توطين المهاجرين في ليبيا.. بين الإكراهات الدولية والمتطلبات الداخلية

توطين المهاجرين في ليبيا.. بين الإكراهات الدولية والمتطلبات الداخلية
توطين المهاجرين في ليبيا.. بين الإكراهات الدولية والمتطلبات الداخلية

ربيعة خطاب

أفريقيا برس – ليبيا. تواجه ليبيا تحديات متزايدة في إدارة ملف المهاجرين، حيث تتصاعد الضغوط الدولية لتطبيق خيارات التوطين، مما يضع الحكومة أمام معضلات قانونية واجتماعية. الخبراء يحذرون من أن أي خطوات نحو التوطين قد تؤدي إلى مقاومة شعبية واسعة، خاصة في ظل القوانين المحلية التي تعاقب على ذلك.

تشهد ليبيا تصاعداً في تدفقات المهاجرين عبر أراضيها، ما يضع الحكومة والبرلمان أمام تحديات كبيرة على الأصعدة الأمنية والقانونية والاجتماعية.

تتابع السلطات بقلق تزايد أعداد الوافدين وسط ضغوط دولية متصاعدة تطالب بإيجاد حلول مستدامة، بما في ذلك طرح خيارات التوطين، التي تصطدم مباشرة بالقوانين الليبية الحالية.

في هذا السياق، يؤكد الخبراء أن السيادة الوطنية والالتزام بالإطار التشريعي يمثلان حجر الزاوية في أي مقاربة لإدارة ملف الهجرة، بينما يواجه صانعو القرار اختبارات صعبة لتحقيق التوازن بين الالتزامات الدولية والحفاظ على الاستقرار الداخلي.

وفي تصريح يرى المحلل السياسي محمد أمطيريد أن ملف الهجرة في ليبيا يمثل اليوم تحدياً معقداً يتجاوز مجرد أعداد الوافدين، إذ أصبح محور اهتمام السياسات الداخلية والخارجية للبلاد.

فالضغط الدولي، خصوصاً من بعض الدول الأوروبية، يسعى إلى فرض خيارات مثل التوطين، بينما الواقع القانوني والدستوري الليبي لا يسمح بذلك، ما يضع الحكومة في موقف حرج بين الالتزام بالتشريعات الوطنية والاستجابة للضغوط الدولية.

وما يزيد التعقيد أن أي خطوة نحو التوطين ستقابل مقاومة شعبية واسعة، خصوصاً أن القانون رقم 24 لسنة 2023 يعاقب بالحبس والغرامة كل من يحاول التوطين، سواء كان مهاجراً أو من يوفر له المأوى.

لذا يجب أن تركز السياسات الليبية على إدارة التدفقات وتعزيز الأمن الحدودي ومعالجة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للهجرة دون المساس بالسيادة الوطنية أو تجاوز النصوص التشريعية، وإلا فإن أي مسعى خارجي لتغيير الواقع سيصطدم بعقبات قانونية وسياسية حقيقية.

وتشهد ليبيا تحدياً مزدوجاً يتمثل في توطين المهاجرين، حيث تضطر الحكومة لموازنة الضغوط الدولية مع احتياجات المواطنين المحليين، فيما تشير بيانات رسمية إلى أن آلاف المهاجرين تم توطينهم في وحدات سكنية حديثة دون خطط دمج واضحة مع البنية التحتية للمواطنين.

وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي محمد أمطيريد: “إن ملف توطين المهاجرين في ليبيا أصبح أداة مساومة سياسية أكثر منه قضية إنسانية بحتة.

فالحكومة، منذ تشكيلها، تواجه ضغطاً مستمراً من بعض الدول الأوروبية، خصوصاً إيطاليا، التي تربط الدعم السياسي والاقتصادي بالتزام ليبيا ببرامج التوطين.

وفي الوقت نفسه، يواجه المواطن الليبي قيوداً واضحة في الحصول على سكن لائق، بينما تُستثمر الموارد الوطنية في إنشاء وحدات سكنية للمهاجرين تتفوق في الجودة على ما هو متاح للسكان المحليين، ما يخلق شعوراً بالتمييز وعدم المساواة.

هذه السياسات تضع الحكومة أمام تحديات مزدوجة؛ أولها اجتماعي مرتبط بالثقة بين الدولة والمواطنين، وثانيها أمني يتمثل في إدارة الحدود والتحكم في المخيمات ومواجهة شبكات التهريب.

والأهم أن هذه الإجراءات الرسمية، رغم كونها جزءاً من استراتيجية الحكومة، تُدار ضمن لعبة مصالح دولية تستفيد منها القوى الخارجية لتحقيق أهدافها السياسية، بينما تتحمل ليبيا تبعات التنفيذ داخلياً، بما يشمل الضغط على الموارد المحدودة واستنزاف قدرات الأجهزة الأمنية.

وفي ظل غياب استراتيجية وطنية شاملة لتوزيع الحقوق والموارد بين الليبيين والمهاجرين، يبدو واضحاً أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي حتماً إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي وزيادة معدلات الإحباط بين السكان، ما يفرض ضرورة مراجعة عاجلة للسياسات المتبعة لضمان التوازن بين الالتزامات الدولية والأمن الداخلي وحماية مصالح المواطنين.

تستثمر الحكومة الليبية مواردها في بناء وحدات سكنية للمهاجرين، ما يثير توترات مع السكان المحليين الذين يشعرون بعدم المساواة في الحصول على الخدمات الأساسية، خاصة السكن، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي ويزيد من معدلات الاحتقان.

وفي هذا الإطار، يقول أمطيريد: “ما نشهده اليوم في ليبيا هو تجربة توطين المهاجرين بطريقة رسمية لكنها تفتقر إلى رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأولويات الوطنية للمواطنين.

فالمواطن الليبي غالباً ما يجد نفسه محرومًا من سكن لائق أو من الخدمات الأساسية المتاحة للمهاجرين في وحدات سكنية حديثة ومجهزة، ما يثير شعوراً بعدم المساواة ويقوض الثقة بين الدولة والمواطنين.

هذا الوضع يضع الحكومة أمام معضلة حقيقية، إذ عليها إدارة ملف حساس ضمن شبكة معقدة من المصالح الدولية، في الوقت الذي يُتوقع منها حماية الأمن الوطني والتعامل مع تحديات اقتصادية واجتماعية خانقة.

إن الضغط على الأجهزة الأمنية لإدارة الحدود، ومراقبة المخيمات، ومواجهة شبكات التهريب يزيد من استنزاف الموارد الوطنية ويضع البلاد تحت تهديدات متزايدة على الاستقرار الداخلي.

من هنا يصبح من الضروري وضع استراتيجية وطنية واضحة لتوزيع الحقوق والموارد بين الليبيين والمهاجرين بطريقة عادلة، بحيث يتم الجمع بين الالتزامات الإنسانية الدولية وحماية مصالح المواطنين، مع ضمان عدم تفاقم الاحتقان الاجتماعي وارتفاع معدلات الإحباط، لأن الفشل في ذلك قد يؤدي إلى أزمة طويلة الأمد على مستوى السلم الاجتماعي والأمن الوطني.

تاريخياً، كانت ليبيا نقطة عبور رئيسية للمهاجرين القادمين من إفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا. ومع تزايد أعداد المهاجرين، أصبحت القضية موضوعاً رئيسياً في السياسة الداخلية والخارجية، حيث تسعى الحكومة إلى تحقيق توازن بين الالتزامات الدولية واحتياجات المواطنين المحليين. الضغوط الدولية، خاصة من الدول الأوروبية، تساهم في تعقيد الوضع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here