عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. أصبحت لهجرة غير النظامية في ليبيا محورًا لأزمة إنسانية وسياسية عميقة، حيث يتدفق آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء إلى البلاد يوميًا، معظمهم من إفريقيا والشرق الأوسط، في محاولة للهروب من الحروب والفقر والسعي لحياة أفضل في أوروبا. في هذا السياق، يُبرز الناشط الحقوقي طارق لملوم، في حواره مع “أفريقيا برس” حول مجموعة من القضايا الحيوية التي تلقي الضوء على تعقيد الوضع وتداخل الأبعاد السياسية والاقتصادية والإنسانية لهذه الظاهرة.
التحديات التي يواجهها المهاجرون
تتعدد التحديات التي يواجهها المهاجرون في ليبيا، بدءًا من غياب الحماية القانونية وصولًا إلى الانتهاكات الجسدية والإنسانية. يتم خلط المهاجرين غير النظاميين مع طالبي اللجوء، ولا يوجد تصنيف واضح بينهم. هذا الخلط يؤدي إلى انتهاكات واسعة بحقهم، حيث تُعامل السلطات الجميع على أنهم “مهاجرون غير شرعيين” دون النظر إلى ظروفهم الفردية، ما يُعرض الفارين من الحروب والنزاعات لمخاطر إضافية. بالإضافة إلى ذلك، يواجه المهاجرون صعوبات قانونية جمّة، حيث لا تُعترف بأوراقهم الرسمية ولا تُمنح لهم الحماية المناسبة.
تأثير غياب الاستقرار السياسي والأمني على الهجرة
الأوضاع الأمنية المتدهورة في ليبيا هي من أهم العوامل التي تسهم في استمرار تدفق المهاجرين. مع انقسام البلاد إلى سلطات متنافسة، وتفكك المؤسسات الرسمية، أصبحت الحدود الليبية مفتوحة بشكل غير منظم، ما يسهل دخول المهاجرين عبر طرق تهريب غير قانونية. كما أن الانقسام السياسي بين شرق وغرب البلاد يعرقل الجهود الدولية والمحلية لمعالجة القضية بفعالية، حيث لا تلتزم كل الأطراف بتفاهمات أو اتفاقيات موحدة تتعلق بالهجرة.
الظروف القاسية داخل مراكز الاحتجاز
أوضح الناشط الحقوقي طارق لملوم أن وضع الآلاف من المهاجرين في مراكز احتجاز تُشبه السجون في كافة أنحاء ليبيا، حيث يُحتجز الرجال والنساء والأطفال في ظروف سيئة للغاية. تفتقر هذه المراكز إلى مقومات الحياة الكريمة، حيث يتعرض المهاجرون لسوء المعاملة والاستغلال، بما في ذلك العمل القسري والابتزاز. هذه المراكز لا تُدار دائمًا من قبل السلطات الرسمية، بل من قبل مجموعات مسلحة مختلفة، ما يزيد من صعوبة تحسين الأوضاع الإنسانية فيها.
الجهود الليبية لتحسين الأوضاع
على الرغم من أن السلطات الليبية في الغرب، تحديدًا حكومة طرابلس، قامت ببعض المحاولات لتحسين الأوضاع في مراكز الاحتجاز من خلال فصل الأطفال عن البالغين والنساء عن الرجال، إلا أن هذه الجهود تظل محدودة في ظل الانتهاكات المستمرة وانعدام الرقابة الكافية. وفي شرق البلاد، تظل الأوضاع أكثر تعقيدًا مع تداخل الصلاحيات للجهات الأمنية والتعامل مع استقبال بعض الجنسيات الاسيوية وغيرها عبر المطارات وتحولهم إلى مهاجرين غير نظاميين في المنطقة الغربية ويعزو هذا لإنعدام التنسيق والإنقسام الحاصل وغياب دور المنظمات الدولية في شرق البلاد.
دور منظمات حقوق الإنسان
تواجه منظمات حقوق الإنسان صعوبة في الوصول إلى المهاجرين المحتجزين في ليبيا بسبب القيود المفروضة على دخول بعض المناطق. ورغم المحاولات المتواصلة من قبل المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، لتقديم الدعم الإنساني، فإن عدم قدرة هذه المنظمات على فرض الرقابة أو التدخل المباشر يعوق تحسين الوضع. علاوة على ذلك، لا تتمتع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالصلاحيات الكافية لحماية المهاجرين بشكل فعّال.
