عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. تعيش منطقة غرب ليبيا حالة من التوتر الأمني المتصاعد منذ فترة، حيث تتعدد التشكيلات المسلحة التي تحكم سيطرتها على العديد من المدن والمناطق المحيطة بطرابلس تتنوع هذه التشكيلات في أيديولوجياتها وأهدافها والجهات التي تدعمها، مما يخلق واقعاً معقداً يصعب التنبؤ بتوجهاته المستقبلية. من مدينة طرابلس إلى مصراتة، مروراً بالزاوية وصبراتة، تمثل هذه المجموعات أبرز القوى التي تسعى للهيمنة على المشهد العسكري والسياسي في الغرب الليبي، متنافسة في سبيل فرض نفوذها على مؤسسات الدولة ومقدراتها. فما الذي يحدث اليوم في غرب ليبيا؟ وكيف يمكن تفسير التصعيد الأخير في هذه المنطقة التي أصبحت مسرحاً لاحتدام الصراعات المسلحة؟
التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية
تعتبر المنطقة الغربية من ليبيا معقلاً رئيسياً للمجموعات المسلحة التي تفرض سيطرتها على عدة مدن استراتيجية تحت مسميات مختلفة وبدعوى الشرعية. من أبرز هذه التشكيلات قوة حماية طرابلس التي تتشكل تحتها العديد من الكتائب والمجموعات المسلحة والتي تتمركز في العاصمة وتتصدى لأي تهديدات محتملة. هذه القوة تُعتبر رسمية وتضم عدة كتائب تنضوي تحت مظلتها، وقد نشأت لحماية العاصمة من أي تدخلات مسلحة.
كما تُعد كتيبة القوة المشتركة القادمة من مصراتة من أبرز الفصائل التي تحتفظ بقدرة على التأثير في معركة النفوذ في غرب ليبيا، وهي تأتمر بأوامر رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة مباشرة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب كتائب وسرايا مصراتة دوراً رئيسياً في هذه المعادلة العسكرية، حيث تؤكد دعمها للشرعية وتتهم القوى الأخرى بمحاولة فرض أجندة مشبوهة.
تجدر الإشارة إلى أن هناك اتهامات متبادلة بين الأطراف السياسية والعسكرية في غرب ليبيا حول التدخلات الخارجية، التي يُعتقد بأنها تسعى إلى تحقيق مصالحها الإقليمية على حساب استقرار ليبيا.
تصاعد الصراع في الزاوية
وفي تطور آخر، تفجرت أزمة في الزاوية حيث نشبت مواجهات بين قوات صلاح النمروش، قائد المنطقة العسكرية الغربية، وميليشيا محمد كشلاف. أسفرت هذه المواجهات عن انسحاب قوات المنطقة العسكرية الغربية من المصفاة، مما أدى إلى إعادة سيطرة مليشيا كشلاف (المعروفة بالقصب) على المصفاة بعد أشهر من إخراجها منها. يأتي ذلك في وقت تكثفت فيه الاغتيالات في المنطقة مؤخراً.
تحركات عسكرية مشبوهة
في الأيام الأخيرة، شهدت منطقة غرب ليبيا تصعيداً عسكرياً خطيراً نتيجة للتحركات العسكرية المتزايدة من قبل قوات مصراتة. حيث أُفيد بوصول أرتال مسلحة، تضم دبابات وآليات ثقيلة، إلى محيط العاصمة طرابلس في خطوة أثارت القلق على مستوى الشارع الليبي. هذه التحركات العسكرية جاءت في سياق تصعيد سياسي، إذ جاءت احتجاجاً على تعيين عطية الطالب رئيساً لجهاز الحرس الرئاسي. وبالرغم من أن هذه التحركات لم تحصل بناءً على تعليمات رسمية من المجلس الرئاسي، فإنها أظهرت تصاعد الاحتقان في المشهد الليبي.
وفي تصريح خاص لأفريقيا برس، أوضح الأكاديمي والمحلل السياسي عبدالله الديباني أن التحشيدات العسكرية الحالية تعود إلى عدة دوافع رئيسية، أبرزها الصراع على النفوذ السياسي والاقتصادي في ظل غياب مؤسسات موحدة فعّالة. وأشار إلى أن هذه التحركات تعكس رغبة بعض الفصائل في تعزيز مواقعها التفاوضية أو ردع خصومها، خاصة في ظل تغيّر موازين القوى الداخلية. وأضاف أن هذه التحشيدات قد تكون أحيانًا استباقية تحسّبًا لأي تغييرات مفاجئة في المشهد السياسي أو الأمني أو تحوّل المسار السياسي الدولي تجاه ليبيا.
وشدد الديباني على أن مثل هذه التحركات غالبًا ما تكون أقرب إلى استعراض القوة وإرسال رسائل سياسية، سواء إلى الداخل أو الأطراف الدولية، أكثر من كونها نية فعلية للاشتباك واسع النطاق. مع ذلك، نوه إلى أن هشاشة الوضع السياسي وغياب آليات ضبط عسكرية موحدة يجعل أي استعراض عرضة للتطور إلى اشتباك مسلح.
