علاء حموده
أفريقيا برس – ليبيا. يتسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء في إرباك وتنغيص حياة الليبيين، الذين يعانون أصلاً من توترات أمنية وانقسام سياسي في بلادهم، في حين يرى خبراء أن البنية التحتية المتهالكة تعوق أي حلول جذرية لإنهاء هذه الأزمة المستعصية.
معاناة يومية
في العاصمة طرابلس، لم يعد مخلص الحراري (30 عاماً) يحتمل مشاهد التحشيدات العسكرية للميليشيات في المدينة، في ظل معاناته اليومية من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، قد تصل أحياناً إلى 12 ساعة في اليوم. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «تحوّلت حياتي إلى جحيم حقيقي بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء، وعجز السلطات عن إيجاد حل لهذه المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد آخر».
أمّا في شرق البلاد، فالمعاناة ليست أقل وطأة، إذ يواجه السكان انقطاعات متكررة تجعل حياتهم شبه مشلولة، حيث تصل مدة الانقطاع أحياناً إلى 9 ساعات يومياً، وقد تمتد في بعض المناطق إلى 4 أيام متتالية، وفق ما أكده بعض المواطنين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط».
وتزداد الأزمة حدة لدى المرضى وكبار السن. وفي هذا السياق، تقول فاطمة بشير، وهي معلمة من منطقة بوعطني في بنغازي: «زوجي يعاني من أمراض القلب وضغط الدم، ما يجبرني على الانتقال به إلى منازل أقاربنا أو أماكن أخرى مزودة بتكييف، لتجنب تدهور حالته الصحية»، مؤكدة أن انقطاع الكهرباء يضاعف الأعباء الاقتصادية على الأسر الليبية التي «تكافح يومياً لتدبير شؤون حياتها»، ومشيرة إلى «تعطيل ضخ المياه، وتوقف بعض المرافق الأساسية، فضلاً عن تلف الأجهزة المنزلية نتيجة تذبذب التيار».
ولأزمة الكهرباء أبعاد نفسية أيضاً، وهو ما أوضحته فاطمة بشير بنبرة حزينة قائلة: «الظلام يولّد شعوراً بالضيق والاكتئاب، ويمنعنا من استقبال الضيوف، أو ممارسة حياتنا اليومية بشكل طبيعي، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة. وهذه الظروف تعكس الواقع الذي نعيشه يومياً في غياب حلول جادة من الجهات المسؤولة».
مشكلة بحلول جذرية
لا تتوفر أرقام رسمية حديثة عن إنتاج واستهلاك الكهرباء في ليبيا، غير أن بيانات دولية غير رسمية تعود إلى نحو عامين تشير إلى أن الإنتاج بلغ 35 ألف غيغاواط/ساعة، مقابل استهلاك يقدَّر بـ27 ألف غيغاواط/ساعة، وفق منصات رصد اقتصادية، مثل موقع «كانتري إيكونومي» الإسباني. لكن يبدو أن هذه الأرقام لم تعد منطقية مع استمرار أزمة الكهرباء، ووعود الحكومتين في شرق البلاد وغربها بحل الأزمة، بحسب مراقبين.
وتتجه الحلول الحكومية في شرق البلاد وغربها راهناً إلى صيانة المحطات واستيراد قطع غيار، في حين اقترحت المؤسسة الوطنية للنفط إحياء مشروع ضخم للغاز الطبيعي لتلبية الطلب المتزايد، وتقليص العجز المزمن في الكهرباء.
وفي أغسطس (آب) الماضي، أصدر مدير صندوق إعمار ليبيا، بالقاسم حفتر، نجل قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، قراراً يقضي بتشكيل لجنة حكومية لمعالجة مشكلات الشبكة الكهربائية في المناطق الشرقية والجنوبية.
وتظهر بيانات مصرف ليبيا المركزي أن إجمالي نفقات الشركة العامة للكهرباء بلغ 2.5 مليار دينار ليبي، منذ بداية العام وحتى نهاية أغسطس، من دون أن ينعكس ذلك على تحسن ملموس في الخدمة، بحسب متابعين.
ويصف عضو لجنة الطاقة بمجلس النواب، علي التكبالي، أزمة انقطاع الكهرباء بأنها «مشكلة عويصة ممتدة منذ سنوات، ولم تجد حلاً حاسماً، رغم أن الشركة العامة للكهرباء هي المؤسسة الوحيدة التي تلقت دعماً مالياً كبيراً، مقارنة بالقطاعات الخدمية الأخرى»، معرباً عن الأسف لعدم وجود تحرك برلماني في هذا الشأن.
وبحسب بعض السياسيين، فإن بعض جذور الأزمة تعود إلى الحقبة السابقة لنظام معمر القذافي.ويستشهد رئيس الحزب المدني الديمقراطي، محمد سعيد مبارك، بتجربة عايشها بنفسه عندما شارك عام 2004 في مجلس التخطيط العام ممثلاً لجامعة قاريونس في بنغازي، قائلاً: «قبل 21 عاماً، طلب مدير الشركة العامة للكهرباء آنذاك، عمران بوكراع، تخصيص 5 مليارات دولار لتطوير الشبكة». ونقل مبارك تحذير المسؤول الليبي وقتها من «أزمة وشيكة بسبب تهالك البنية التحتية، وضعف الإنتاج مقارنة بالطلب المتزايد الناتج عن التوسع العمراني والزيادة السكانية، لكن المجلس الحكومي لم يتمكن حينها من توفير هذا المبلغ، وها نحن اليوم ندفع ثمن ذلك الإهمال والتأجيل».
ويحمل برلمانيون وساسة ليبيون جانباً كبيراً من المسؤولية عن الأزمة الحالية لما يصفونه بـ«الفساد في الشركة العامة للكهرباء»، مشيرين إلى أن الوقود المخصص لتشغيل المحطات «يُحوّل أحياناً إلى الأرتال العسكرية التابعة للميليشيات، فضلاً عن تهريبه»، وهو ما أكده التكبالي لـ«الشرق الأوسط».
وكان تقرير فريق خبراء مجلس الأمن قد كشف هذا العام أن «ديوان المحاسبة الليبي»، وهو أكبر جهاز رقابي في البلاد، لم يتمكن من مراجعة حسابات الشركة العامة للكهرباء لعامي 2022 و2023، بعدما منعت عناصر مسلحة تتولى حراسة مقر الشركة في طرابلس مراجعيه من الدخول.
ويتفق مبارك مع التكبالي على أن الأزمة «لا ترتبط فقط بنقص التمويل، بل تتعلق أيضاً بسوء الإدارة، وتفشي الفساد، وحالات السرقة التي طالت معدات الشبكة، في ظل ضعف أمني واضح»، ولفت أيضاً إلى أن «الانقسام السياسي زاد من تعقيد المشكلة».
وتشهد ليبيا منذ أعوام انقساماً حاداً بين حكومتين متنافستين؛ إحداهما حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ومقرها طرابلس وتدير معظم مناطق الغرب الليبي، وأخرى مكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد، وتتخذ من بنغازي مقراً لها، وتشرف على الشرق وأجزاء من الجنوب.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس