عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. في حوار خاص أجرته “أفريقيا برس” مع الصحفية والناشطة السياسية والإنسانية إيفون ريدلي، الأمين العام لرابطة المسلمين الأوروبيين، أكدت أنها لا تخشى الانتقادات، بل إن ما يبقيها مستيقظة ليلاً هو الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. وأشارت إلى أن أكثر ما يمكن أن تفعله الآن بشكل عملي هو الصعود على متن سفينة “عمر المختار” والمشاركة في حملة أسطول الصمود لكسر الحصار عن غزة وتوصيل المساعدات الإنسانية.
وشددت ريدلي على أن ما يجري في غزة اليوم يشبه “الهولوكوست الذي يحدث أمام أعين العالم”، معتبرة أن تصرفات إسرائيل تماثل أفعال “الرايخ الثالث في أيامه الأخيرة حين جن جنونه”. وأضافت أن الجيش الإسرائيلي بات خارج السيطرة، وأن المجتمع الدولي أو أي قوة عسكرية يجب أن تردعه، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنها “ناشطة سلام” لكنها ترى أن الردع أصبح ضرورة ملحة.
كما أوضحت أن النجاح الحقيقي لهذه المهمة سيكون عندما تتدخل الأمم المتحدة وتعلن مرافقة السفن وفتح ممر إنساني دائم يسمح بوصول المزيد من القوافل البحرية إلى غزة. ووجهت رسالة قوية إلى المجتمع الدولي قائلة: “افعلوا شيئاً، لا تجلسوا متفرجين. ‘أبداً مرة أخرى’ ليست غداً، إنها اليوم.”
ما الذي دفعك شخصياً للانضمام إلى سفينة “عمر المختار” وتكوني ضمن أفرادها من نشطاء وصحفيين محليين وأجانب؟
لقد دعمت فلسطين منذ أن كنت طالبة في المدرسة، أي منذ أكثر من خمسين عامًا، وكنت أيضًا على متن أول قارب لكسر الحصار عام 2008 على متن “الكرامة”. وها نحن هنا مرة أخرى لننطلق من طرابلس بعد كل هذه السنوات، بينما المشاكل في غزة أصبحت أسوأ لا أفضل. وعندما أتيحت لنا الفرصة للذهاب على متن سفينة “عمر المختار” لننضم إلى أسطول الصمود الذي انطلق من تونس لم نتردد.
كيف تستعدين للتحدي المتمثل في الوصول إلى غزة وسط القيود السياسية والأمنية؟
هذا سؤال صعب جدًا، لأن المرة الأولى التي أبحرنا فيها إلى غزة كسرنا الحصار. الناس اعتقدوا أن الحصار بدأ فقط في 2005، لكنه لم يكن كذلك. كنا أول قارب يصل إلى غزة منذ أكثر من 41 عامًا، ولهذا خرج أكثر من 100 ألف شخص لمشاهدتنا. لم يصدقوا أننا سنفعلها، وأرادوا فقط معرفة من هم هؤلاء الغربيون الذين جاءوا. حتى من الأيام الأولى، لم يكن الأسطول هدفه توصيل المساعدات فقط، بل فتح ممر إنساني في البحر الأبيض المتوسط يصل إلى ميناء غزة، وإرسال رسالة للعالم: إذا استطعنا نحن، فلماذا لا تستطيعون أنتم؟
كيف تقيمين موقف قادة العالم من القضية الفلسطينية؟
في الحقيقة إن القادة العرب والأفارقة كان لديهم فرصة عظيمة للتوحد في الدوحة قبل أيام، حيث حضر أكثر من 50 زعيماً من منظمة التعاون الإسلامي، واتفقوا على أن الدولة الإسرائيلية دولة مارقة. الأمم المتحدة أصدرت تقريراً جديداً يؤكد أن إسرائيل مذنبة بأربعة من خمسة نقاط تحدد الإبادة الجماعية. ومع ذلك، لم يتمكن أي زعيم من فرض عقوبة مناسبة أو تشريع لتحقيق العدالة للفلسطينيين. أنا ناشطة سلام، وأعتقد أننا بحاجة لتدخل عسكري، لأن الجيش الإسرائيلي خارج السيطرة.
كيف تنسقين مع النشطاء والمنظمات الأخرى المشاركة في هذه المهمة؟
نستخدم هواتفنا للبقاء على تواصل مع أشخاص في غزة ومن حول العالم، من سياسيين ورجال أعمال والمهتمين بالقضايا الإنسانية. نتلقى معلومات وأخباراً من جميع أنحاء غزة، وهذا محزن للغاية. كل صباح نخاف من فتح الهاتف لنرى مأساة حقيقية كالقتلى من المدنيين والأطفال. أقضي الساعة الأولى من الصباح في تصفح الشبكات الاجتماعية، وساعة أخرى في الرد والتواصل مع السياسيين والمبادرات الإنسانية، سواء بالتوقيع على عرائض أو القيام بمسيرات دعم لغزة.
ما المخاطر التي قد تواجهينها على طول الطريق وفي هذه الرحلة؟
كل ما أفعله ينطوي على مخاطر، وكصحفية تغطي أخبار الشرق الأوسط أعلم مدى خطورة ذلك. لكن لدي امتياز أبيض أستطيع استخدامه لصالح المهمة. أنظر إلى الصحفيين الفلسطينيين وأعجب بشجاعتهم؛ فهم يروون قصصاً عن حياتهم اليومية وسط الحرب، وهذا ما أريد أن أعيشه بنفسي. لقد زرت غزة مرتين، وخوفي الأكبر هو مدى تأثير ما سأراه على رؤيتي للواقع الإنساني هناك، لأن حجم المأساة الإنسانية لا يُعرض بالكامل في الإعلام.
كيف تردين على من يعتبرون هذه المبادرة استفزازاً سياسياً وليس إنسانياً؟
ما يبقيني مستيقظة هو الظلم، وليس انتقاداتهم. سأفعل كل ما أستطيع لمساعدة شعب غزة. في الوقت الحالي، أكثر شيء عملي هو الصعود على القارب وكسر الحصار وتوصيل المساعدات. أما بالنسبة للنقاد، إذا لم تتمكنوا من تمني الخير لنا، فلتخرجوا من الطريق ودعونا نمر دون توقف.
كيف تقارنين الوضع الحالي بما حدث عبر التاريخ من أحداث إنسانية مأساوية؟
لو عدنا بالزمن إلى 1943 أو 1944، كنت سأبحث عن وسيلة لتغطية ما يحدث في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، بينما المدن الأوروبية كلها تقول إنها لم تعرف ولم ترَ الهولوكوست. اليوم نحن نرى الهولوكوست يحدث أمام أعيننا في غزة. قبل أيام قليلة، شاهدت في الضفة الغربية نحو 2000 شاب يسيرون بأيديهم على أكتاف بعضهم، واعتقدت أن الفيديو قديم عن سربرينيتسا، لكنني أدركت أنه الضفة الغربية في 2025.
ما النتيجة أو التأثير الذي يجعل هذه المهمة لكسر الحصار ناجحة في نظرك؟
النجاح سيكون عندما نرى دعم الأمم المتحدة، ونرى سفناً عسكرية تقول سنرافقكم ونفتح الممر الإنساني الذي يسمح بوصول المزيد من الأساطيل إلى غزة. هذا سيكون حلمي الأكبر ويُعد نجاحاً كبيراً.
ما الرسالة التي تودين توجيهها إلى المجتمع الدولي؟
افعلوا شيئاً، لا تجلسوا متفرجين وتتصرفوا كما لو أن شيئاً لا يحدث. إبدأ مرة أخرى ليس غداً، إنه اليوم. علينا أن نعيش مع أنفسنا، وإذا نجح الفلسطينيون في النجاة، يجب أن يعرفوا أننا لم نتوان عن التدخل. أعتقد أنهم على بعد أيام قليلة من الإبادة التامة، وطريقة تصرف إسرائيل تشبه الرايخ الثالث في أيامه الأخيرة في الحرب العالمية الثانية، فقد جن جنونه مع برنامج معسكرات الاعتقال، وهذا ما أشعر أن نتنياهو يفعله الآن يسابق الوقت.
في نهاية الحوار، شكرت ريدلي “أفريقيا برس” على طرحها لأسئلة وصفتها بأنها “جيدة جدًا”، معربة عن سعادتها بهذا اللقاء الذي يسلط الضوء على الوضع الإنساني في غزة.
في الختام، رحلة “سفينة عمر المختار” ليست مجرد تحرك إنساني عابر، بل هي رسالة قوية من ناشطين وصحفيين من مختلف الجنسيات إلى العالم أجمع، بأن صمت المجتمع الدولي لم يعد مقبولاً أمام ما يحدث في غزة. فبينما يواجه المدنيون هناك حصاراً خانقاً ومأساة إنسانية متفاقمة، يصرّ المشاركون في أسطول الصمود على كسر القيود وإيصال صوت الفلسطينيين إلى كل العواصم. ويبقى السؤال معلقاً: هل يستجيب العالم لهذه النداءات ويتحرك لفتح ممر إنساني دائم، أم ستظل غزة وحيدة في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية؟
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس