الرئيس الموريتاني يحذر من شائعات حول انقسامات

1
الرئيس الموريتاني يحذر من شائعات حول انقسامات
الرئيس الموريتاني يحذر من شائعات حول انقسامات

أفريقيا برس – موريتانيا. في أول إطلالة إعلامية صريحة له منذ توليه السلطة، مختلفة عن سابقاتها، وجّه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني من مقاطعة تمبدغة شرق البلاد، رسالةً مزدوجة المعاني: ظاهرُها دعوة إلى حوار وطني حول مستقبل النظام الديمقراطي، وباطنُها تحذير صارم لمن يتعجلون الحديث عن انتخابات لن يحين موعدها إلا بعد أربع سنوات.

ودعا الرئيس محمد ولد الغزواني الطبقة السياسية إلى العمل على تعزيز الحكامة السياسية في البلاد، والاستمرار في تطوير النظام الديمقراطي، مؤكداً على «ضرورة التساؤل عن أدوار المؤسسات الدستورية الحالية وجدوائيتها، كالبرلمان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الفتوى والمظالم، وما إذا كانت هذه الهيئات الدستورية تؤدي أدوارها كما يجب.

وقال «إنه ينبغي أن يكون لدى النخب السياسية والثقافية الموريتانية ما يشغلهم، وما يناقشونه ويتحاورون حوله غير الشائعات والتنابز والتهويل والتشنيع».

وشدد ولد الغزواني على «ضرورة أن يكون الحوار الجاري التحضير له الآن فرصة لتلاقح الأفكار والتوصل لتفاهمات مفيدة للبلد حول أهم القضايا المطروحة»، مردفاً أن «ما يمكن أن يضمنه هو أنه سينفذ ما يتم التوافق عليه في الحوار».

وأضاف ولد الغزواني «أنه من المطلوب أن يتناقش الموريتانيون وأن يتحاوروا حول النظام الديمقراطي في البلاد، وحول المؤسسات الدستورية الحالية، وحول المنظومة الانتخابية في البلاد».

وتساءل ولد الغزواني قائلا: «هل منظومتنا الانتخابية الحالية تضمن انتخابات شفافة ونزيهة وذات مصداقية؟ وما هي التحسينات التي يجب أن نجريها عليها من أجل تكون في هذه المواصفات؟».

وخلال حديثه أمام أطر ووجهاء مقاطعة تمبدغه شرق البلاد، طرح الرئيس مجموعة من التساؤلات الجوهرية حول منظومة العمل السياسي والدستوري في البلد، بما في ذلك الانتخابات الشفافة والنزيهة، وإمكانية تحسين المنظومة الانتخابية لضمان مصداقيتها.

وعبر ولد الغزواني عن يقينه بأن «الهدف من كل الشائعات المتعلقة بالخلافات أو الانقسامات داخل نظامه أو بالترشح لانتخابات 2029 هو إضعاف انسجام الشعب ووحدته، ولفت الانتباه عما وصفها بالإنجازات التي تحققت وكانت مفيدة لتنمية البلد، وشغلهم وشغل الرأي العام بنقاشات جانبية لا جدوى لها، بل هي مضيعة للوقت»، حسب قوله.

وبشكل سريع، تحول خطاب الرئيس الغزواني الذي بدا في ظاهره سياسيًا تنمويًا، إلى منبر مفتوح للنقاش حول أسس الحكم وأداء المؤسسات الدستورية.

وقد فتح هذه الأسئلة الباب أمام مراجعة محتملة لبنية النظام السياسي الموريتاني ذاته، في وقتٍ يتهيأ فيه البلد لحوارٍ وطنيٍّ شاملٍ دعا إليه الرئيس شخصيًا، متعهدًا بتنفيذ ما سيتم التوافق عليه دون تردد.

لكن الجزء الأكثر حساسية في الخطاب جاء حين كسر الرئيس حاجز الصمت تجاه ما راج مؤخرًا من شائعات عن انقسامات داخل النظام، وعن ترشيحات مبكرة لانتخابات 2029.

فقد أعلن الرئيس الغزواني بوضوح غير معتاد، أن «من يفكر بهذا المنطق لن يحقق هدفه معنا أبدًا، ومن لديه أنصار أو أصدقاء يطمعون له في ذلك، فإنهم يضرونه الآن ويضرونه غدًا.»

وحرص الرئيس الغزواني المعروف بصمته، على تمرير رسالة قاطعة لا لبس فيها موجهة إلى الداخل أكثر مما وجّهها إلى الخارج، وكأنها موجهة لمن يحاولون اختبار تماسك النظام من الداخل أو قياس مسافة الولاء بين دوائر الحكم.

فمن الواضح أن الرئيس أراد أن يقطع الطريق على أي حديث مبكر عن خلافته أو الترشحات للرئاسة، وأن يؤكد أن الوقت مخصص للحكم لا للسباق إلى الحكم.

لكنه في المقابل، فتح الباب واسعًا أمام مراجعة مؤسسات الدولة، وطرح أسئلة عن الإصلاح الدستوري والسياسي، ما جعل المراقبين يتساءلون: كيف يمكن أن يُعتبر الحديث عن المستقبل تبديدًا للوقت، بينما الحديث عن النظام السياسي نفسه يُطرح بهذا العمق وفي هذا التوقيت؟

وفي قراءة لتصريحات الغزواني، كتب المدون والسياسي المعارض سيدي أكماش، المقيم في الولايات المتحدة، تدوينة مطوّلة وصف فيها حديث الرئيس بأنه «صفحة تُقرأ سطورها مرتين: مرة بما قاله، ومرة بما أراد للسامعين ألا يغفلوه».

وقال أكماش إن الرئيس حين رفع نبرته محذرًا من الحديث عن انتخابات 2029، لم يكن يخاطب عامة الناس الذين يدركون أن لكل وقت حديثه، بل كان يوجّه رسالته إلى «رفاق السلطة أنفسهم»، في إشارة إلى بعض المقربين الذين بدأت، حسب تعبيره، «بوادر الطموح تتسرب من خطواتهم».

وأضاف أن قول الرئيس «لن يحقق هدفه معنا أبدًا» لم يكن جملة عرضية، بل «صفعة سياسية صريحة لا يوجّهها رئيس إلا حين يشعر بأن الأرض تحت قدميه بدأت تسمع همسًا لا يريد له أن يغدو صوتًا».

واعتبر أكماش أن الخطاب انتقل من التحذير إلى «أوسع أبواب الحكم»، أي باب الدستور، وهو الباب الذي، بحسب وصفه، «لا يُطرق إلا في لحظات القوة، حين تكون كفة السلطة راجحة بما يكفي لتعيد ترتيب المائدة كما تشاء».

وأشار أكماش إلى أن «تساؤلات الرئيس حول الغرفة التشريعية الواحدة، ومجلس الشيوخ، والمجالس الجهوية، والمجالس الدستورية الأخرى، ليست مجرد تمرين فكري، بل علامة على نية لإعادة رسم خريطة الحكم في وقت ما تزال فيه قبضة السلطة محكمة، وريحها مواتية».

وتابع المعارض الموريتاني قائلاً: «إن هذه الإشارات تفتح الباب أمام تساؤل أكبر يتداوله المراقبون: هل يمثل هذا الانفتاح المفاجئ على ملف الدستور خطوة مبكرة نحو تغييرات جوهرية خلال السنة الأولى من المأمورية الثانية، في مرحلة القوة السياسية، بدل انتظار السنوات الأخيرة حين تتغير موازين القوى؟».

وأكد أكماش أن من اعتاد قراءة السياسة يدرك أن «المراجعات الدستورية، إن وُجدت، تُطرح حين تكون يد السلطة أقوى، لا حين تتقاطع الطرق وتتعدد الأصوات».

«كيف يُقال للناس إن الحديث عن المستقبل تبديد للوقت، بينما يُفتح أمامهم أوسع حديثٍ عن الدستور نفسه؟ كيف يُمنع السؤال الصغير ويُسمح بالسؤال الكبير؟».

وفي تعليق آخر على تصريحات الغزواني، أكد النائب المعارض محمد ولد سيدي مولود، أن «أكبر دليل على وجود خلافات داخل النظام هو تصريحات الرئيس الليلة»، مضيفاً قوله: «وإلا فأين هي الجهة السياسية المعروفة التي ناقشت ترشحات 2029 أو اتهمت النظام علناً بهذا المشكل؟ الواضح أن هذا الإشكال كبُر حتى استدعى تدخل الرئيس، إذ لم تغنِ بيانات الوزراء وتبرؤهم وتوبتهم قبل فترة».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس