عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. في حوار أجرته “أفريقيا برس” مع الكاتب والمحلل السياسي أحمد المهدوي حول زيارة المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربع لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح في مدينة بنغازي، أكد المهدوي أن هذه الزيارة تمثل خطوة مهمة لتعزيز الجهود وكسر الحواجز أمام المصالحة الوطنية الشاملة.
وأوضح المهدوي أن لهذه الزيارة آثارًا إيجابية، معتبرًا أنها خطوة جريئة تصب في مصلحة جميع الليبيين، وتبعث برسالة مفادها أن ليبيا واحدة.
وأشار إلى أن المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربع سيواجه بعض التحديات، أبرزها رفض بعض الأطراف لهذه الزيارة، وخاصة تيار الإسلام السياسي والمستفيدين من حالة الانقسام والانسداد في العملية السياسية.
كما أكد المهدوي أن المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربع قادر على تجاوز هذه التحديات والتأثير بشكل مباشر على قادة الكتائب والمجموعات المسلحة في نطاق طرابلس الكبرى، بما يخدم مشروع المصالحة وإعادة الثقة بين الليبيين.
ما هو تقييمك للقرار الذي اتخذه المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربعة بزيارة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في مدينة بنغازي في إطار جهود المصالحة الوطنية؟
أعتقد أن الخطوة التي اتخذها المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربعة بزيارة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تأتي في إطار تعزيز الجهود وكسر الحواجز أمام المصالحة الوطنية.
نحن نتحدث عن سلم اجتماعي، وأرى أن هذه الخطوة كانت جريئة من المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة، خاصة أن مجلس النواب يمثل كل الليبيين.
أعتقد أن الخطوة كانت ممتازة، فهي خطوة جريئة تصب في صالح جميع الليبيين، وتبعث رسالة بأن ليبيا واحدة، سواء في الشرق أو الغرب أو الجنوب.
هي خطوة صحيحة وفي الاتجاه الصحيح للمصالحة الوطنية. زيارة عقيلة صالح كشخصية اعتبارية يمثل هذا الجسم التشريعي الذي يعبر عن جميع الليبيين.
كيف ترى تأثير هذه الخطوة على تعزيز السلم الاجتماعي في ليبيا في ظل التحديات السياسية الحالية؟
تأثير هذه الخطوة على تعزيز السلم الاجتماعي في ليبيا في ظل التحديات الحالية هو أنها تأتي في إطار كسر الجمود وكسر الحواجز أمام الليبيين، وقطع الطريق على من لا يريد المصالحة.
في اعتقادي، ما قام به المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة يعطي حافزًا لجميع المجالس الاجتماعية في ليبيا لأن تخطو مثل هذه الخطوات، وتكسر حواجز الانغلاق على نفسها.
هذه خطوة ممتازة في ظل التحديات الراهنة، حيث أن بعض الدول لا ترغب في أن يخطو الليبيون هذه الخطوة.
المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة يصب في مصلحة السلم الاجتماعي، ويعد جزءًا من المصالح الوطنية.
نحن نتحدث عن ضرورة بناء الثقة بين الليبيين، وهذه الزيارات من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق، ومن الجنوب إلى الشمال، هي خطوة نحو إعادة الثقة التي فقدت في وقت سابق.
ما هي أبعاد هذا القرار على علاقة المجلس الاجتماعي ببقية الأطراف السياسية والمجتمعية في ليبيا، خاصة التيارات التي ترفض المصالحة؟
بالطبع، سيكون لهذا القرار أبعاد كبيرة. هناك أطراف سياسية في طرابلس لا ترغب في المصالحة لأنها مستفيدة من الوضع الراهن، من حالة الانسداد والانقسام السياسي.
وبالتالي، ستحاول تشويه هذه الزيارة. لكن خروج المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة وتوضيح أهداف هذه الزيارة سيقطع الطريق أمام هؤلاء.
بعض الأطراف في ليبيا لا تريد تقاربًا بين الليبيين، وتتلقي أوامرها من خارج ليبيا أو تستفيد من حالة الانقسام. هذه الأطراف حاولت في وقت سابق رفض الزيارة، والكل يعلم أن هذه المكونات محسوبة على تيار سياسي معين. ولكن هذه الخطوة تعطي حافزًا لجميع المجالس الاجتماعية في ليبيا لتتخذ خطوات مشابهة لبناء الثقة بين الليبيين. وبعيدًا عن التدخلات الدولية، فإن المشكلة في ليبيا هي مشكلة دولية وليست محلية مباشرة. الليبيون لا مشاكل بينهم، ولكن هناك خلاف سياسي، ونحن في حاجة إلى مصالحة سياسية بعد إعادة بناء الثقة.
كيف تفسر رفض وتنديد بعض الأطراف المحسوبة على تيار الإسلام السياسي والإخوان المسلمين لهذه الزيارة؟ وهل ترى في هذا الرفض تهديدًا لجهود المصالحة الوطنية؟
رفض بعض الأطراف لهذه الزيارة وتنديدها بها يعود إلى أن هناك أطرافًا لا ترغب في استقرار ليبيا. تيار الإخوان المسلمين، كما يعلم الجميع، هو تيار إقليمي ودولي يتلقى أوامره ودعمه من خارج البلاد، وهو مرتبط أيديولوجيًا ببعض الدول. فقد خسر انتخابات البرلمان وشعبيته، وأصبح يضمحل في ليبيا. الليبيون أدركوا أن هذا التيار يسعى إلى زعزعة أمن ليبيا وربطها بالدول الإقليمية والمنظمات الإقليمية.
هذا التيار يرى أن المصالحة الوطنية تشكل خطرًا على وجوده، وبالتالي يستخدم أدواته وآلياته، بالإضافة إلى مؤيديه، لتشويه هذه الزيارة. ومن المستفيدين من هذا الانقسام، هناك المليشيات المسلحة والجهات التي لها ارتباطات أيديولوجية، وليس لهم مصلحة في تقارب الليبيين أو بناء الثقة بين الليبيين. لذلك، ستحاول هذه الفئة التنديد والرفض تجاه أي خطوة تحقق السلم والمصالحة الشاملة.
ما هو دور المجالس الاجتماعية في تعزيز وحدة الصف الوطني، وهل يمكنها التأثير بشكل كبير على القيادات العسكرية داخل طرابلس الكبرى؟
نحن في ليبيا مجتمع قبلي مكون من قبائل ومجالس اجتماعية، وللمجالس الاجتماعية دور مهم جدًا في توحيد الصف الوطني. الكل يعلم أن القانون يساند العرف الاجتماعي، حتى في القضايا الجنائية، حيث يلجأ القانون إلى المجالس الاجتماعية لحلحلة بعض الأمور العالقة التي لا يستطيع القانون معالجتها. دور المجالس الاجتماعية في بناء الثقة بين الليبيين وإعادة السلم الاجتماعي بالغ الأهمية، كما أن لها دورًا في التنمية الاجتماعية وضبط أبناء القبائل. المجالس الاجتماعية تستطيع أيضًا إنهاء حالة الحرب والانقسام بين الليبيين، حيث أن المليشيات والمجموعات المسلحة غالبًا ما تكون من أبناء القبائل.
هذه القبائل تستطيع السيطرة على أبنائها وكبح جماحهم إذا تم استغلالهم من أطراف دينية أو دولية لزعزعة الأمن. لهذه المجالس تأثير كبير على القيادات العسكرية داخل طرابلس. رأينا كيف تم حل العديد من الصراعات بين الجماعات المسلحة داخل العاصمة من خلال المجالس الاجتماعية في طرابلس، بينما فشلت حكومة الوحدة في حل هذه الصراعات. ما يجب أن يحدث هو أن تعطى هذه المجالس دورًا أكبر، وأن يتم عقد مؤتمرات ولقاءات لهذه المجالس في جميع أنحاء ليبيا، وليس في طرابلس الكبرى فقط، من أجل حل الإشكالات العالقة وبناء الثقة بين القبائل.
في رأيك، ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه المجالس الاجتماعية في محاولتها للمساهمة في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في ليبيا؟
هناك تحديات كبيرة تواجه المجالس الاجتماعية. أولًا، هناك تيارات معينة تحاول زعزعة الثقة بين أبناء المناطق ومجالسها الاجتماعية. ثانيًا، ستواجه المجالس الاجتماعية مجموعات مسلحة تحاول الانقلاب عليها لأنها مستفيدة من حالة الفوضى ولا ترغب في إنهاء الانقسام السياسي والفوضى. التحدي الأكبر لهذه المجالس هو قدرتها على الصمود أمام هذه المليشيات والأطراف التي تحاول رفض وجود هذه المجالس ونهجها الإصلاحي.
هل ترى أن المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربعة قادر على تجاوز الانقسامات السياسية والإيديولوجية داخل المجتمع الليبي، خاصة فيما يتعلق بالتعاون مع الأطراف العسكرية؟
أعتقد أن المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربعة لديه القدرة الكبيرة على إحداث فرق في إنهاء حالة الانقسام. الكل يعلم أن سوق الجمعة تمثل ثقلًا كبيرًا في العاصمة طرابلس، وكل من يحاول زعزعة أمن واستقرار طرابلس الكبرى أو حتى المنطقة الغربية، يلجأ إلى أبناء سوق الجمعة. لأن المجموعات المسلحة وثكناتها وقياداتها تأتي من منطقة سوق الجمعة والنواحي الأربعة. رغم محاولات تيار الإسلام السياسي لزرع الفتن في المنطقة واستغلال بعض ضعاف النفوس، إلا أن هذه المحاولات فشلت في وقت سابق. لذا أعتقد أن المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة قادر على التصدي لهذه المؤامرات، والدليل على ذلك نجاحه في وقف الفتنة بين قوة الردع والأربعات (تشكيلات مسلحة)في وقت سابق. وبالتالي، المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربعة قادر على الصمود والنجاح في ظل هذه الظروف.
هل هناك رؤية مشتركة بين المجلس الاجتماعي والمجالس الأخرى حول كيفية التعامل مع القضايا السياسية الحالية، أم أن هناك تباينًا في الآراء والمواقف؟
نعم، هناك رؤية مشتركة بين المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والمجالس الأخرى. نحن لا نحبذ أن يكون للمجالس الاجتماعية دور سياسي. الكل يعلم أن القبيلة يجب أن تهتم بالشق الاجتماعي فقط، ولا يمكن أن يُعطى لها دور سياسي، لأن ذلك سيؤدي إلى فقدان المجالس الاجتماعية قيمتها الاجتماعية. المجالس الاجتماعية تركز على السلم الاجتماعي والأمن، ولذلك نأت بنفسها عن الحوارات السياسية التي حاولت البعثة الأممية إقحامها فيها. المجالس الاجتماعية تدرك أن بناء الأمم يبدأ من أمن واستقرار أبنائها، ومن ثم يأتي دورها في تعزيز الثقة بين الليبيين، وهذا سيتطور بشكل تلقائي مع حماية وسيادة القانون، ثم يأتي بعد ذلك الدور السياسي في بناء ورسم شكل الدولة.
وفي الختام، نوضح أن المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربع:هو هيئة تضم عمداء بلديات سوق الجمعة، عين زارة، سيدي السائح، قصر بن غشير، سبيعة، العواتة، وسوق الخميس، وقد تم تشكيله في 8 أكتوبر 2023.
حيث تمثل هذه البلديات جزءاً مهماً من منطقة طرابلس الكبرى من حيث المساحة والسكان، وتضم العديد من الثكنات العسكرية وقيادات القوى العسكرية في المنطقة ولقد قام المجلس بدور محوري في حل العديد من الإشكاليات التي نشأت في العاصمة طرابلس، وكان أبرزها النزاع الأخير بين قوة الردع التابعة للمجلس الرئاسي وآمرها عبد الرؤوف كارة، وقوة “الأربعات” التابعة لرئاسة الأركان وآمرها محمود حمزة.
وتعتبر هاتان القوتان من أبرز القوى العسكرية في طرابلس الكبرى، وينتمي أغلب عناصرها وقياداتها إلى منطقة سوق الجمعة والنواحي الأربع. وقد نجح المجلس في حقن الدماء وتسوية النزاع، في وقت فشلت فيه حكومة الوحدة في طرابلس في التدخل وحل المشكلة. وفي خطوة جديدة تحسب له، قام المجلس الاجتماعي بزيارة رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في بنغازي، وهي خطوة لاقت ترحيباً واسعاً وتقديراً كبيراً لدى العديد من الأطراف، بينما أثارت استهجان ورفض بعض القوى السياسية التي تتبع تيارات رافضة للحل السلمي والمصالحة بين كل الليبيين.
ورغم هذه الانتقادات، تمسك المجلس الاجتماعي بمبدأ المصالحة الوطنية، وعزز موقفه ببيان يؤكد التزامه بالحوار وإعادة الثقة بين الليبيين، مُبرزاً دوره في دفع عملية المصالحة قدماً وأن مصلحة ليبيا فوق الجميع.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس