أفريقيا برس – ليبيا. في المشهد الرياضي الليبي الذي يموج بالتحديات ويضج بالتغيُّرات، تبرز شخصيات نادرة تملك القدرة على المواءمة بين العمل الإداري الرصين والرؤية الإصلاحية الطموحة، شخصيات لا تكتفي بإدارة ملفات رياضية؛ بل تنظر إلى أبعد من حدود الملاعب والقاعات، إلى حيث تكمن صناعة الأبطال، وبناء المؤسسات، وترسيخ قيم النزاهة والاحتراف.
في هذا السياق، يبرز اسم عزالدين القاضي، عضو اللجنة الأولمبية الليبية ورئيس الاتحاد الليبي للمبارزة، كأحد أبرز الوجوه التي استطاعت خلال الأعوام الأخيرة أن تمنح الرياضة الليبية مساراً مختلفاً، قائماً على التخطيط، والحوكمة، والعمل الميداني.
من بين أروقة الاتحادات، وقاعات الاجتماعات، وساحات البطولات، استطاع القاضي أن يبني لنفسه مكانة خاصة، ليس فقط لقدرته على إدارة الملفات المعقدة بمرونة؛ بل لامتلاكه رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه الرياضة الليبية في المستقبل، رؤية تعيد الاعتبار للاتحاد، وتصنع بيئة تدريبية تنافسية، وتُحصّن قواعد اللعبة من الفوضى والعشوائية التي لطالما أعاقت مسيرة الكثير من الرياضات في البلاد.
وفي وقت يعيش فيه الرياضيون الليبيون بين طموحات كبيرة ومعوقات أكبر، يأتي القاضي ليطرح خطاباً مختلفاً: خطاباً يعتمد على البناء من القاعدة، والعودة إلى المدارس الرياضية، وتطوير المدربين، وتوفير بيئة آمنة وشفافة للمنافسة، مع وضع اللاعب الليبي في قلب مشروع التطوير، بوصفه محور العملية الرياضية وهدفها الأول، لذا قررنا في جريدة «الوسط» فتح الحوار مع القاضي.
• كيف تُقيِّمون واقع الرياضة الليبية اليوم، وفي أي مرحلة تراها تقف؟
– الرياضة الليبية تعيش اليوم مرحلة انتقالية حساسة بين تراكمات الماضي وتطلعات المستقبل، هناك جهد كبير يُبذل في عدة اتحادات، وهناك إرادة لدى كثير من الرياضيين والإداريين لإحداث تغيير حقيقي، لكن ما نحتاجه حقاً هو بناء مؤسسات رياضية مستقرة، ما يحدث اليوم هو أن بعض الاتحادات تعمل بعقلية الطوارئ، وهذا يجعل التطوير بطيئاً، ومع ذلك، أنا متفائل، لدينا خامات ممتازة، ولدينا إداريون يحتاجون فقط إلى دعم أكبر واستقلالية أفضل، الرياضة الليبية ليست متأخرة في الموهبة؛ بل في التنظيم، وهذا ما نعمل على تغييره.
• كيف ترى منافسات دورة ألعاب التضامن الإسلامي في السعودية؟
– دعني أكون واضحاً، دورة التضامن الإسلامي التي تستضيفها المملكة العربية السعودية مشكورة ليست مجرد حدث رياضي عابر؛ بل هي أولمبياد مصغّر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أكثر من 3000 رياضي، تجهيزات على أعلى مستوى، تنظيم دقيق، هذا ليس تجمعاً عادياً، إنها بطولة قوية جداً، حاضرة فيها دول آسيوية وأفريقية ذات باع طويل في الألعاب الفردية، وبصراحة، وجودنا هنا بحد ذاته هو رسالة أننا مازلنا جزءاً من هذا المشهد الرياضي الإسلامي الكبير.
• بالحديث عن الوجود الليبي؛ كيف جرت مشاركة منتخب المبارزة؟
– شاركنا بعدد ثلاثة رياضيين في منافسات سلاح، وذلك حسب شروط اللجنة المنظمة، لاعبان فقط في الفردي، وثلاثة رياضيين في منافسات الفرق، وفي منافسات الفردي شارك 35 مبارزاً من دول قوية جداً، وعلى الرغم من ذلك حققنا نتائج نراها مشرفة بالنظر للظروف والإمكانيات، أحمد السحيري في المركز 18، محمد الأخضر في المركز 23.
نحن في المكتب التنفيذي راضون عن هذه النتائج، ليس لأننا نحب القليل، بل لأننا نعرف حجم الإمكانيات، حجم التحديات، وطبيعة الإعداد الذي مر به أبناؤنا، نحن نبحث عن أقصى استفادة من كل بطولة، نريد أن يعود لاعبونا بخبرة، بثقة، بتجربة، لا مجرد ميدالية تُعلّق في سجل المشاركة.
