هانا تيتيه أمام مجلس الأمن: دبلوماسية ناعمة تعيد إنتاج الأزمة الليبية

21
هانا تيتيه أمام مجلس الأمن: دبلوماسية ناعمة تعيد إنتاج الأزمة الليبية
هانا تيتيه أمام مجلس الأمن: دبلوماسية ناعمة تعيد إنتاج الأزمة الليبية

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. في أول إحاطة لها أمام مجلس الأمن الدولي منذ توليها منصب المبعوثة الأممية إلى ليبيا، عبّرت هانا تيتيه عن قلقها العميق حيال الوضع الأمني والإنساني في البلاد، مسلطة الضوء على هشاشة الأوضاع التي تعيشها ليبيا منذ سنوات. أكدت تيتيه أن النساء في ليبيا يتعرضن للعنف دون حماية أمنية أو اجتماعية، مما يستدعي تسريع البرلمان الليبي لإقرار قانون يحمي حقوق النساء ويضمن كرامتهن في مجتمع تسوده الانقسامات السياسية.

كما لم تغفل تيتيه الإشارة إلى الإخفاقات الديمقراطية، حيث أشارت إلى أن بعض البلديات لم تحترم نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية، ما يضعف العملية الديمقراطية برمتها. ولفتت إلى أن التنافس القائم على رئاسة المجلس الأعلى للدولة أدى إلى إضعاف دوره الحيوي، محذّرة من استمرار غياب موازنة مالية موحدة، الأمر الذي قد يقود إلى انهيار اقتصادي يهدد كيان الدولة الليبية الهش أصلاً.

تيتيه دعت المجتمع الدولي إلى تبني رؤية موحدة لدعم الاستقرار في ليبيا، وأكدت استعداد الأمم المتحدة لدعم الأطراف الليبية في الوصول إلى موازنة مالية موحدة. أما بشأن الوضع الأمني، فرغم استقرار اتفاق وقف إطلاق النار نسبياً، إلا أن الحشد العسكري المستمر في العاصمة طرابلس يبقي الوضع مقلقاً بشدة، خصوصاً مع استمرار غياب توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، وهو شرط جوهري لتحقيق الاستقرار الدائم.

المبعوثة الأممية أكدت أن استقرار ليبيا لا يخص الداخل فقط، بل يطال أمن المنطقة بأسرها، داعية إلى تعزيز الحشد الدولي لدفع العملية السياسية للأمام، وكشفت عن قرب انتهاء عمل اللجنة الاستشارية الليبية المكلفة من الأمم المتحدة بوضع خارطة طريق للحل السياسي والاقتصادي في نهاية أبريل الجاري.

انتقادات وتشخيصات واقعية

في تصريح خاص لـ”أفريقيا برس”، أوضح المحلل السياسي ورئيس الجمعية العمومية للاتحاد الليبي للمنظمات غير الحكومية علي البوتيلي أن ليبيا ومنذ 2011 ترزح تحت وصاية غير مباشرة نتيجة قرار مجلس الأمن 1973، الذي فتح الباب أمام تدخلات دولية متعددة الأوجه والمصالح. وأكد البوتيلي أن إحاطة تيتيه لم تأت بجديد، معتبراً أن مشاكل النساء، وتجاوزات الانتخابات، وانقسام مجلس الدولة، هي نتائج حتمية لوجود حكومتين متصارعتين مدعومتين بمليشيات مسلحة، وسط استنزاف ممنهج للمال العام.

البوتيلي انتقد بشدة نهج تيتيه، مشيراً إلى أنه كان الأجدر بها أن تطرح حلولاً عملية تبدأ بتوحيد الحكومة والتحكم بصرف الأموال عبر مصرف ليبيا المركزي، وإعادة تنظيم الجيش الليبي بشكل موحد، ووضع خطة قابلة للتنفيذ للانتخابات الرئاسية والتشريعية، مع ضمانات دولية تفرض احترام نتائجها. وأكد أن إحاطة تيتيه لم تخرج عن إطار الدبلوماسية الناعمة كسابقاتها، متوقعاً استمرار حالة الجمود السياسي بفعل غياب الجدية لدى المجتمع الدولي.

من جهته، صرّح الناشط والمحلل السياسي جمال الفلاح، لـ”أفريقيا برس”، أن حديث تيتيه لم يحمل أي جديد أيضاً، مشيراً إلى أن كل المبعوثين السابقين دأبوا على تناول ذات القضايا: المشكل الأمني، التعنت السياسي، وتمسك كل طرف بمكانه دون نية للتقاسم السياسي. وأكد الفلاح أن تفاقم الخلافات سببه تزايد التدخلات الخارجية.

وأبرز الفلاح تفاؤله الحذر بتصريحات إدارة ترامب بشأن الملف الليبي، التي أكدت وجود نية لتسوية الأزمة، معتبراً أن المنهجية الاقتصادية التي يتبعها ترامب قد تدفع فعلياً العملية السياسية إلى الأمام عبر لغة “الأرقام والبزنس”، مشيراً إلى أن هذه الضغوط قد تفرض على الأطراف المحلية القبول بالتسوية القادمة.

الفلاح لم يغفل الإشارة إلى الجانب الحقوقي الذي أثارته تيتيه، خاصة فيما يتعلق بإقصاء النساء، مستشهداً بحادثة رفض عميد بلدية تسليم المنصب لرئيسة منتخبة فقط لكونها امرأة، معتبراً أن هذه الممارسات تمثل انتهاكاً صارخاً لكل المعايير الديمقراطية، بجانب استمرار الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري بحق شخصيات نسائية.

وفي سياق متصل، أبدى الفلاح تفاؤله تجاه عمل اللجنة الاستشارية رفيعة المستوى، مؤكداً أنها تمضي قدماً في وضع أطر قانونية مقبولة من جميع الأطراف، ما قد يمهد لانتخابات طال انتظارها. وأكد على وجود دعم دولي لهذه اللجنة، مع تشديده على أن المخرجات ستكون ملزمة للأطراف المحلية، مما سينقل ليبيا إلى مرحلة جديدة أقل حدة في الصراع.

ورغم طابعها الدبلوماسي الهادئ، تفتح إحاطة هانا تيتيه الباب واسعاً أمام تساؤلات مشروعة: هل سيتجاوز المجتمع الدولي سياسة إدارة الأزمة نحو سياسة حل الأزمة؟ أم أن ليبيا ستبقى رهينة التوازنات الدولية وصراعات المصالح؟ يبدو أن مصير ليبيا لا يزال معلقاً بين الإرادات الخارجية وعجز الأطراف الداخلية، وسط انتظار طويل لبارقة أمل قد تحملها ضغوط اقتصادية جديدة أو مبادرات سياسية أكثر جدية وصرامة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here