“شراكة الهجرة 2025: تغيير خارطة العبور لإسبانيا”

1
"شراكة الهجرة 2025: تغيير خارطة العبور لإسبانيا"

أفريقيا برس – موريتانيا. أصبحت موريتانيا خلال عام 2025 المركز الرئيسي للتحولات التي شهدها ملف الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، حيث وضعتها “اتفاقية الشراكة” مع الاتحاد الأوروبي في صدارة المشهد الأمني والإنساني. وبينما نجحت المقاربة الأمنية التي انتهجتها نواكشوط في خفض معدلات التدفق بشكل كبير، إلا أن هذا الدور المحوري جعلها في مواجهة تحديات مزدوجة تتعلق بضبط شواطئها الطويلة من جهة، والتعامل مع التبعات الإنسانية والمسارات البديلة التي بدأ المهاجرون في اتخاذها هرباً من الرقابة المشددة من جهة أخرى.

تشديد الرقابة.. تراجع في الأعداد وتغيير للمسارات

تشير البيانات الرسمية لوزارة الداخلية الإسبانية إلى انخفاض حاد في عدد الوافدين، حيث سجل عام 2025 وصول نحو 36 ألف مهاجر، مقارنة بأكثر من 60 ألفاً في عام 2024. هذا التراجع بنسبة تقارب 40%، يعزوه المراقبون بشكل مباشر إلى تشديد الرقابة الحدودية في نقاط الانطلاق الرئيسية، وعلى رأسها الشواطئ الموريتانية التي أصبحت “حجر الزاوية” في استراتيجية المنع الأوروبية.

وكانت موريتانيا قد وقعت في عام 2024 اتفاقية شراكة جديدة مع الاتحاد الأوروبي، حصلت بموجبها على دعم مالي قدره 210 ملايين يورو، خُصص لتعزيز قدرات خفر السواحل وضبط الحدود البرية والبحرية. هذا الدعم حول نواكشوط إلى شريك استراتيجي في كبح تدفقات المهاجرين، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الأرقام المسجلة خلال هذا العام.

وتعمل نواكشوط ومدريد منذ سنوات على تعزيز التنسيق الميداني في مراقبة السواحل ومكافحة شبكات التهريب، إلى جانب دعم مشاريع تنموية في المناطق المتأثرة بالهجرة، بهدف معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة وتعزيز فرص التنمية المحلية.

بين الأمن والحقوق.. جدل حول سياسات الهجرة

خلال العام، واجهت المقاربة الأمنية تحديات حقوقية؛ حيث برزت تقارير دولية تتهم السلطات الموريتانية بـ “التشدد” في التعامل مع المهاجرين العابرين من جنسيات أفريقية.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر شهر أغسطس الماضي، إن قوات الأمن الموريتانية ارتكبت خلال السنوات الخمس الماضية “انتهاكات جسيمة” لحقوق مهاجرين وطالبي لجوء، من بينها التعذيب والاغتصاب.

وقالت المنظمة غير الحكومية إن القمع وانتهاكات الحقوق “تفاقمت بسبب استمرار الاتحاد الأوروبي وإسبانيا في إسناد إدارة الهجرة إلى موريتانيا بأساليب شملت دعم سلطات ضبط الحدود والهجرة”.

ووثق التقرير المؤلف من 142 صفحة انتهاكات ارتكبتها الشرطة الموريتانية وخفر السواحل والبحرية والدرك والجيش، أثناء مراقبة الحدود والهجرة، بين العام 2020 وأوائل العام 2025.

وأفاد التقرير بأن معظم الضحايا “من غرب إفريقيا ووسطها”، موضحا أنهم “كانوا يحاولون غالبا مغادرة البلاد أو العبور منها”.

ووفق التقرير، فإن هذه الانتهاكات تشمل “التعذيب والاغتصاب والتحرش الجنسي والاعتقال والاحتجاز التعسفي وظروف الاحتجاز غير الإنسانية والمعاملة العنصرية والابتزاز والسرقة والطرد التعسفي والجماعي”.

وفي ذات السياق أكدت النائب في البرلمان الموريتاني كادياتا مالك جالو، أنها لاحظت “خروقات في حقوق المهاجرين غير النظاميين” خلال زيارات قامت بها لعدد من مفوضيات الشرطة، داعية إلى تسوية أوضاعهم القانونية وفق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها موريتانيا.

وفي خضم الجدل الدائر حول الهجرة، أكد الفريق البرلماني المكلّف بالهجرة واللاجئين، أنه وقف على ظروف الاحتجاز داخل المراكز، مؤكدا أنها تتوفر على خدمات الرعاية الصحية من خلال أطباء دائمين يشرفون على متابعة أوضاع النزلاء.

وأشاد بجهود السلطات الأمنية في التعامل مع ملف الهجرة، داعياً المواطنين إلى التعاون في حماية السيادة الوطنية والتصدي لمحاولات الالتفاف على القوانين المنظمة للإقامة والدخول.

من جهتها نفت وزارة الداخلية الموريتانية الاتهامات، مؤكدة أنها عملت على تفكيك “شبكات تهريب واتجار بالبشر وأحالت أفرادها إلى العدالة، وأحبطت مئات المحاولات للهجرة غير النظامية”.

وأضافت الوزارة أن خفر السواحل الموريتاني “أنقذ آلاف المهاجرين من الموت في عرض البحر، بينما دفنت السلطات نحو 900 جثة لفظها المحيط”.

محكمة مختصة في قضايا الهجرة

دشنت موريتانيا في فبراير الماضي محكمة جديدة مختصة بقضايا الهجرة، في إطار استراتيجية وطنية لمحاربة الهجرة غير النظامية، وينص القانون المنظم للهجرة ومكافحتها على “عقوبات بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين لكل من استخدم وثائق مزورة، أو حصل عليها بهوية زائفة أو بيانات حالة مدنية مزيّفة، وكذلك لمن زوّر تأشيرات قنصلية، أو ضمانات كاذبة أو عقود عمل زائفة أو بطاقات هوية أجنبية مزورة”.

ويتضمن القانون إمكانية إبعاد الأجانب المخالفين للتشريعات الموريتانية الخاصة بالهجرة والإقامة، وحظر دخولهم لفترة تتراوح بين سنة و10 سنوات، حسب تقدير السلطات المعنية.

كما يفرض غرامات مالية تصل إلى 5 ملايين أوقية قديمة (نحو 13 ألف دولار أميركي)، وعقوبات بالسجن تتراوح من شهرين إلى 6 أشهر على من يدخل البلاد خارج المعابر الرسمية، أو يقيم فيها بطرق مخالفة للقوانين.

وكان آخر هذه الخطوات ايضا مصادقة الحكومة، شهر إبريل الماضي على مشروع قانون يتعلق بحماية الضحايا وأسرهم والشهود في قضايا الاتجار بالبشر.

وقالت الحكومة إن هذا النص سيمكن من وضع آليات للحماية والمساعدة لفائدة ضحايا الاتجار بالأشخاص، وأسرهم، والشهود، وأعوان القضاء، والمخبرين السريين، والمبلّغين.

ويشمل مشروع القانون حماية جسدية ونفسية وقانونية، إضافة إلى المساعدة القضائية، والحصانة من المتابعة، وسرية المرافعات، والحق في عدم الكشف عن هوية الضحية، فضلاً عن حماية الأطفال من قبل القطاع المكلف بالشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة.

انخفاض في الوفيات خلال 2025

رغم انخفاض إجمالي الوفيات، إلا أن التقارير الحقوقية تحذر من أن إغلاق المسارات القريبة دفع المهاجرين لسلوك طرق “أكثر طولاً وفتكاً”. ولا يزال طريق الأطلسي نحو جزر الكناري يتصدر قائمة المسارات الأكثر دموية بحصيلة بلغت 1906 قتلى، وسط ظهور مسارات جديدة تنطلق من غينيا وتقطع مسافات هائلة في عرض المحيط هرباً من الرقابة.

ينتهي عام 2025 وقد سجلت الحصيلة الإجمالية للوفيات 3090 ضحية، وهو رقم يمثل انخفاضاً كبيراً مقارنة بالعام الماضي الذي شهد تسجيل 10457 حالة وفاة. ورغم هذا التراجع العددي، إلا أن العام شهد اختفاء نحو 70 قارباً دون أثر، مما يبقي ملف الهجرة جرحاً مفتوحاً يتأرجح بين ضغوط التمويل الأوروبي وواقع الأزمات المستمرة في القارة السمراء، في ظل خارطة جديدة جعلت من “المغامرة” أكبر مخاطرة.

ومع دخول العام الجديد، يبقى السؤال المطروح حول مدى استدامة هذه المقاربة الأمنية أمام ضغوط الهجرة المتزايدة من دول الساحل التي تشهد اضطرابات أمنية وسياسية مستمرة.