• تقول إن النتائج مرضية على الرغم من الظروف؛ ما أبرز هذه الظروف؟
– لو أردت الإجابة بصراحة، فإن أصعب ما نواجهه اليوم هو الدعم المالي، أقولها دائماً وبكل وضوح، الدعم الحكومي للاتحادات الرياضية لا يفي بالغرض ولا يشجع على صناعة أبطال، حين تقارن مثلًا بين ما تحصل عليه الاتحادات في مصر وما نحصل عليه نحن في ليبيا، الفارق مهول، ومع ذلك تجد من يسأل: لماذا لا نرى بطلاً أولمبياً؟ لماذا لا ننافس على الذهب؟ الجواب بسيط، الرياضة صناعة، والصناعة تحتاج موارد، تحتاج تخطيطاً، تحتاج بيئة ملائمة.
• ومع ذلك لا تبدو محبطاً حين تتحدث؛ من أين تأتي بهذا الدافع؟
– ربما لأنني تعلمت من المبارزة أن الهزيمة الحقيقية ليست خسارة نزال، بل التوقف، ومنذ أن انتُخبت رئيساً للاتحاد في مايو 2017، وضعت هدفاً واضحاً، إعادة بناء قاعدة المبارزة في ليبيا مهما كانت الظروف، شخصياً، أنا لا أحب لغة الشكوى، أحب أن أرى ما يمكن فعله بالإمكانات المتاحة، ثم أقاتل لأجل المزيد.
• نعود لمشاركة المنتخب؛ كيف ترى أداء اللاعبين في المنافسات الفردية؟
– أداء السحيري والأخضر كان ممتازاً بالمعايير الفنية، السحيري فاز بثلاث مواجهات في دور المجموعات، أمام قطر وإندونيسيا واليمن، وخسر اثنتين فقط من لاعبين متمرسين، الأخضر أيضاً قدم مستوى جيداً رغم الخسارات، وكلها كانت بفوارق بسيطة جداً، لكن دعني أقول لك شيئاً مهماً، الفارق بين لاعبينا واللاعبين الآخرين ليس في الموهبة. الموهبة موجودة، الفارق الحقيقي في الإعداد والاحتكاك والخبرة الدولية، لو توفرت لنا فرص المشاركة الدائمة سنرى نتائج مختلفة تماماً.
• ماذا عن التعاون العربي؟ هل تلقى الاتحاد الليبي دعماً في هذا الجانب؟
– نعم، وبكل صراحة، لا يمكن أن أتجاوز فضل المهندس عبدالمنعم الحسيني، الرئيس السابق للاتحاد المصري للسلاح ونائب رئيس الاتحاد الدولي، هذا الرجل وقف معنا كثيراً، قدّم دعماً كبيراً، وساهم في تسهيل الكثير من الإجراءات والصعوبات التي واجهتنا سواء في مشاركات عربية أو أفريقية، وأنا دائماً أقول: الرياضة تبنى بالتعاون.. لا بالانعزال.
• بصفتكم رئيس الاتحاد الليبي للمبارزة، ما هو تقييمكم لمستوى اللعبة محلياً؟
– المبارزة في ليبيا شهدت صعوداً وهبوطاً خلال السنوات الماضية، لكننا اليوم في اتجاه تصاعدي واضح، لدينا مجموعة من الشباب والشابات الذين يملكون إمكانيات كبيرة، ولكن الإمكانات وحدها لا تكفي.
عملنا خلال الفترة الماضية على إعادة ترتيب البيت الداخلي: تطوير اللوائح، تنظيم البطولات، توفير معسكرات، تدريب حكام ومدربين، اعتماد برنامج لاكتشاف المواهب من المدارس والجامعات، وبصراحة، نحن الآن أمام جيل قادر على صنع نتائج أفضل بكثير مما حققته الأجيال السابقة، إذا استمرت عملية البناء بهذا الشكل.
• ما أبرز الصعوبات التي واجهتكم داخل الاتحاد؟
– التحديات كثيرة، وأهمها التحدي المالي، المبارزة رياضة مكلفة جداً، سواء من حيث الأدوات أو السفر أو المشاركات الدولية، كما واجهنا مشكلة نقص المدربين المؤهلين محلياً، وهو ما دفعنا لإطلاق برنامج تدريبي واسع بالتعاون مع خبراء دوليين، أيضاً، عدم وجود صالات مجهّزة بشكل كامل كان من أبرز التحديات، نحن نتعامل مع رياضة تحتاج لمساحات خاصة وأنظمة أمان، لكننا نجتهد في الاستفادة من كل الإمكانات المتاحة.
