ترشيد الإنفاق في ليبيا يطال بعثات وسفارات البلاد في الخارج

6
ترشيد الإنفاق في ليبيا يطال بعثات وسفارات البلاد في الخارج
ترشيد الإنفاق في ليبيا يطال بعثات وسفارات البلاد في الخارج

أفريقيا برس – ليبيا. في خطوة مثيرة للجدل تعكس تصاعد الضغوط المالية التي تواجهها الدولة، قررت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، إلغاء 25 بعثة دبلوماسية للبلاد في الخارج، في إطار ما وصفته بـ”إجراءات ترشيد الإنفاق وإعادة هيكلة التمثيل الخارجي”.

القرار الذي أثار ردود فعل متباينة داخل الأوساط الدبلوماسية، فتح الباب أمام تساؤلات حول تأثيره على العلاقات الثنائية مع الدول المعنية، ومدى التزام الممثلين الدبلوماسيين بتطبيقه، في ظل اعتراض بعضهم بحجة غياب الصلاحية القانونية للحكومة في اتخاذ مثل هذه الخطوة.

خطوات جيدة

من جانبه، اعتبر أستاذ القانون والباحث السياسي الليبي رمضان التويجر، أن “قرار إلغاء السفارات والبعثات الدبلوماسية، الذي أصدره رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، يُعد قرارًا في غاية الأهمية رغم تأخره”، مشيرًا إلى أنه “كان من المفترض أن تتخذه الحكومات السابقة منذ سنوات”.

وأوضح التويجر أن “هناك العديد من الدول التي لا تتطلب وجود تمثيل دبلوماسي مباشر لليبيا، نظرًا لغياب المصالح المشتركة”، مؤكدًا أنه “بالإمكان تسيير العلاقات مع هذه الدول عبر سفراء غير مقيمين، وتكليف أقرب سفارة ليبية بالإشراف على شؤون الجالية الليبية وتقديم الخدمات الأساسية لهم”.

وأشار التويجر إلى أن “هناك إسرافًا غير مبرر في افتتاح السفارات بالخارج، حيث تم فتح عدد كبير منها دون مراعاة جدوى ذلك مقارنة بالمصاريف المرتفعة”، مؤكدًا أن “بعض السفارات في دول تربطها مصالح حقيقية مع ليبيا، تضم أعدادًا مبالغًا فيها من الموظفين”.

ودعا التويجر وزارة الخارجية الليبية إلى “نشر بيانات شفافة توضح أعداد الدبلوماسيين والموظفين في كل سفارة ليبية، خاصة في ظل تقارير ديوان المحاسبة، التي تشير إلى وجود تضخم وظيفي وصرف مكافآت كبيرة، في وقت يشهد فيه الدينار الليبي تراجعًا مقابل العملات الأجنبية”.

واعتبر أن هذه الخطوة “جيدة رغم تأخرها”، مؤكدًا “ضرورة إعادة النظر في أوضاع بقية السفارات، سواء من حيث جدوى وجودها أو من حيث حجم كوادرها”، مشددًا على أن “العمل الدبلوماسي لا يحتاج إلى أعداد كبيرة من الموظفين”.

وفيما يخص الجدل الدائر حول الصلاحيات، أوضح التويجر أن “المجلس الرئاسي، وفق اتفاق جنيف، يملك صلاحية الإشراف على عملية التوافق السياسي، إلا أن الاختصاص التنفيذي فيما يتعلق بالسفارات يظل من صلاحيات الحكومة ووزارة الخارجية، باعتبارها الجهة المشرفة مباشرة على البعثات الدبلوماسية”.

تقليص إيجابي

يرى المحلل السياسي الليبي حسام الدين العبدلي، أن “رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، اتخذ هذه المرة إجراءات مهمة تهدف إلى سد العجز المالي وخلق حلول سريعة للأزمة الاقتصادية التي تمر بها ليبيا”.

وأوضح العبدلي أنه “من بين أبرز هذه الإجراءات تلك التي نادى بها الشارع الليبي والنشطاء منذ سنوات، والمتعلقة بتقليص أعداد الموظفين في السفارات الليبية بالخارج، والتي تشكّل عبئًا ماليًا كبيرًا على الدولة”، وأشار إلى أنه “من بين الدول التي شملها القرار دولة ألبانيا، حيث تم إلغاء السفارة الليبية فيها وضم مهامها إلى سفارة ليبيا في إيطاليا”.