وأوضح أن هذه التحشيدات تمثل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار المناطق الغربية بشكل عام، والعاصمة طرابلس بشكل خاص. وأشار إلى أن تعدد الفصائل واختلاف ولاءاتها يمكن أن يؤدي إلى انزلاق سريع نحو مواجهات عنيفة، خاصة إذا دخلت أطراف خارجية على الخط أو حدث تصعيد غير محسوب. لكن، في الوقت نفسه، أضاف أن هناك إدراكًا متبادلًا من الأطراف بخطورة العودة إلى الحرب الشاملة، ما يجعل الجميع يتحرك في إطار التهديد دون الانفجار الكامل حتى الآن.
كما شدد الديباني على أن هذه التحشيدات تزيد من تعقيد المشهد السياسي، حيث أنها تخلق توترات تقوّض فرص التقدم نحو انتخابات نزيهة وشفافة، وتعرقل جهود تشكيل حكومة موحدة قادرة على فرض سلطتها في جميع أنحاء البلاد.
وأضاف أن استمرار الانقسام السياسي يفقد أي عملية سياسية مصداقيتها ويُخيف المواطنين من تبعات عدم الاستقرار، مما يهدد بتأجيل طويل لأي استحقاق انتخابي.
ردود فعل المجلس الرئاسي الليبي
من جانبه، أكد المجلس الرئاسي الليبي أن أي تحركات أو تنقلات للجهات الأمنية والعسكرية يجب أن تتم وفق تعليمات صريحة ومسبقة من المجلس والجهات المختصة. وشدد المجلس الرئاسي في بيان له على أن أي تصرف خارج هذا الإطار يعد خرقاً للتعليمات ويعرض مرتكبيه للمساءلة القانونية.
ولفت المجلس إلى أن ترسيخ الاستقرار وبسط الأمن في كافة أنحاء البلاد يمثل أولوية قصوى، باعتباره أساس أي تقدم سياسي أو اقتصادي، مشيراً إلى أن المجلس يضطلع بدور الإشراف الكامل والتوجيه المباشر لجميع العمليات الأمنية والعسكرية. ودعا المجلس جميع الأطراف إلى الالتزام الصارم بالضوابط والتعليمات المنظمة للعمل الأمني والعسكري، محذراً من أن الأمن مسؤولية جماعية لا تحتمل الاجتهادات الفردية أو القرارات الأحادية التي قد تؤثر على الاستقرار العام.
التحشيدات العسكرية واتهامات بالمخططات الانقلابية
بالتوازي مع ذلك، انتشرت مقاطع فيديو تظهر تحشيداً عسكرياً على الطريق الساحلي شرق طرابلس، مما يثير مخاوف من وقوع اشتباك مفتوح في العاصمة. قيادة قوة حماية طرابلس اتهمت أطرافاً، أبرزها عمر أبو غدادة آمر القوة المشتركة القادمة من مصراتة وعبدالسلام الزوبي وكيل وزارة الدفاع، بمحاولة تنفيذ مخطط يهدف إلى زعزعة استقرار المدينة، داعية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي تحركات عسكرية غير قانونية.
كما أكد الكاتب والمحلل السياسي أحمد بوعرقوب أن هناك تحالفاً عسكرياً يتم الإعداد له، يتألف من مجموعة كتائب من داخل العاصمة طرابلس ومن طوق طرابلس، بالإضافة إلى قوة عسكرية من مصراتة. وأضاف أن هذا التحالف يهدف إلى السيطرة على مقرات جهاز الردع وجهاز المخابرات، بهدف إخراج جهاز الردع من المعادلة السياسية والعسكرية.
صراع الأجندات
ما يحدث اليوم في غرب ليبيا ليس مجرد صراع على الأرض أو الموارد، بل هو صراع على الشرعية السياسية والنفوذ داخل الحكومة الليبية. ففي غياب حكومة ذات قدرة حقيقية على بسط سيطرتها على الأرض، تتزايد التدخلات من جانب مجموعات مسلحة مدعومة إقليمياً. هذا الوضع يعكس الفوضى المستمرة في البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي، ويضع السلطات الليبية أمام تحديات كبيرة لإعادة توحيد الدولة والحد من نفوذ الميليشيات.
في الختام، من الواضح أن غرب ليبيا يعيش على فوهة بركان، مع تزايد التحشيدات العسكرية والتهديدات السياسية التي قد تؤدي إلى حرب أهلية مفتوحة. في ظل غياب حل سياسي شامل وفعّال، فإن غرب ليبيا على أعتاب مرحلة جديدة من التوترات قد تؤدي إلى تغيير جذري في توازن القوى. ولعل الأمل في استقرار البلاد يتطلب إرادة حقيقية من جميع الأطراف لوقف دوامة العنف وإعادة بناء مؤسسات الدولة، في إطار من التوافق السياسي والتعاون بين القوى الوطنية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس