الحوار السياسي في موريتانيا: مقاربة تشاركية وانتقادات المعارضة

5
الحوار السياسي في موريتانيا: مقاربة تشاركية وانتقادات المعارضة
الحوار السياسي في موريتانيا: مقاربة تشاركية وانتقادات المعارضة

أفريقيا برس – موريتانيا. بعد حالة الجمود المخيمة على المشهد السياسي الموريتاني منذ إعلان الرئيس الغزواني عن إطلاق الحوار السياسي الشامل، حركت تصريحات أدلى بها أمس موسى أفال، المنسق العام للحوار، الساحة إزاء هذا الاستحقاق السياسي المثير للجدل.

فقد أعلن المنسق العام في أول تصريحات يدلي بها للصحافة عما سماها «خطوات تمهيدية يجري العمل عليها من أجل إعداد خارطة طريق توافقية، عبر التشاور مع التشكيلات السياسية والشخصيات المعنية، في أفق بلورة ملخص أولي يعرض على الأطراف المعنية لإبداء ملاحظاتهم».

وأكد أفال «على اعتماد مقاربة تشاركية ومستقلة، مشيرًا إلى أن عملية التحضير للحوار تجري خارج الإشراف الحكومي المباشر».

وأكد موسى أفال «على أن الجميع مطالب بالانخراط بجدية في هذا المسعى من أجل ضمان إنجاح الحوار، حيث ينعقد الأمل على أن يؤدي تنظيم حوار وطني على أسس سليمة إلى نتائج حاسمة لمستقبل البلاد»، وفق تعبيره.

وأكد المنسق العام للحوار الوطني «وجود معاونين محدودين لديه في المرحلة التمهيدية للحوار»، مردفاً «أنه حين يتم الشروع في الحوار وفي حال الاحتياج لعدد أكبر من المساعدين، فسيتم اكتتاب آخرين بناء على معايير معلنة وواضحة».

وأشار «إلى أن المرحلة الحالية لا تتطلب إمكانيات مادية ولا هيكلة إدارية، وحين يتم الشروع فيه سيتم ترتيب تلك المتطلبات وفق مسطرة واضحة».

وشهدت موريتانيا في الأسابيع الأخيرة حراكًا سياسيًا متسارعًا في ظل التحضير لإطلاق حوار وطني جديد، تأمل السلطة أن يكون شاملاً ومثمرًا، بينما تقابله أطراف من المعارضة بقدر كبير من التشكيك والريبة، معتبرة أنه مجرد محاولة جديدة لـ»استهلاك الوقت» وتلميع صورة النظام.

ومن أبرز الأصوات المعارضة التي شككت في جدية هذا المسار، تعليقات لبيرام الداه أعبيد، المرشح الرئاسي السابق والمعارض البارز، على تصريحات المنسق العام للحوار، فقد اعتبر ولد الداه «أن الحوار بالشكل الحالي لا ينطلق من اعتراف بوجود أزمة سياسية حقيقية، بل هو مجرد استعراض شكلي».

وشن ولد اعبيد هجومًا لاذعًا على ما وصفه بـ»المجموعات المجهرية» التي يتم إشراكها في النقاش، مؤكدًا «أن السلطة تسعى إلى تمييع العملية السياسية وتوظيف عامل الوقت لإرهاق الأطراف السياسية وتمرير أجندتها تحت مسمى الحوار».

كما يبرز ضمن انتقادات المعارضة ما تصفه بانعدام بيئة مناسبة للحوار، في ظل تزايد الاعتقالات السياسية، والانتهاكات، وغياب أي إصلاحات حقيقية في القوانين ذات العلاقة بالحريات، وعلى رأسها «قانون الرموز»، الذي ترى فيه المعارضة انتكاسة دستورية ووسيلة لإسكات الأصوات الحرة.

ومن جهة أخرى، يرى مراقبو هذا الشأن «أن الحوار، إن كان يُراد له أن يتم بشكل جاد، فإنه لا بد أن يلامس جذور التحديات البنيوية التي تواجه موريتانيا».

وأكد الإعلامي البارز محمد محمود ولد بكار في تحليلات له على موقع «الفكر» الإعلامي «أن موريتانيا ما تزال تفتقر لمؤسسات قوية قادرة على إدارة الدولة، كما أنها لم تنجح بعد في تثمين مقدراتها الاقتصادية ولا في بناء الإنسان الوطني المؤهل».

ويؤكد ولد بكار «أن موريتانيا تواجه اليوم تهديدات إقليمية وداخلية متزايدة، من بينها موقعها الهش في خريطة الصراعات بين القوى الكبرى، وعلاقاتها المعقدة مع الجيران، إضافة إلى هشاشة بنيتها السياسية والاجتماعية، ما يجعل من الحوار الوطني ضرورة قصوى وليس ترفًا سياسيًا».

ويرى قادة المعارضة «أن أي حوار جاد يجب أن ينطلق من أساسين: هما الاعتراف بالأزمة، وتحديد الأطراف الحقيقية التي تمثل المكونات السياسية والمجتمعية الفاعلة.

وتطالب المعارضة بأن لا يكون الحوار وسيلة لشرعنة النظام، بل أداة لتصحيح المسار، في حين يرى النظام «أنه يسعى لخلق مساحة إجماع مشتركة للنقاش، وأنه لا يحتاج بعد الفوز الذي حققه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لأية شرعنة».

وأطلق الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني فكرة الحوار الوطني في العاشر مارس/ آذار الماضي، معلنًا في إفطار جمع له أطراف المشهد السياسي الموريتاني، استعداده لفتح باب النقاش السياسي الشامل دون إقصاء.

وقد تم تقديم هذه المبادرة بوصفها «انفتاحًا على كافة القوى الوطنية من أجل بناء توافق سياسي يعزز الوحدة الوطنية ويخدم الاستقرار الديمقراطي».

وعقب إعلان الغزواني، أبدت بعض الأحزاب السياسية انفتاحًا مشروطًا على الحوار، مشترطة أن يكون «جادًا وشفافًا وشاملًا»، بينما اعتبرته قوى معارضة راديكالية مجرد وسيلة لكسب الوقت».

وكان بيرام الداه أعبيد، أبرز منتقدي هذا لحوار حيث طالب بأن يكون الرئيس نفسه هو من يحدد المعايير والضمانات لا أن تُفوض المهمة إلى منسق «بلا صلاحيات حقيقية»، مشددًا «على أن الحوار لا يمكن أن يُبنى على الشفقة أو المجاملة، بل يجب أن يعترف أولًا بوجود أزمة سياسية وديمقراطية تتطلب توافقًا حقيقيًا».

كما تحفظت أطراف أخرى على تركيبة المشاركين وطبيعة الجهات المدعوة، متهمة السلطة باختيار «مجموعات صورية» للمشاركة، بهدف تمييع المسار وتجنب التفاوض مع الفاعلين السياسيين الحقيقيين.

وفي المقابل، حاولت الحكومة الإيحاء بأن العملية جارية بهدوء وأنها تعتمد على «مقاربة توافقية»، وعين الرئيس الغزواني السياسي المخضرم موسى أفال لتنسيق جهود التحضير للحوار، في خطوة اعتبرتها المعارضة دليلًا على أن السلطة لا تريد تحميل نفسها المسؤولية المباشرة عن مسار قد يفشل.

وتباينت مواقف أحزاب المعارضة التقليدية إزاء إعلان الحوار، خصوصًا «تكتل القوى الديمقراطية» و»اتحاد قوى التقدم».

ورغم الترحيب الحذر الذي أبدته هذه التشكيلات في البداية، إلا أنها عبّرت عن تخوفاتها من تكرار سيناريوهات الحوارات السابقة، التي اتسمت، بحسب وصفها، بـ»الانتقائية وتوزيع الامتيازات دون معالجة جوهرية للأزمات الوطنية».

وقد شدد قادة هذين الحزبين على ضرورة تحديد أهداف ومنهجية الحوار بشكل شفاف، مؤكدين أنه لا يمكن الدخول في حوار جاد دون ضمانات حقيقية بعدم التلاعب بالعملية لصالح الأغلبية أو استخدامها كأداة تسويقية للنظام.

أما حزب «تواصل»، ذو المرجعية الإسلامية، وهو أبرز أحزاب المعارضة، فقد أبدى ترحيبه بمبدأ الحوار، معلنًا أن قبوله بالمشاركة مشروطٌ بوجود جدول أعمال واضح، وآلية تنظيمية مستقلة، وضمانات باحترام مخرجات الحوار، مؤكدًا أن الحوار لا يجب أن يكون مجرد منصة لتسكين الأزمات أو توزيع الترضيات.

وطالب «تواصل» بأن يتناول الحوار قضايا جوهرية، مثل: إصلاح النظام الانتخابي، وتعزيز الحريات، واستقلال القضاء، ومحاربة الفساد، ومراجعة قوانين تقييد حرية التعبير وعلى رأسها «قانون الرموز».

كما دعا إلى إشراك كافة الأطراف السياسية والمدنية ذات الوزن، بدل الاكتفاء بمجموعة منتقاة لا تمثل التوازن السياسي والاجتماعي في البلاد.

وجاء اختيار موسى أفال منسقًا عامًا للحوار ليثير تساؤلات إضافية: فالرجل، المعروف بقربه من دوائر القرار منذ عقود، يوصف بأنه شخصية «هادئة» و»مُسالمة»، وهو ما رآه البعض محاولة من السلطة لتفادي الشخصيات القوية أو ذات الحضور الصدامي، التي يمكن أن تتبنى مواقف ضاغطة داخل العملية التفاوضية.

وبناء على هذه المؤشرات، فإن مستقبل الحوار الوطني في موريتانيا سيظل مرهونًا بإرادة النظام في تحويل المبادرة إلى مسار مؤسسي جاد، يتجاوز حسابات التهدئة الظرفية نحو إصلاحات سياسية شاملة تعكس مطالب المواطنين والقوى الحية، لا مجرد ترتيبات لتدوير النخب أو ضمان استقرار مؤقت على حساب العمق الديمقراطي.

ويظل السؤال الحاسم: هل يمكن تحويل هذا الحوار إلى لحظة تأسيسية حقيقية تعالج أزمات موريتانيا العميقة؟ أم إنه سيكون مجرد فصل جديد من فصول المراوحة السياسية؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس