عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. بعد مرور عام على اختطاف النائب في البرلمان الليبي إبراهيم الدرسي، عادت قضيته إلى الواجهة بقوة عقب تسريب صور ومقاطع فيديو تُظهره في وضع مهين، مكبلاً ومجرداً من ملابسه، في مشهد صادم أثار موجة من الغضب والاستنكار الشعبي والرسمي على حد سواء. هذه التسريبات فتحت الباب أمام تساؤلات حرجة بشأن حقيقة ما جرى، والجهات المسؤولة عن هذه الجريمة، وتداعياتها السياسية والأمنية على المشهد الليبي.
وفي تصريح خاص لموقع “أفريقيا برس”، علّق المحلل السياسي محمد أمطيريد على حادثة اختطاف النائب إبراهيم الدرسي التي ناهزت العام، والتسريبات المصوّرة التي ظهرت مؤخراً وتُظهر النائب في وضع مهين ومجرداً من الثياب ومكبلاً بالسلاسل، قائلاً: “من البداية، نحن نستنكر بكل الأشكال هذه الأعمال البشعة، وخطف النائب إبراهيم الدرسي أمر غير مقبول إطلاقاً، حتى وإن كان هناك خلاف سياسي معه.”
وأكد أمطيريد أن موقف النائب إبراهيم الدرسي كان واضحاً منذ البداية، حيث كان داعماً بشكل صريح وقوي لمشروع الجيش الوطني وعملية الكرامة، مشيراً إلى أن ما حدث معه لا يُمكن تبريره تحت أي ذريعة سياسية.
ونوّه إلى أن الفيديو المسرب الذي ظهر بعد أسبوع من اختطاف الدرسي قد تسبب في جدل واسع واستغلال سياسي من قبل بعض الأطراف، قائلاً: “ما نراه من شماتة من بعض الخصوم السياسيين أمر مرفوض بكل المقاييس، ولا يمكن أن يُستخدم هذا المشهد المهين كأداة للخصومة، خاصة أمام أسرته وأطفاله وعائلته.”
وأضاف أن هناك من يحاول التشكيك في مواقف النائب الدرسي السياسية، لكنه يُعد من أبرز الأصوات الداعمة لمشروع الكرامة، وقد وقف بصلابة أمام خصوم الجيش، مشدداً على أن “مثل هذه الحوادث قد تكون من فعل طرف ثالث يسعى لتضليل الرأي العام وخلق فتنة في صفوف القيادات السياسية والأمنية، خصوصاً في منطقة الشرق.”
وأوضح أمطيريد أن توقيت الحادثة يثير الاستغراب، حيث وقعت بعد مشاركته الرسمية في احتفالية ذكرى انطلاق عملية الكرامة في بنغازي، وكان حاضراً في المنصة الرئيسية للاحتفال، ليتم اختطافه أثناء عودته إلى منزله مساء نفس اليوم.
وأشار إلى أن ما جرى هو محاولة خبيثة لزعزعة الاستقرار الأمني في بنغازي والمنطقة الشرقية، من خلال استهداف شخصيات سياسية بارزة تدعم مشروع الجيش، مؤكداً أن مثل هذه الأفعال تحدث في العديد من دول العالم بقصد خلق الفوضى وزرع الشكوك داخل المنظومة الأمنية.
وطالب أمطيريد السلطات الرسمية، وتحديداً حكومة حماد ووزارة الداخلية في المنطقة الشرقية، بفتح تحقيق صارم وفوري حول الحادثة وتسريبات الفيديو، وكشف حقيقته للرأي العام.
وأكد في ختام تصريحه: “إن كان الفيديو حقيقياً أو غير ذلك، ففي الحالتين يجب محاسبة الفاعلين على هذه الجريمة البشعة، لما تمثله من إساءة للأخلاق والدين والإنسانية، ونحن ننتظر بياناً رسمياً من وزارة الداخلية يوضح نتائج التحقيق الفني حول الفيديو، خاصة أن الوزير قد صرّح سابقاً أن الموضوع قيد التحقيقات التقنية.”
