عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. شهدت الساحة السياسية الليبية في الآونة الأخيرة زيارة مفاجئة وغير معلنة مسبقا لرئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، إلى الولايات المتحدة الأميركية. أثارت هذه الزيارة جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والمراقبين، نظرًا لما تمثله من انعطاف في توقيت حساس تمر به البلاد. تأتي هذه الزيارة وسط أزمة سياسية مزمنة تعصف بليبيا منذ ما بعد ثورة السابع عشر من فبراير، حيث لم تتمكن البلاد من الخروج من دائرة الانقسام والتناحر السياسي، رغم العديد من المحاولات للوصول إلى تسوية.
خلفية الأزمة الليبية
منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، تعاني ليبيا من أزمة متعددة الأوجه، تشمل الانقسامات السياسية، والتدخلات الخارجية، والصراعات المسلحة. وقد بدأت الأزمة السياسية في مرحلة مبكرة بعد الثورة مع انتخاب المؤتمر الوطني العام. رأى البعض أن هذه الأزمة ما هي إلا نتيجة طبيعية لتداعيات انهيار الأنظمة الشمولية في دول الربيع العربي، ولكن الوضع في ليبيا سرعان ما تطور إلى حالة خاصة تختلف عن باقي دول الربيع.
في عام 2014، جرت انتخابات برلمانية جديدة وسط أجواء مشحونة، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي. ومنها بدأ البرلمان الجديد على أنقاض المؤتمر الوطني العام، لكنه لم ينجح في توحيد البلاد، بل زادت حالة الانقسام الداخلي. ومنذ ذلك الحين، شهدت ليبيا صراعاً متزايداً بين الحكومات المتنافسة في الشرق والغرب، بالإضافة إلى تدخلات خارجية سعت إلى تحقيق مصالحها على الأرض الليبية، ما جعل البلاد ساحة للتجاذبات الإقليمية والدولية.
حوار جنيف: أمل قصير الأمد
في محاولة للحد من تفاقم الأزمة، قاد المجتمع الدولي حوارًا سياسيًا في جنيف عام 2021، هدف إلى وضع حد للإنقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية. ومع ذلك، فإن هذه التسوية لم تصمد طويلًا، حيث تعثرت مع الوقت بسبب التنافس الداخلي على المناصب السيادية وملفات حساسة مثل ملف مصرف ليبيا المركزي وقيادة الجيش، مما أدى إلى جمود العملية السياسية والإنفراد بالقرارت دون الرجوع إلى نصوص اتفاق جنيف واخطرها كان مؤخرا انبثاق حكومة جديدة عن مجلس النواب والتصويت على اقالة حكومة الوحدة بطرابلس
فأصبح المشهد السياسي الليبي تحت تأثير القرار والقرار المضاد من قبل كل الاجسام التي تتصدر المشهد السياسي، وما تنتهي أزمة إلا ويفتح باب آخر لأزمة جديدة، فأثر هذا على العملية السياسية وتعطلت الانتخابات المرجوة حسب الاتفاق السياسي الأخير، مما فتح الباب أمام صراع حقيقي وأحدث جدلا حول شرعية من هم على الساحة ومازال الجميع يمارس مهامه بالطريقة التي يراها والتي تتماشى مع مصالحه الضيقة وبغض النظر على حال التشتت والانقسام السياسي..
ولطالما كانت تحركات رئيس مجلس النواب تثير خصومه السياسيين… وهناك من يتهمه ومن داخل مجلس النواب بالانفراد بالرأي وإختزال سياسات مجلس النواب في شخصه. وهذا رأي العديد من المراقبيين أيضا، وآخر محطات عقيلة في زيارته للولايات المتحدة في هذا الوقت تثير جدلا في الشارع الليبي وفي الأوساط السياسية حول هذه الزيارة.
وفي لقاء “أفريقيا برس” مع عضو بالمجلس الأعلى للدولة لا يريد الإفصاح عن اسمه، أشار و بشكل خاص، “إن هذه الزيارة كانت غير معلنة ومفاجئة، وأن مجلس النواب لم يقدم أي تفاصيل رسمية حول هذه الزيارة حتى الآن، ولكن في نظري أن هذه الزيارة جاءت بعد شعور رئاسة البرلمان الليبي بتفلت الأمور من بين يديه من ناحية ملف المناصب السيادية، وخاصة بعد التدخل الأخير للمجلس الرئاسي حول ملف مصرف ليبيا المركزي الذي دفع بالجميع إلى الحوار”.
في الجانب الآخر قد يكون هدف هذه الزيارة تتعلق بالترتيبات المالية، خصوصا الميزانية الضخمة التي أقرها البرلمان بشكل أحادي للحكومة المنبثقة عن مجلس النواب، أو قد تكون حول النفوذ الروسي بالمنطقة، ولا يستبعد أيضا تقديم شخصية من طرف عقيلة وذالك لتشكيل حكومة موحدة، كل هذه الملفات قد تكون واردة في أجندة في هذه الزيارة.
