أفريقيا برس – ليبيا. ظهرت بين اقتصاديين ليبيين دعوات جديدة تطالب بتحرير سعر صرف الدينار (التعويم)، مقابل العملات الأجنبية، وسط مخاوف من موجة غلاء تثقل كاهل المواطنين، في وقت تعاني فيه البلاد من «تفشي ظاهرة الفساد».
ولم ينقطع الحوار المجتمعي بين اقتصاديين ليبيين خلال الأيام الماضية حول جدوى وتداعيات تحرير سعر صرف الدينار، منذ أن كشفت أرقام مصرف ليبيا المركزي عن عجز في النقد الأجنبي، بلغ 5 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2025، إلى جانب اتساع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للدولار. (الدولار يعادل في السوق الرسمية 5.41 دينار، والموازية 7.84 دينار).
وكان من المتحمسين لتحرير كامل لسعر صرف الدينار رجل الأعمال الليبي حسني بي، الذي رأى أن «دعم الدولار هو استنزاف لموارد الدولة». في حين اقترح الخبير المالي عمران الشائبي «البدء في تعويم تحت سيطرة المصرف المركزي، من خلال مزادات شفافة، وحماية اجتماعية مؤقتة».
وعلى مدار سبع سنوات، فقدت العملة المحلية الليبية (الدينار) أكثر من 75 في المائة من قيمتها، بسبب دورات تخفيض العملة الوطنية، تحت بند ما يعرف بـ«ضريبة النقد الأجنبي»، وهو ما كان يلازمه ارتفاع في أسعار السلع الأساسية والخدمات.
وتزامن الجدل المتجدد بشأن «التعويم» مع ارتفاع أسعار الأسماك في أغسطس (آب) الماضي، حيث تجاوزت في بعض الأنواع نسبة 100في المائة، كما أن بيانات رسمية كشفت عن ارتفاع أسعار الدجاج بنسبة 21 في المائة مقارنة بشهر يوليو (تموز) الماضي.
وأمام الدعوات المطالبة بتحرير سعر الدولار، قال مصدر مسؤول بالمصرف لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا توجد أي نية لتعويم الدينار، وليس مطروحاً للنقاش في ظل استمرار هيكل الاقتصاد الليبي، المعتمد بشكل شبه كامل على مصدر وحيد للدخل، وهو النفط».
وفي أبريل (نيسان) الماضي، خفَّض مصرف ليبيا المركزي قيمة الدينار بنسبة 13.3 في المائة، في خطوة اقتصادية وصفتها السلطات بأنها ضرورية لحماية الاقتصاد من الانهيار.
من جهته، وصف عضو مجلس إدارة المصرف المركزي السابق، مراجع غيث، مجرد الحديث عن التعويم بـ«الانتحار الاقتصادي»، الذي «سيؤثر تأثيراً مباشراً على المواطن، وينغص معيشته بغلاء الأسعار في بلد يستورد 85 في المائة من احتياجاته الأساسية بالدولار»، وفق ما قال لـ«الشرق الأوسط».
بدوره، يرى المصرفي الليبي، إبراهيم والي، أن الاقتراح بتعويم العملة الوطنية قد ينعكس، في حال الاستجابة له، سلباً على المواطن بـ«آثار تضخمية أعمق». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إنه سيزيد تكاليف الاستيراد، مما يرفع من أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي، وهنا سيتأثر المواطن بشكل مباشر من ارتفاع الأسعار وتقلبات سعر الصرف، خصوصاً بالنسبة للذين يعتمدون على السلع المستوردة.
وتأسيساً على ذلك، فإنه من غير المستبعد أيضاً «اتساع الفجوة بين الطبقات، وانفجار الاحتجاجات»، وهي رؤية أستاذ الاقتصاد الليبي، يوسف يخلف مسعود، الذي يتوقع «انخفاض القيمة الحقيقية لرواتب المواطنين، ودخول شركات محلية في موجة إفلاس بسبب اعتمادها على واردات باهظة الثمن».
وفي بلد تسجل فيه «مؤشرات الفساد» أرقاماً مقلقة، حسب تصنيفات عالمية، يذهب غيث إلى الاعتقاد بأن التعويم في ظل الانقسام السياسي، الذي تعيشه ليبيا، سيتحول إلى «بوابة خلفية لتمويل الاقتصاد الأسود، مثل تجارة المخدرات والاتجار بالبشر وتجارة الأعضاء».
وعبَّر مسعود عن خشيته من أن يكون «تحرير سعر الصرف هدفاً خفياً لتحقيق أرباح خيالية من المضاربة بفارق التعويم».
ورغم الآراء الرافضة لتحرير سعر العملة الوطنية، فإن حسني بي يتمسك برأيه، الذي يدافع عنه منذ سنوات، والذي ينطلق من أن الحكومة «ليست بحاجة إلى دعم العملة المحلية، وهي تدخل عائداتها النفطية 100 مليون دولار يومياً».
في سياق ذلك، يعدد المستشار السابق بالمصرف المركزي، محمد أبوسنينة، متطلبات أي تحرك مستقبلي بشأن تغيير سعر الصرف، من بينها «ضرورة وجود حكومة موحدة تدير المشهد في أنحاء البلاد». ومن بين الشروط الأساسية لـ«التعويم» أيضاً أن «يكون الإنفاق العام وفقاً لميزانية في حدود الموارد المتاحة، ودون تمويل بالعجز، إلى جانب سياسة تجارية متوافقة مع أهداف سياسة استقرار سعر صرف الدينار»، حسب أبوسنينة.
وإلى حين الوفاء بالشروط السابقة، «يظل نظام تثبيت سعر الصرف الثابت هو الأنسب لليبيا إلى أن يتم تنويع الاقتصاد والصادرات»، وفق رؤية الخبير الاقتصادي عطية الفيتوري.
وعلاوة على ما احتوته تقارير الأجهزة الرقابية على مدار السنوات السابقة من تفشي «الفساد والتجاوزات» المالية، فقد احتلت ليبيا المرتبة الـ173 من أصل 180 دولة في الترتيب العالمي لمؤشر الفساد لعام 2024، الصادر عن «منظمة الشفافية الدولية».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس