أفريقيا برس – موريتانيا. تعززت العلاقات الجزائرية- الموريتانية، بالتوقيع على اتفاق تعاون عسكري بين البلدين، بالتزامن مع تصاعد تحديات أمنية واستراتجية مشتركة على غرار، توسع نشاط الجماعات الجهادية، وتدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل، فضلا عن الحاجة الماسة لتأمين المشروعات والمصالح المشتركة والتبادل التجاري، ومحاربة الجريمة المنظمة.
وجاء الاتفاق الذي وقعه عن الجانب الجزائري، رئيس أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، ونظيره الموريتاني حننه ولد سيدي ولد حننه، وزير الدفاع الوطني وشؤون المتقاعدين وأولاد الشهداء الموريتاني، في مناخ جيوسياسي متوتر يحيط بالمنطقة، خاصة في ظل مؤشرات عن توسع دائرة المواجهات العسكرية بين جيوش حكومات المنطقة، والحركات السياسية والعسكرية المعارضة.
وتبادلت قيادتا المؤسستان العسكريتان في الجزائر وموريتانيا، الزيارات في الآونة الأخيرة، مما أفضى الى التوصل لابرام عقد تعاون عسكري نادر في المنطقة، الأمر الذي يعكس حرص القيادتين السياسيتين في البلدين، على مرافقة توسع التعاون في المجالات الأخرى، مع توفير آليات الأمن والدفاع لمواجهة التحديات القائمة.
وعقد مسؤولا الجيش في الجزائر وموريتانيا، لقاءات فردية، وموسعة بين ضابط سامين في المؤسستين العسكريتين، تم خلالها التطرق الى التطورات الأمنية في منطقة شمال إفريقيا والقارة الإفريقية، كما تبادلا وجهات النظر حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأكد الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة، على أن “الجزائر وموريتانيا، بحكم الروابط الجغرافية والتاريخية، والثقافية التي تجمعهما، يتقاسمان نفس الطموحات والتحديات، وأن التعاون بين البلدين يعد نموذجا يحتذى به في التعاون والتكامل بين الدول العربية والإفريقية”.
وشدد المتحدث على “الأهمية الإستراتيجية للعلاقات الجزائرية- الموريتانية، وعلى ضرورة تعزيز العمل المشترك بين البلدين، وفق رؤية متكاملة ترتكز على الحوار والتنسيق وتبادل الخبرات، لاسيما وأن التحديات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية التي تواجه المنطقة، تتطلب تعزيز العمل المشترك على كافة الأصعدة”.
وأفاد المحلل السياسي رفيق بوهلال، لـ “أفريقيا برس”، بأن “موريتانيا تعد من الدول القليلة في المنطقة، التي تربطها علاقات مميزة ومستمرة مع الجزائر، ولم تتأثر بالتجاذبات القائمة، حيث سمح التقارب بين البلدين الى إقامة البلدين لشراكة استراتجية يمثل فيها كل طرف بوابة للطرف الثاني، وامتدادا أمنيا وحدودا برية، يطمحان الى تطويرها عبر إقامة بنى تحتية للتبادل التجاري البرية ومنطقة تبادل حر”.
وأضاف: “التعاون العسكري والدفاعي بين البلدين، يترجم حرص قيادتا المؤسستين العسكريتين في الجزائر وموريتانيا، على استباق فرضيات الانزلاق الأمني في المنطقة، خاصة في ظل وصول شرارات المواجهات العسكرية في دولة مالي المجاورة الى تراب البلدين، حيث تتواصل ملاحقات الجيش المالي المدعوم من طرف مجموعة فاغنر الروسية للفصائل الأزوادية المسلحة، الى المسافة صفر مع الحدود الجزائرية، كما يكون مواطنون موريتانيون قد قضوا خلال الأشهر الأخيرة بسبب نيران نفس الجيش، في اطار ما يسميه بالحرب على الإرهاب”.
وتوسع مستوى التعاون الثنائي بين الجزائر وموريتانيا في السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما انعكس في الزيارة المتبادلة لرئيسي البلدين عبد المجيد تبون، ومحمد ولد الشيخ الغزواني، والمشاريع المشتركة على غرار بناء طريق بري يربط بين تيندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، على مسافة تقدر بنحو 800 كلم، ومعبر حدودي ومنطقة للتجارة الحرة.
وتحدثت تقارير جزائرية، على أن “التعاون العسكري بين الجزائر وموريتانيا، هو استشراف للتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها منطقة الساحل الأفريقي بشكل عام، والتهديدات القائمة ضد مصالح البلدين، ولا يمكن أن إخراجه عن سياقه الطبيعي باطلاق مزاعم حول توجيهها ضد طرف آخر”، في تلميح الى المغرب المتواجد في حالة قطيعة أحادية الجانب من طرف الجزائر.
وتحرص موريتانيا على الوقوف مسافة متساوية بين الجزائر والمغرب، وتحتفظ بعلاقات مميزة معهما، وتشدد في خطابها الرسمي على أنها “دولة مغاربية مستقلة وذات سيادة وتدرك حجمها ولا يمكنها أن تكون أداة في يد أي دولة إقليمية ضد أخرى.. وإذا كان المقصود بذلك أن تكون موريتانيا أداة جزائرية ضد المغرب، فهذا أمر غير وارد، كما لا يمكن أن تكون أداة في يد المغرب ضد الجزائر”.
ولا يستبعد المحلل السياسي كمال بوزيد، في تصريحه لـ “أفريقيا برس”، أن تكون “موريتانيا الى جانب روسيا، الوسيط المحتمل الموثوق لرأب الصدع الذي ضرب العلاقات الجزائرية- المالية، وعموم دول الساحل، خاصة بعد حادثة الطائرة المسيرة المالية التي أسقطها الجيش الجزائري مطلع الشهر الجاري بعد اختراقها المجال الجوي”.
ويستند في ذلك، الى كون “العلاقات الجزائرية- الموريتانية تعرف تقاربا لافتا خلال السنوات الأخيرة، فالى جانب المشاورات السياسية المستمرة، ابرام البلدان العديد من اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، وتم فتح معبر حدودي بين الطرفين لتسهيل التبادل التجاري وحركة الأفراد، فضلا عن اطلاق مشروع طريق سيار يريط تيندوف الجزائرية بالزويرات الموريتانية، وهو ما يعتبر منفذا هاما للجزائر الى أسواق افريقيا الغربية”.
ولفت الى أن “الشريط الحدودي المشترك بين البلدين البالغ 460 كلم، يطرح تحديات أمنية كبيرة للقيادتين العسكريتين، فعلاوة على الحركة الؤوبة لشبكات الهجرة السرية، تعتبر المنطقة فضاء مناسبا لتحرك ونشاط المجموعات المسلحة سواء جهادية أو عصابات تهريب واتجار في المواد المحظورة”.
وكانت الجزائر قد أدرجت المعبر الحدودي بين البلدين، ضمن شبكة المناطق الحرة التي تنوي فتحها مع دول الجوار، على غرار النيجر وليبيا وتونس، وقبلها مالي قبل أن تنقلب الأوضاع السياسية والأمنية في باماكو، وتأمل في تفعيل وتنظيم التبادل التجاري وامتصاص ظاهرة التهريب التي تنخر اقتصادات بلدان المنطقة، خاصة المواد الاستهلاكية المدعومة من طرف الخزينة العمومية.
وأدى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في شهر ديسمبر الماضي، زيارة الى موريتانيا، لحضور مؤتمر حول “التعليم وتشغيل الشباب”، كانت هي الخروج الأول له منذ انتخابه رئيسا للبلاد في سبتمبر الماضي للمرة الثانية على التوالي، كما أنها شكلت أول زيارة لرئيس جزائري لموريتانيا منذ 37 عاما، بعد تلك التي أداها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد العام 1987.
وأفاد بيان وزارة الدفاع الجزائرية، بأن الطرفين “بحثا التطورات الأمنية في أفريقيا ووقعا على اتفاق في مجال التعاون الدفاعي”، وإن لم يتم الإفصاح عن تفاصيل الاتفاق، فان معلومات سابقة تحدثت عن تخطيط البلدين، الى تنظيم إدارة ودوريات عسكرية مشتركة على الشريط الحدودي الرابط بينهما، تحسبا لتهديدات أو اختراقات إرهابية أو ناتجة عن الانفلات الأمني في مالي.
وأضاف: “الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الجزائري سعيد شنقريحة، بحث مع ولد حننه، التطورات الأمنية في منطقة شمال إفريقيا والقارة الإفريقية، وتبادلا وجهات النظر حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك والسبل الكفيلة بتعزيز علاقات التعاون العسكري بين البلدين الشقيقين”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس