ماذا حمل العام 2018 للمشهد الاقتصادي من أحداث؟.. وكيف كان تأثير هذه الأحداث على المشهد المضطرب منذ سنوات؟ سؤالان هامان في القراءة الاقتصادية لحصاد ليبيا في العام 2018، التي شهدت تطورات هامة على الصعيد الاقتصادي والمالي، وسط ما تمر به البلاد من تطورات سياسية وأمنية بشكل شبه يومي.
ففي الوقت الذي سجل فيه النفط الليبي عائدات قياسية، بمستوى إنتاج يقارب المليون برميل يوميا، لم يسلم القطاع من اعتداءات على منشآته وحقوله، بل وصلت إلى حد الهجوم على مقر المؤسسة الوطنية للنفط، وكان آخرها توقف حقل الشرارة النفطي عن الإنتاج في ديسمبر الجاري.
ورغم الفوضى الأمنية وتكرار الاعتداءات على المنشآت النفطية، إلا أن الارتفاع القياسي لعائدات النفط الليبي في العام 2018 كان علامة بارزة في هذا القطاع الذي يعد شريان حياة الليبيين.استقرار الإنتاج والتصدير مرهون بعودة الاستقرار وتوحيد المؤسسات السياسية والأمنية المنقسمة منذ سنوات.
وتعبر وكالة الطاقة الدولية عن مخاوف متكررة بشأن الاعتداءات التي تتعرض لها المنشآت النفطية وتأثير ذلك على مستويات الإنتاج العالمي وبالتزامن مع مستوى الطلبات في السوق العالمية ما ينتج عنها من ارتفاع في أسعار النفط عالميا.
ففي 14 يونيو الماضي، عاد رئيس جهاز حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران إلى واجهة المشهد، بعدما هاجم موقعين نفطيين في منطقة الهلال النفطي في شمال شرقي البلاد حيث يتم تصدير النفط إلى الخارج.
وفي 25 من يونيو، أعلن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر السيطرة الكاملة على هذه المنطقة بعد معارك استمرت نحو أسبوعين. وكلف المشير حفتر مؤسسة النفط في بنغازي بإدارة المنشآت النفطية، قبل أن يعود عن قراره.
وفي سبتمبر الماضي، شنت عناصر من تنظيم «داعش» هجوما على مبنى المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس، وأعلنت قوات الردع الخاصة الليبية أنها سيطرت على المؤسسة بعد احتلال مبناها من مجموعة من المسلحين.
وكأن العام 2018، أبى أن يغادر دون وقوع اضطراب جديد في صناعة النفط، ففي ديسمبر الجاري، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة على العمليات في حقل الشرارة بعد أن أوقفت مجموعة مسلحة – الكتيبة 30 وسرية الإسناد المدنية ـ الإنتاج قسرا.
وفي مقابل هذه التوترات الأمنية فإن إنتاج النفط الليبي يشهد ارتفاعات قياسية، إذ أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في 6 سبتمبر الماضي عن ارتفاع الإيرادات التي حققتها من مبيعات النفط والغاز خلال الأشهر السبعة الأولى من 2018 رغم أزمة خليج سرت وغيرها من التحديات التشغيلية الوطنية، وقالت إنها بلغت 13.6 مليار دولار وهو ما يعني ارتفاعا بواقع 600 مليون دولار عن إجمالي إيرادات العام 2017 والتي بلغت 13 مليار دولار.
وصعد الإنتاج النفطي في 2016 ليصل إلى 450 ألف برميل يوميا، وواصل الصعود في العام 2017 ليصل إلى 500 ألف برميل، ومن ثم 750 ألف برميل باليوم، وأخيرا وصل لقرابة 1.2 مليون برميل يوميا، في نوفمبر 2018.
الإنتاج الذي بلغ أعلى مستوى في خمس سنوات رفع من سقف طموحات المؤسسة لتعلن عن تطلعها لتحقيق عائدات بقيمة 23.7 مليار دولار آخر العام الجاري وزيادة إنتاج إلى أكثر من مليوني برميل يوميا بحلول العام 2022.
وكان رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله أعلن في أكتوبر الماضي أن ليبيا خسرت ما يزيد على 130 مليار دولار منذ العام 2013 حتى 2017 بسبب تراجع معدلات الإنتاج. ومنذ 2012 تراجع إنتاج ليبيا النفطي إلى نحو 200 ألف برميل يوميا هبوطا من أكثر من 1.6 مليون برميل يوميا.ارتفاع إيرادات النفط إلى 13.6 مليار دولار بزيادة 600 مليون دولار عن إيرادات العام 2017
ويقول تقرير صادر عن الشركة العربية للاستثمارات البترولية «أبيكورب»: إن النفط الليبي -الذي كان مكونا رئيسا من إمدادات العالم من النفط الخام عالي الجودة- أظهر أهميته في الأشهر الأخيرة.
واعتبرت «أبيكورب» أن «انتعاش الإنتاج خلال الفترة من شهر يونيو إلى أكتوبر 2018–مضاعفة الإنتاج تقريبا – جاء في لحظة مهمة للسوق العالمية»، مضيفة أن «ارتفاع إنتاج ليبيا جاء في لحظة مفيدة لأوبك أيضا، لأنها تحاول السيطرة على الأسعار المتصاعدة في الأشهر الأخيرة، وأن ليبيا استأنفت مشاركتها في المجموعة وجهودها لتحقيق الاستقرار في السوق العالمية».
وتكرر تصريحات صادرة عن المبعوث الأممي ضرورة ابتعاد قطاع النفط عن التجاذبات السياسية، إذ يقول المبعوث الأممي غسان سلامة «النفط ملك الليبيين جميعا، ولا يحق لأحد أن يتعرض لإنتاجه أو نقله أو تصديره»، ويضيف «نفط ليبيا ليس رهينة، ولا غنيمة، وهو ثروة وطنية ينبغي أن تبقى فوق المساومات والتجاذبات والصدامات، وفي الحزم مصلحة لليبيين وهيبة دولتهم». ووسط ما شهده القطاع من أحداث خلال العام، يبقى استقرار الإنتاج والتصدير مرهونا بعودة الاستقرار وتوحيد المؤسسات السياسية والأمنية المنقسمة منذ سنوات.