إشراف شخصي على التحقيقات من قبل النائب العام
ومن جهة أخرى، اعتبر المحلل السياسي إبراهيم بلقاسم في حديثه لأفريقيا برس أن قضية النائب إبراهيم الدرسي تُعد قضية رأي عام، ومن البديهي أن يظهر النائب العام شجاعة والتزاماً في التحقيق بهذه القضية.
وأوضح بلقاسم أن الخطوة التي قام بها النائب العام بالذهاب شخصياً إلى مدينة بنغازي وفتح تحقيق برفقة فريق من المحققين تعكس جدية واضحة في السعي لتحقيق العدالة، مؤكداً أن هذه الخطوة تستحق التقدير وتعزز ثقة الليبيين في المؤسسة القضائية الليبية بالدرجة الأولى.
وأضاف بلقاسم أن هذه التحقيقات تتطلب دعماً دولياً، مشيراً إلى أن الوقت بات مناسباً للتعاون والتنسيق مع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، نظراً لحساسية القضية والحاجة إلى ضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات من أي طرف كان.
تداعيات سياسية واجتماعية
وشدد بلقاسم على أن للجريمة تداعيات سياسية واضحة، خاصة على مستوى المشهد في شرق ليبيا، حيث تعكس حالة من الضعف الأمني وتثير تساؤلات حول قدرة مجلس النواب على العمل في ظل وجود تهديدات من قبل مجموعات مسلحة، سواء بالاختطاف أو بالترهيب. واعتبر أنه من الضروري إعادة التفكير في مكان انعقاد مجلس النواب ليكون في موقع أكثر أمناً واستقلالية لضمان سلامة العمل التشريعي.
ونوّه بلقاسم إلى أن رئيس مجلس النواب لم يصدر أي تصريح شخصي إلى أي وسيلة إعلامية بشأن حادثة اختطاف النائب إبراهيم الدرسي منذ وقوعها قبل عام وحتى ظهور المقاطع والصور الأخيرة، بالرغم من تأكيد العديد من الأطراف داخل قبيلة الدرسي على صحة هذه المقاطع.
وأشار إلى أن هذا الغياب في التصريح يثير تساؤلات حول مدى قدرة النواب على التعبير بحرية واستقلالية، وفي مقدمتهم رئيس المجلس. كما أضاف أن للجريمة تداعيات اجتماعية عميقة، حيث أثارت غضباً واسعاً بين الليبيين، مشيراً إلى أن الصور التي ظهر بها النائب الدرسي تعكس وحشية الجناة وخطورة التدهور الأمني والسياسي في البلاد. وشدد على أن ظهور نائب برلماني يتمتع بالحصانة والمكانة في هذا الوضع المهين شكّل صدمة لكل الليبيين دون استثناء، معتبراً أن ما حدث رسالة لكل الليبيين بأن الجلاد لا يفرّق بين أحد ممن يقع في قبضته.
في الختام، تكشف قضية اختطاف واختفاء النائب إبراهيم الدرسي لمدة عام وظهور الفيديوهات المهينة له في الأيام الماضية عمق الأزمة السياسية والإنسانية التي تمر بها ليبيا، وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية. كما أعادت قضية الدرسي الأسئلة عن مصير زميلته في المجلس سهام سرقيوة التي اختفت في ظروف مشابهة قبل حادثة اختفاء الدرسي.
فبين صمت رسمي مريب، واستغلال سياسي فجّ، يقف المواطن الليبي مذهولاً أمام مشهد يختزل سنوات من الانفلات الأمني والفراغ المؤسسي. ولا مخرج من هذه الدوامة سوى بتحقيق شفاف وشجاع، يكشف الحقيقة كاملة، ويضمن عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً، مهما كانت الانتماءات أو الحسابات.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس