إنشاء مفوضية الاستفتاء في ليبيا: خطوة نحو الاستقرار أم مناورة سياسية؟

44
إنشاء مفوضية الاستفتاء في ليبيا: خطوة نحو الاستقرار أم مناورة سياسية؟
إنشاء مفوضية الاستفتاء في ليبيا: خطوة نحو الاستقرار أم مناورة سياسية؟

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. في خطوة مثيرة للجدل، أعلن المجلس الرئاسي الليبي عن إنشاء “مفوضية الإستفتاء والاستعلام الوطني”. جاء هذا القرار في وقت تشهد فيه ليبيا توتراً سياسياً متزايداً، وخاصة بعد قرار مجلس النواب سحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي. يبدو أن تحرك الرئاسي هو رد فعل منه على قرار النواب الأخير، لكن ما هي الأهداف والدوافع الكامنة وراء هذا القرار؟ وكيف يمكن أن يؤثر على المشهد السياسي الليبي؟

وفي حوار “أفريقيا برس” مع المحلل السياسي ناصر أبوديب حول هذا القرار دوافعه وأثاره يرى أن دوافع المجلس الرئاسي وراء هذه الخطوة تتعلق بعدة عوامل أولها الحياد السلبي الذي كان يمارسه الرئاسي منذ بداياته. واجه المجلس الرئاسي انتقادات متكررة بسبب حياده السلبي في أوقات حساسة.

إلا أن قرار إنشاء مفوضية أو هيئة مستحدثة يعكس تحولاً جديداً في استراتيجيته، إذ أراد الرئاسي أن يظهر كلاعب محوري قادر على فرض نفسه على الساحة السياسية. ويرد بقرار بقرار مثله مضاد وبشكل أحادي دون النظر في قانونيته والصلاحيات الممنوحة لرئاسي ضمن اتفاق جنيف

وهذا أشبه بما حدث في أزمة المصرف المركزي الأخيرة حيث بقراره الأحادي أجبر الجميع الجلوس والتوافق على محافظ ومجلس إدارة جديد عبر حوار أدارته البعثة الأممية وقد نجح في ذلك.

والأمر الثاني التوترات مع مجلس النواب حيث يشير أبوديب إلى أن الرئاسي في البدايات كانت علاقته جيدة بالنواب وبرئاسة النواب ولكن الفترة الأخيرة ظهر التوتر بينهما في تضاد المصالح والصلاحيات واعادة تموضع الحلفاء والفرقاء.

ومن هذا المنطلق اتخذ القرار كردة فعل على قرار النواب سحب صفة القائد الأعلى للجيش من المجلس الرئاسي، حيث أراد عبر هذه الخطوة الرد على التصعيد الأخير، وتقديم نفسه كصانع للمتغيرات ومفاوض قادر على فرض أجندته.

وفي إطار هذه المناكفات السياسية حيث أصدر النواب قرار قبل ذلك يقضي بإنشاء محكمة دستورية يكون مقرها مدينة بنغازي وقراره هذا لم يلقى قبول من المجلس الرئاسي ولا من المجلس الأعلى لدولة وهذه كانت بداية التوتر بين النواب والمجلس الرئاسي.

ويوضح أبوديب أن انقسام المجلس الأعلى للدولة أثار فراغاً سياسياً وتأثيرا واضحا على عمل المجلس وامكانية مناورته، مما دفع الرئاسي إلى محاولة أن يكون المحرك الأساسي للمشهد ولايترك الساحة لنواب لتفرد بقرارتها الأحادية وهي كثيرة من بعد إتفاق جنيف، عازماً على مقاومة أي قرار يتخذه مجلس النواب دون توافق واسع، كما ظهر في صراعات متكررة مثل قضية المصرف المركزي التي كان لها صدى واسع لأهميتها الاقتصادية والمالية لكل الأطراف.

وآخر هذه الدوافع تحريك المياه الراكدة وإثارة الملفات الجدلية وإدخال الأطراف الدولية، يرى أبوديب أن خطوات كهذه عادةً ما تحفز المجتمع الدولي على التدخل والمساومة بمثل هذه القرارت وفرض تنازلات عن قرارت مقابل قرارات في نفس الاتجاه أو تعارضه أو يراها الطرف الآخر غير توافقية وأحادية. بحيث يجد كل طرف سياسي مصالحه وسط المشهد المشتعل وتمكنه من الحفاظ على موقعه لأطول زمن ممكن.

ومن جهة أخرى ماهية التأثيرات على المشهد السياسي؟ يشير أبوديب إلى أن المشهد السياسي في ليبيا هش للغاية منذ بداية الأحداث، إذ تتحكم فيه المصالح الذاتية للأجسام السياسية والأطراف المختلفة، والتي تسعى دوماً للبقاء في السلطة. ويضيف أن هذا القرار، بصفته أحادياً وتعارضا في الصلاحيات حسب رأي العديد من المراقبين قد يزيد من التوترات بين الأطراف السياسية. في حين رفض مجلس النواب القرار سريعاً وأيده في ذلك طيف واسع من السياسيين الذي تتلاقى مصالحهم مع النواب، اعتبرت بعض القوى السياسية الأخرى أن إنشاء المفوضية قد يضع الأمور الجدلية في يد الشعب، وهو مصدر السلطات.

وفي سؤالنا، هل يعزز إستحداث هيئة أو مفوضية الإستفتاء والإستعلام الوطني الثقة بين الأطراف باعتبار الاحتكام لشعب يرضي جميع الفرقاء أم دلك يزيد من الانقسامات؟ يوضح أبوديب أن هناك انقساماً واضحاً بين القوى السياسية حول دور المفوضية وقانونيته وإلزامية نتائجها

ويرى البعض أنها قد تلعب دوراً حاسماً في القضايا الجدلية، عبر وضع الكرة في ملعب الشعب الذي يشعر بالإحباط من الأجسام السياسية الحالية، التي استمرت تلك الأجسام لأكثر من عقد من الزمن في سدة الحكم. بالمقابل، يخشى آخرون من أن تؤدي هذه الخطوة إلى صراعات سياسية جديدة تؤثر على العملية الانتخابية المتوقعة والتي لازالت بعيدة حتى الآن.

ويرى أبوديب أن إنشاء هذه المفوضية يأتي في وقت تواجه فيه العملية الديمقراطية تحديات كبيرة، إذ قد يؤدي التركيز على قضايا الإستفتاء إلى تعطيل الانتخابات وتفاقم الانقسامات.

ومع ذلك، يعتبر مؤيدو هذه الخطوة أن الاستفتاء قد يوفر وسيلة لمساءلة الأجسام السياسية الحالية والرد عليها بشكل واضح ظمن عملية منظمة، وإعطاء الشعب فرصة لاتخاذ قرارات جريئة حول مستقبل البلاد.

ويؤكد أبوديب أن القرار الأخير يعد بمثابة اختبار لعلاقة المجلس الرئاسي مع مجلس النواب، التي تعاني بالفعل من التوتر. ويعتقد أن إنشاء المفوضية قد يسبب مزيداً من التصعيد بين المؤسستين، خصوصاً مع سعي كل طرف لتوسيع نفوذه والسيطرة على المشهد السياسي. هذه التوترات قد تكون إما مقدمة لتفاوضات جديدة بين المجلسين، أو سبباً في استمرار حالة الجمود السياسي وزيادة الانقسامات.

ويشير أبوديب إلى أن الشعب الليبي يشعر بالأستياء من الأجسام السياسية التي بقيت على مدار عشر سنوات بمسميات وأشكال مختلفة، وقد يُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها محاولة جديدة للتغيير. ومع ذلك، يؤكد أبوديب أن قوة هذه المبادرة أو القرار ستعتمد على مدى الدعم الشعبي الذي تحظى به، ومدى ثقة المواطنين في قدرة المفوضية على تحقيق نتائج حقيقية، ويمكن الانطلاق منها إلى مرحلة تكون مفصلية.

وحول الإنعكاسات الإقليمية والدولية لهذا القرار، يعتقد أبوديب أن إنشاء المفوضية قد يحمل تداعيات إقليمية، حيث قد تتدخل بعض دول الجوار، التي لها مصالح في ليبيا، لدعم أو معارضة الخطوة، وفقاً لأهدافها الاستراتيجية. أما على الصعيد الدولي، فقد يُنظر إلى القرار بشكل إيجابي، إذ أن الدول الديمقراطية عادةً ما تدعم إنشاء هيئات تعزز من دور الشعب في العملية السياسية ولاتستطيع أي من الدول من رفض مثل هذه الهيئات التي هي في الاصل تعمل بها في دولها وتحترم نتائجها.

لكن التحدي الأكبر يكمن في الآلية والموضوعات التي سيتم الاستفتاء عليها، ومن جانبنا نطرح هذا السؤال الذي لم نجد له إجابة؟ إذا كانت نتائج الاستفتاء ستؤدي إلى تجميد أو حل الأجسام السياسية الحالية، ما هي البدائل لهذه الأجسام لو تم تجميدها أو حلها هذا سؤال لاتجد من يجيب عليه الآن إلا أصحاب القرار أنفسهم أو من رسم لهذا القرار؟!

وبينما يحاول المجلس الرئاسي الليبي تعزيز دوره كفاعل سياسي عبر إنشاء مفوضية الاستفتاء والاستعلام الوطني، يبقى التساؤل الأبرز هو حول مدى نجاح هذه الخطوة في تحقيق الاستقرار السياسي والديمقراطي في البلاد. فالأيام القادمة ستكشف ما إذا كانت هذه الخطوة ستؤدي إلى تعزيز الوحدة السياسية أو ستُغرق ليبيا في المزيد من الأزمات أم ستكون مجرد قفزة في الهواء وبالون إختبار لردود الأفعال والمواقف الداخلية والخارجية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here