• بصفتكم عضواً في اللجنة الأولمبية؛ كيف ترون العلاقة بين الاتحادات واللجنة؟ وهل تحتاج لتطوير؟
– العلاقة جيدة بشكل عام، ولكنها تحتاج إلى إعادة هيكلة واعتماد آليات حديثة، اللجنة الأولمبية يجب أن تكون المظلة التي تدعم الاتحادات لا أن تنشغل بالخلافات أو الإجراءات البيروقراطية، نحن نحتاج إلى: خطط استراتيجية طويلة الأمد، تمويل واضح، لجان فنية فعالة، هيئات رقابية تضمن النزاهة، اللجنة الأولمبية اليوم لديها الفرصة لتكون عنصراً رئيسياً في نهضة الرياضة اللييبية، وأعتقد أننا بدأنا نرى خطوات إيجابية بهذا الاتجاه.
• كيف تنظرون إلى ملف المواهب الشابة؟ وهل لدينا منهج واضح للاكتشاف؟
– هذا سؤال مهم جداً، لأن مستقبل أي رياضة يبدأ من القاعدة، للأسف، لفترات طويلة اعتمدت الرياضة الليبية على المواهب التي تظهر بمجهودات فردية، أما الآن، فنحن نعمل على مشروع وطني لاكتشاف المواهب المبكرة في المبارزة، من خلال: المدارس والجامعات والأندية الصغيرة ومراكز الشباب، وضعنا برنامجاً يعتمد على «المسار الطويل للموهبة» الذي يطبق في دول متقدمة، الهدف هو أن نكوّن بطلًا للمستقبل، وليس لاعباً لبطولة واحدة.
• بصراحة؛ ما الذي ينقصنا للوصول إلى منصات التتويج القارية والدولية في المبارزة؟
– ينقصنا أربعة أمور فقط، إذا تحققت سنقف في منصات التتويج بلا مبالغة: الاستمرارية في المعسكرات والمشاركات، والاستثمار في المدربين، والدعم المالي المنتظم، والإعداد النفسي والبدني المتخصص، لدينا الموهبة، وهذا أهم عنصر، ما ينقص هو البيئة المحترفة التي تنقل اللاعب من مرحلة الهواية إلى مرحلة المنافسة الدولية.
• ما هي الإنجازات التي تحققت خلال رئاستكم للاتحاد؟
– حققنا عدة خطوات خلال الأعوام الماضية، أهمها: تنظيم أول دوري للمبارزة بنظام احترافي، وتدريب أكثر من 40 مدرباً وحكماً، وإرسال لاعبين لمعسكرات خارجية في تركيا ومصر وتونس، وإدخال معدات دولية جديدة إلى الاتحاد للمرة الأولى، وزيادة عدد الأندية المشاركة في اللعبة بنسبة كبيرة، والأهم من ذلك، أننا منحنا اللعبة هوية جديدة داخل المشهد الرياضي الليبي.
• هل لديكم رؤية خاصة لتطوير دور المرأة في المبارزة؟
– نعم، المرأة عنصر أساسي في خطتنا، لدينا لاعبات يمتلكن مستوى مميزاً للغاية، وبعضهن وصلن إلى نهائيات عربية وأفريقية، نعمل حالياً على زيادة عدد البطولات النسائية وتوفير مدربات متخصصات وتشجيع المدارس والجامعات على مشاركة الطالبات، وتخصيص دعم إداري وفني للعبة النسائية، فالمرأة الليبية قادرة على المنافسة بقوة في المبارزة إذا حصلت على الدعم المناسب.
• كيف تتعاملون مع الانتقادات أو الضغوط التي يواجهها الاتحاد؟
– أي اتحاد يعمل بجد سيواجه انتقادات، وهذا طبيعي، ما نركز عليه هو أن تكون هذه الانتقادات بناءة، نحن نتعامل مع كل ملاحظة بجدية، ونفتح أبواب الاتحاد أمام الجميع، الشفافية هي أهم شيء، ما يهمني هو أن يعرف الناس أننا نعمل بصدق، وأن كل قرار نتخذه مبني على مصلحة اللعبة واللاعبين.
• ما طموحاتكم خلال الأعوام المقبلة؟
– لديَّ ثلاثة أهداف رئيسية: تأهيل لاعبين ليبيين للمنافسة على الألقاب الأفريقية والعربية، بناء مركز وطني للمبارزة في ليبيا بمواصفات دولية، وتأسيس منظومة إدارية قوية تستطيع الصمود لأعوام، أريد أن أترك خلفي مؤسسة، وليس مجرد فترة إدارية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