وأضاف أن “هذا التوجه سيُطبق على بقية السفارات، خصوصًا تلك الموجودة في دول أفريقية لا تمثل أهمية استراتيجية لليبيا”، وأعطى مثالا بسفارة ليبيا في بوركينا فاسو، التي تم ضم عملها إلى سفارة ليبيا في مالي، معتبرًا أن “ذلك أكثر منطقية، خاصة أن مالي دولة جارة بينما لا تربط ليبيا ببوركينا فاسو أي حدود مشتركة”.

وشدد على ضرورة أن “تكون هذه القرارات مدروسة وليست عشوائية، مع التركيز على الإبقاء على السفارات في الدول ذات الأهمية الاستراتيجية فقط”.

وأشار العبدلي إلى أن “هذه الخطوة كان من المتوقع اتخاذها منذ وقت طويل”، مؤكدًا أن “دولًا كبرى سبقت ليبيا إلى اتخاذ قرارات مماثلة في إطار ترشيد النفقات”.

وتطرق العبدلي إلى رفض بعض السفراء الليبيين لهذا القرار بحجة “عدم الاختصاص”، واعتبر هذا الرفض “دليلًا على وجود دبلوماسيين غير مؤهلين يقودون بعض السفارات”.

وانتقد العبدلي ما وصفه بـ”سعي بعض العاملين في السفارات الليبية بالخارج للحفاظ على مصالحهم ومزاياهم المالية، وهو ما قد يدفع الكثيرين منهم لرفض القرار وعدم التجاوب معه”.

لكنه شدد على أن “إلغاء هذه السفارات لن يؤثر في العلاقات الثنائية مع الدول المعنية، لا سياسيًا ولا اقتصاديًا، لأن مهام هذه السفارات سيتم نقلها إلى أقرب سفارة ليبية في المنطقة”، مؤكدًا أن “الوضع الاقتصادي الراهن لا يحتمل هذا التوسع الدبلوماسي المكلف”.

وأوضح أن “بعض الدول التي تم إلغاء التمثيل الليبي فيها، مثل بنما، لا تربطها بليبيا أي علاقات أو تعاون يذكر”، مؤكدًا أن “القائمة طويلة بشأن الدول التي لا توجد بينها وبين ليبيا علاقات ثنائية حقيقية”.

وشدد العبدلي على “ضرورة تركيز ليبيا على تعزيز علاقاتها مع الدول الكبرى والدول الجارة، مثل روسيا، الولايات المتحدة، الصين، المملكة المتحدة، وتركيا”، معتبرًا أن “قرارات الإلغاء التي صدرت حتى الآن صحيحة وجاءت في الاتجاه السليم”.

ودعا العبدلي رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، إلى أن “يتبع هذه الخطوة بإجراءات عملية أخرى، من بينها تشكيل لجنة مختصة لإعادة تقييم أوضاع الموظفين في السفارات الليبية بالخارج، والبدء في تقليص أعدادهم، خاصة أولئك الذين تم تعيينهم عبر الوساطة ويتمتعون بمزايا ورواتب عالية بالدولار”.

وأكد على ضرورة “إعادة ما لا يقل عن 70% من الموظفين في هذه البعثات إلى ليبيا، وأن تُصرف رواتبهم بالدينار الليبي، لا بالعملة الصعبة”.

مؤكدا على أن “تنفيذ هذه الإصلاحات يتطلب الضرب بيد من حديد، والالتزام الجاد بالوعود الحكومية بشأن ترشيد الإنفاق وإصلاح الجهاز الدبلوماسي”.

كما أشار إلى أن “السفارات التي أُلغيت تم اختيارها بعد دراسة دقيقة، مثل سفارة ليبيا في سريلانكا، التي ضُمت إلى بنغلاديش، نظرًا لوجود جالية بنغالية كبيرة في ليبيا، وكذلك سفارات تايلاند وفيتنام التي نُقلت مهامها إلى ماليزيا، لما يجمع بين البلدين من تعاون في مجالات التعليم والعمل”، وأكد أن “هذه الإجراءات لن تؤثر على العلاقات الثنائية مع تلك الدول، وإنما تُعد مسألة تنظيمية ولوجستية بحتة”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here