تسوية أم تسويق سياسي؟
من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي يوسف البخبخي أن زيارة عقيلة صالح قد تكون محاولة للتسويق السياسي الشخصي. فصالح الذي لم يخفي طموحاته السياسية منذ لقاء الصخيرات، يسعى منذ ذلك الحوار للترشح لرئاسة المجلس الرئاسي. وأشار البخبخي إلى أن الزيارة ربما جاءت كخطوة استباقية لأي حوار سياسي جديد قد يُحدث تغييرات جوهرية في القيادة الليبية، خاصة مع التوجهات الدولية المتزايدة لدفع ليبيا نحو انتخابات جديدة.
البخبخي أشار أيضًا إلى أن الولايات المتحدة قد تكون مهتمة بتخفيف النفوذ الروسي في الشرق الليبي. إذ أن الشرق، الذي يعد تحت سيطرة القوات الموالية لعقيلة صالح، يشهد تزايدًا في النفوذ الروسي، وهو ما يشكل مصدر قلق للولايات المتحدة.
ولذلك، قد تكون الزيارة تهدف إلى تقديم صالح لنفسه كبديل سياسي مقبول للأميركيين، بعيدا عن النفوذ الروسي المتنامي في المنطقة.
استقبال فاتر
رغم أهمية الملفات المطروحة، لم تحظى زيارة عقيلة صالح بتفاعل كبير من الجانب الأميركي.
فقد أشار يوسف البخبخي إلى أن صالح لم يُستقبَل من قبل شخصيات ذات ثقل سياسي كبير، سواء في الكونغرس أو وزارة الخارجية. بل اقتصرت لقاءاته على موظفين في الخارجية الأميركية، وعلى رأسهم المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند. هذا يشير إلى أن الولايات المتحدة لم تكن تنظر إلى هذه الزيارة بوصفها حدثًا كبيرًا، بل ربما تعاملت معها بوصفها خطوة روتينية في إطار إدارة الأزمة الليبية.
ليبيا، ملف معقد في السياسة الأميركية
إذا فشلت الزيارة في تحقيق أي تقدم ملموس، تظل ليبيا ملفًا مهمًا على أجندة السياسة الخارجية الأميركية، خاصة فيما يتعلق بالنفوذ الروسي. فالولايات المتحدة تنظر إلى الأزمة الليبية من منظور استراتيجي، يهدف إلى منع توسع النفوذ الروسي في المنطقة، وتتبيث مصالحها ونفوذها عبر وكلائها في الغرب الليبي ودفع الدب الروسي خارج المعادلة الليبية. ويبدو أن واشنطن لا تزال تفضل إدارة الأزمة بدلاً من فرض حلول جذرية.
وقال البخبخي في هذا الصدد “دلك التوجه في السياسة الامريكية وإدارة الازمة يعكس سياسة أميركية تعتمد على إبقاء الوضع الليبي تحت السيطرة دون السماح بانفجار الأزمة وتفاقمها”. ويشير إلى أن الولايات المتحدة تسعى بشكل رئيسي إلى منع النفوذ الروسي في المنطقة، مع الأمل في ترويض الأطراف الليبية المنفتحة على روسيا ودفعها نحو توافق مع السياسة الخارجية الأميركية.
مستقبل الأزمة الليبية
فيما يتعلق بتأثير زيارة عقيلة صالح على الداخل الليبي، يبدو أن الزيارة لم تترك أثرًا واضحًا في الساحة السياسية. الأزمة الليبية لا تزال بعيدة عن الحل، حيث تعاني البلاد من انقسامات داخلية وصراعات على السلطة، بالإضافة إلى تدخلات خارجية معقدة. وقد أشار إلى أن الزيارة لا يمكن قراءتها على أنها خطوة نحو حل الأزمة، بل هي جزء من سياسة أميركية تهدف إلى إدارة الوضع أكثر من حله.
مستقبل ضبابي
تواجه البلاد تحديات كبيرة تتعلق بتجديد الشرعية من خلال الانتخابات. ومع أن الولايات المتحدة تدفع نحو الحل الانتخابي كطريقة لتجاوز الأزمة، فإن تحقيق هذا الهدف في المدى القريب يبدو صعبًا. فالأطراف المتنازعة لا تزال متشبثة بمواقفها، والنفوذ الروسي في الشرق يعقد الأمور ومن جهة أخرى تسعى الولايات المتحدة لتثبيت نفوذها في الغرب الليبي عبر وكلائها.
وفي ظل التعقيدات الكبيرة التي تواجه المشهد الليبي، تبقى زيارة عقيلة صالح إلى الولايات المتحدة خطوة غامضة ومحفوفة بالأسئلة. وبينما يسعى صالح لتعزيز موقعه السياسي، تبدو الأزمة الليبية مستمرة في مسارها المأزوم، مع غياب حلول عملية وقريبة. ومع استمرار التجاذبات الداخلية والتدخلات الخارجية، يبقى السؤال مفتوحًا: إلى متى ستظل ليبيا رهينة للصراعات والتجاذبات الدولية؟
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس