بمخزن صغير يقع في علية البيت يحوي كل التموين الخاص بالعائلات، ولا يستطيع أي شخص التسلق له، فالعادة يتم تخصيص شخص واحد من هذه العائلات، يقوم كل صباح بتوزيع التموين على كل العائلات بالتساوي.

الهندسة الطبيعية

كما أشار إلى أن هذا البيت يتميز بحفرة كبيرة تقع في المنتصف تسمى “الحفير” تتجمع بها مياه الأمطار عندما تتساقط في وسط البيت، عمق هذا الحفير عشرة أمتار تقريبا، وكان أجدادنا يخافون من كثرة الأمطار، فلقد صنعوا هذا الحفير لتصريف المياه، بطريقة تعرف باللحامية.

وعرف بالحاج بأن اللحامية هي الفترة التي تأكل فيها كل هذه العائلات اللحم بكثرة، وعندما يأكلون اللحم بكثرة تكون هناك عظام، فيتم رمي هذه العظام وسط هذا الحفير، ويأتي النمل على رائحة اللحم والعظام ولا تتمكن من الوصول للعظام المدفونة إلا من خلال حفر قنوات، وهنا تكمن الفكرة وهي فتح مسارات تحت الأرض لتصريف المياه حتى لا يتأثر البيت بسبب مياه الأمطار.

الإنتاج الذاتي

وقال بالحاج إن كل غرفة مزودة بحفرة صغيرة بجانبها تعرف بـ”البونية” والبونية هي المكان الذي تبيض فيه الدجاج، وكانت كل عائلة تمتلك مجموعة من الدجاج وتبيض في البونية المخصصة له.

وأكد أن بيت الحفر تأسس في عام 1666م وسكن من هذا العام وحتى عام 1990م، أي قبل 33 سنة، من تاريخ الحفر لم يهجر هذا البيت على الإطلاق، أما بالعائلات التابعة للبيت، أو السياح الذين يتوافدون عليه.

استقطاب السياح

وتابع بالحاج جعلنا هذا البيت وجهة سياحية حيث كانت هذه الفكرة هي فكرة أبيه وعمه، وتم تحويله لمكان جميل يتردد عليه السياح، موضحا أنه تمت صيانة هذا البيت عام 2000، ومنذ ذلك التاريخ حتى هذا العام والبيت مفتوح للسياح من جميع أنحاء العالم بالإضافة إلى السياحة الداخلية التي أصبحت رائجة في كل مدن ليبيا.

وأشار إلى أن آخر إحصائية لبيوت الحفر كانت في عام 2003 وأكدت بأن هناك 3000 بيت حفر في مدينة غريان قابلة للصيانة وبالإمكان استغلالها كأماكن سياحية.

الصناعات اليدوية والتقليدية

في هذا الجانب كان الليبيون يجيدون الكثير من المهارات والصناعات التقليدية اليدوية حيث تحدث بالحاج عن أكثر المقتنيات التي توارثها عن أجداده ومنها خابية الزيت وهي قدر كبير يشبه الجرة يخزن بداخله الزيت من إنتاجهم، والمسده التي تستخدم في صناعة الزي التقليدي والمفروشات التقليدية.

اختتمنا هذه الزيارة بعد أن وثقنا تفاصيل جميلة كانت مخفية في بيوت شهدت على هوية الليبيين وقدرتهم الإبداعية على التصميم والنحت في قمم الجبال.

المصدر: سبوتنيك عربي

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here