الدور الدولي في الأزمة
يلعب الاتحاد الأوروبي دورًا كبيرًا في دعم الجهود الأمنية لليبيا لمنع تدفق المهاجرين إلى أوروبا، ولكنه يُركز في الغالب على الجانب الأمني، مثل تدريب خفر السواحل الليبي على صد المهاجرين، بدلًا من التعامل مع جذور المشكلة الإنسانية. من ناحية أخرى، فإن الاتحاد الإفريقي، الذي يُعتبر مسؤولًا بشكل مباشر عن المهاجرين الأفارقة، يلعب دورًا ضعيفًا، حيث لم يقدم جهودًا ملموسة لحل الأزمة أو تحسين الأوضاع الإنسانية داخل ليبيا.
استخدام الهجرة كورقة ضغط سياسي
يستخدم بعض الأطراف في ليبيا ملف الهجرة كورقة ضغط على الدول الأوروبية، وخاصة إيطاليا، للحصول على تنازلات أو مساعدات اقتصادية. يستمر هذا الأسلوب منذ عهد القذافي وحتى اليوم، حيث تطرح السلطات الليبية مطالبات بتمويلات مقابل الحد من تدفق المهاجرين، ما يجعل من قضية الهجرة لعبة سياسية رابحة لبعض الأطراف وخاسرة إنسانيًا وأخلاقيًا.
توظيف المهاجرين في الصراعات
كشف طارق لملوم عن شهادات صادمة تفيد بأن بعض المهاجرين يتم استخدامهم في النزاعات المسلحة، حيث يُجبرون على القيام بأعمال شاقة، مثل تنظيف الأسلحة أو حتى المشاركة في القتال. وتُعتبر هذه الظاهرة من أسوأ الانتهاكات الإنسانية التي ترتكب في حق المهاجرين المحتجزين في ليبيا.
السياسات الأوروبية ومسؤولية مشتركة
تلعب السياسات الأوروبية دورًا رئيسيًا في تفاقم أزمة الهجرة، حيث تُركز على تقليص عدد المهاجرين القادمين إلى أوروبا دون النظر إلى الظروف الإنسانية التي يعاني منها هؤلاء الأشخاص داخل ليبيا. السياسات الأوروبية تُساهم في استمرار الانتهاكات، خاصةً مع الاعتماد على سلطات محلية غير مستقرة للسيطرة على تدفق المهاجرين. هناك مسؤولية مشتركة بين الاتحاد الأوروبي وليبيا في هذا الصدد، إلا أن الاهتمام ينصب بشكل أكبر على الحلول الأمنية دون النظر إلى الجانب الإنساني.
قصص نجاح
على الرغم من الصورة القاتمة، توجد بعض قصص النجاح. هناك مهاجرون، خاصة من سوريا، تمكنوا من الاندماج في المجتمع الليبي وإستكمال دراستهم في الجامعات الليبية، ما يُظهر أنه بالإمكان تحسين الأوضاع لو توفرت الإرادة السياسية والبيئة المناسبة. لكن هذه النجاحات تظل فردية ولا تعكس وجود خطة شاملة من قبل السلطات لتحسين أوضاع المهاجرين وطالبي اللجوء بشكل عام.
الحلول المقترحة
يؤكد لملوم على أهمية وجود حلول مستدامة لمعالجة أزمة الهجرة غير النظامية في ليبيا. تتضمن هذه الحلول ضرورة تصنيف المهاجرين بشكل قانوني صحيح بين طالبي لجوء ومهاجرين اقتصاديين، وتوفير حماية قانونية واضحة لهم. كما يقترح ضرورة تحسين ظروف مراكز الاحتجاز ووضع حد للانتهاكات الجسيمة، بالإضافة إلى تفعيل دور المنظمات الدولية بشكل أكبر. إلى جانب ذلك، يجب أن يكون هناك تعاون حقيقي بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة وتحسين الأوضاع الاقتصادية في بلدان المنشأ.
تطور الهجرة غير النظامية في ليبيا
منذ عام 2011، ومع انهيار النظام الليبي السابق، تحولت ليبيا إلى بوابة رئيسية للمهاجرين غير النظاميين المتجهين نحو أوروبا. في البدايةكانت ليبيا بلدًا مضيفًا جزئيًا للمهاجرين، حيث استقر البعض لفترات قصيرة للعمل قبل أن يتوجهوا إلى أوروبا. ولكن مع تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية بعد الثورة، باتت ليبيا اليوم محطة عبور أكثر منها مكان إقامة، ما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يجدون أنفسهم محاصرين في ظروف قاسية.
وفي الختام، يتطلب التعامل مع أزمة الهجرة غير النظامية في ليبيا حلولًا شاملة تجمع بين البعد الإنساني والسياسي، حيث يجب أن تلتزم الأطراف الدولية والمحلية بمسؤولياتها في حماية حقوق المهاجرين ومعالجة الأسباب العميقة للهجرة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس