عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. في خطوة أعادت الأضواء إلى ملف الجرائم المرتكبة في ليبيا منذ 2011، قام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بزيارة إلى طرابلس، حيث التقى عدداً من المسؤولين الليبيين وفي مقدمتهم النائب العام الصديق الصور، متناولًا في إحاطته من طرابلس أمام مجلس الأمن أوضاع العدالة والمحاسبة في البلاد. الزيارة التي جاءت في وقت حساس، تثير تساؤلات عدة حول الدور الفعلي للمحكمة في تحقيق العدالة في ليبيا، في ظل تحديات قانونية وسياسية معقدة.
ويرى الحقوقي طارق لملوم في تصريح لـ”أفريقيا برس”، أن زيارة المدعي العام خطوة هامة في توجيه الأنظار إلى جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي استمرت في البلاد منذ 2011.
هذه الانتهاكات التي تحقق فيها المحكمة الجنائية الدولية ما زالت مستمرة حتى الآن”، يقول لملوم، مشيرًا إلى أن تلك الانتهاكات التي حدثت في فترة ما بعد 2011، قد تكون أبشع من الجرائم التي ارتكبت في بداية الثورة الليبية نفسها وبالرغم من أن ليبيا لم توقع على اتفاقية روما، فإن المحكمة الجنائية الدولية قد تم تكليفها بقرار من مجلس الأمن الدولي للتحقيق في تلك الجرائم.
وجود المحكمة في ليبيا، على الأقل للتحقيق وتوثيق الجرائم، يعد أمرًا ضروريًا، يضيف لملوم. ويُعد هذا التوجه بمثابة رسالة إلى الضحايا وعائلاتهم الذين ينتظرون العدالة، مؤكدًا أن تصريحات المدعي العام ودفعه بملف الجرائم إلى الأمام يُعد خطوة إيجابية.
التحديات أمام العدالة
لكن من جانب آخر، المحلل السياسي ناصر بوديب يرى أن هناك تحديات قانونية وسياسية ضخمة قد تقف أمام تنفيذ أي توصيات قد تخرج من هذه الزيارة في حديثه عن التعاون بين المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الليبي، يوضح بوديب أن ليبيا لم تصادق على اتفاق روما، مما يجعلها غير ملزمة قانونيًا بتسليم المطلوبين إلى المحكمة الدولية لكن، هذا لا يعني أن التعاون مستحيل؛ إذ هناك آليات متعددة يمكن من خلالها دعم القضاء المحلي مثل لجنة تقصي الحقائق، ولكن ذلك لن يصل إلى حد تسليم المتورطين للمحكمة.
التعاون بين ليبيا والمحكمة الجنائية الدولية
من ناحية أخرى، يشير المحلل السياسي ناصر بوديب في حديثه مع “أفريقيا برس”، إلى أن التعاون بين المدعي العام الليبي والمحكمة الجنائية الدولية أمر واقع، سواء عبر تسهيل الإجراءات اللوجستية مثل فتح السفارة الهولندية في طرابلس، أو من خلال توفير الأدلة والشهادات. “التعاون موجود بالفعل، لكن هذا التعاون يظل محدودًا بالقضاء المحلي الذي يصر على محاكمة المتورطين داخل ليبيا.
ماذا عن التحديات السياسية؟
بالنسبة للتحديات السياسية، يعتبر بوديب أن محكمة الجنايات الدولية قد تواجه ضغوطًا كبيرة من بعض الأطراف التي قد تستفيد من الوضع القائم المحكمة قد تواجه تحديات سياسية من قبل بعض الدول التي تؤوي المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية، مشيرًا إلى أن هذه الدول قد تستخدم مواقفها السياسية لتعقيد أي إجراءات قانونية ضد هؤلاء الأشخاص.
وفيما يتعلق بالحديث المتكرر عن تورط بعض الأطراف المحلية في الجرائم المرتكبة، يرى بوديب أن هناك محاولات لتحويل المحكمة الجنائية الدولية إلى أداة لتمرير رسائل سياسية ضد بعض الأطراف وغض النظر عن آخرين، أما الذي لم يتم ذكره بشكل محدد في إحاطات المدعي العام. “لم يتم ذكر سيف القذافي في الإحاطة، وهذا قد يكون تجنبًا لأسباب سياسية، وهو أمر لا يليق بالعدالة الدولية”، يقول بوديب.
إحاطة كريم خان خطوة إلى الأمام أم مجرد رسالة؟
وبالحديث عن الإحاطة التي قدمها كريم خان أمام مجلس الأمن، يرى طارق لملوم أن المحكمة الجنائية الدولية تأخرت كثيرًا في هذا الملف، منذ 2011 لم تحرز المحكمة أي تقدم ملموس في هذا الملف، ويضيف أن الإحاطة الأخيرة تعتبر خطوة إلى الأمام ولكنها غير كافية. صدرت مذكرات توقيف بحق عدد من المتورطين، ولكن التنفيذ يبقى معقدًا بسبب الانقسام الداخلي في ليبيا، والمواقف السياسية لبعض الدول يقول لملوم.
من جهته، يعتقد بوديب أن إحاطة كريم خان كانت متوقعة في سياق المحادثات الحالية، لكنه يلفت إلى أن الرسالة التي أراد المدعي العام إرسالها لم تكن واضحة تمامًا، خاصةً فيما يتعلق بعدم ذكر بعض الشخصيات الرئيسية مثل سيف الإسلام القذافي، والذي لا يزال يمارس تأثيرًا سياسيًا داخل ليبيا. كانت الزيارة تفتقر إلى الجرأة في طرح كل الملفات بشكل شفاف، يقول بوديب.
هل سنرى نتائج ملموسة؟
في ختام النقاش حول نتائج هذه الزيارة، يعتقد طارق لملوم أن الأمور قد تتطور بشكل أسرع إذا استمر التعاون بين النائب العام الليبي والمحكمة الجنائية الدولية. “إذا استمر هذا التعاون بهذه الوتيرة، نعتقد أن هذا الملف سيحرز تقدمًا كبيرًا في المستقبل القريب، يقول لملوم.
لكنه لا يخفى عليه أن التحديات لا تزال قائمة، في ما يتعلق بجلب المتهمين، خاصة أولئك الموجودين خارج ليبيا أو الذين يعيشون في دول لا تدعم المحكمة الجنائية الدولية.
في النهاية، يمكن القول إن زيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى طرابلس تمثل خطوة هامة نحو تعزيز العدالة في ليبيا، لكن تحقيق نتائج ملموسة في هذا الملف قد يستغرق وقتًا طويلاً. ورغم التحديات الكبيرة، فإن استمرار التعاون بين السلطات الليبية والمحكمة الجنائية الدولية يعد شرطًا أساسيًا للتقدم نحو تحقيق العدالة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس