جدل حول إضافة النواب لقانون الشفافية المالية بموريتانيا

4
جدل حول إضافة النواب لقانون الشفافية المالية بموريتانيا
جدل حول إضافة النواب لقانون الشفافية المالية بموريتانيا

أفريقيا برس – موريتانيا. أجل مؤتمر الرؤساء في الجمعية الوطنية الموريتانية لموعد غير مسمى وفي خطوة أثارت ردود فعل متباينة، مناقشة تعديلات مقترحة على قانون التصريح بالممتلكات، وذلك بعد تصاعد الجدل بشأن إدراج رئيس ونواب الجمعية الوطنية ضمن قائمة الشخصيات الملزمة بالكشف عن الممتلكات والمصالح.

ويأتي هذا التأجيل في ظل مطالب متكررة بتوسيع نطاق الشفافية وتعزيز آليات مكافحة الفساد في بلد لا تزال فيه مؤشرات الحوكمة محل انتقادات واسعة.

وكأداة محورية لضمان النزاهة في الحياة العامة، يلزم القانون الحالي كبار المسؤولين في الدولة من وزراء وقضاة ووُلاة ومديرين مركزيين بالتصريح بممتلكاتهم أمام لجنة الشفافية، لكنه لا يشمل رئيس ونواب الجمعية الوطنية.

وتسعى تعديلات جديدة اقترحها عدد من النواب، إلى توسيع دائرة المشمولين بهذا القانون لتشمل المشرّعين أنفسهم، في خطوة يعتبرها البعض تطورًا ضروريًا لترسيخ ثقافة المساءلة، بينما يراها آخرون محاولة لتوجيه الضغط السياسي بشكل انتقائي ضد نواب الموالاة الذين لا يريدون الكشف عن أملاكهم أمام الجميع.

واستثنت الحكومة النواب من الإلزام بالتصريح بالممتلكات والمصالح في مشروع القانون الذي أجازته منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، وتمت إحالته إلى البرلمان للمصادقة عليه مع بداية الدورة الحالية.

وخلت المادة الثالثة من مشروع القانون المذكور من ذكر النواب، فيما تضمنت قائمة طويلة تشمل من هم دونهم في المهام والرتبة البروتوكولية من الموظّفين والمنتخبين. وبدأت اللائحة بالرئيس، ورئيس الوزراء، وأعضاء الحكومة، ومن يماثلهم، فيما ضمت عدداً كبيراً من الموظفين، وكذا بقية المنتخبين من رؤساء جهات وعمد، إضافة للقضاة، والولاة والحكام، ومديري المشاريع العمومية، ومسؤولي جمعيات المجتمع المدني المستفيدين من الدعم العمومي.

ويرى مراقبون أن طريقة تعاطي البرلمان مع هذا الملف ستشكل اختبارًا لمدى استقلاليته، كما ستعكس حدود التوازن بين الدور الرقابي للمؤسسة التشريعية وحساسياتها الداخلية، في وقت تتزايد فيه الدعوات إلى إصلاحات شاملة في بنية الحكم وإعادة الثقة في المؤسسات العمومية.

وطالبت منظمة الشفافية الشاملة، وهي منظمة موريتانية غير حكومية تتصدر مشهد محاربة الفساد، كلاً من الحكومة والبرلمان «بإعادة إدراج رئيس الجمعية الوطنية ونواب الجمعية ضمن اللوائح الملزمة بالتصريح بالممتلكات»، مؤكدة «أنها اطلعت على النسخة الأصلية من مشروع القانون الذي صادقت عليه الحكومة، والتي تتضمن بوضوح رئيس الجمعية الوطنية ونوابها ضمن الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، غير «أننا، تضيف المنظمة، تفاجأنا بإسقاط هذين الطرفين من النسخة النهائية المقدمة للبرلمان، دون توضيحات قانونية أو مبررات موضوعية لهذا التعديل».

«إننا نؤكد أن هذا التراجع، تقول منظمة الشفافية، يمثل مساسًا بجوهر القانون، ويفتح الباب أمام الشكوك حول جدية الالتزام بمبادئ الشفافية والمساواة أمام القانون؛ فإذا كانت اللوائح الحالية تضم القضاة وأعضاء المجلس الدستوري؛ وهي أطراف أقل استغلالًا للنفوذ، فكيف يتم إعفاء جهات أخرى تتحكم في الحياة اليومية للمواطن، مثل نواب الشعب، أصحاب السلطة التشريعية والرقابية والنفوذ السياسي والتأثير المباشر على الحياة العامة». «وعليه، فإن منظمة الشفافية العامة تطالب بتوضيح رسمي وشفاف من الجهات المعنية حول أسباب شطب رئيس الجمعية الوطنية ونوابها من قوائم التصريح بالممتلكات، كما تطالب بتعديل النص الحالي لإلزام رئيس الجمعية الوطنية والنواب ومديري الشركات الوطنية (الشركة الوطنية للصناعة والمناجم، الشركة الوطنية للكهرباء، الشركة الوطنية للماء، الشركة الوطنية للتنمية الريفية، الشركة الوطنية للمحروقات، الشركة الوطنية لتسويق الأسماك… الخ) بالتصريح بممتلكاتهم، وإحالته فورًا إلى الجمعية الوطنية للمصادقة عليه».

وأكدت المنظمة «أن استثناء كل هذه الجهات من هذا الالتزام يُقوّض الجهود المبذولة ويُضعف ثقة المواطن، المهزوزة، في شعارات محاربة الفساد».

وكان التدخل الفني الأبرز في هذا الجدل المشتعل هو رأي الدكتور إدريس حرمة بابانا، أحد أبرز الخبراء القانونيين الموريتانيين، الذي أكد «وجود ضرورة ملحّة لإدراج نواب الجمعية الوطنية ضمن الفئات الملزمة بهذا التصريح»؛ مبرزاً «أن أهمية هذا الإجراء لا تكمن فقط في بعده المحلي المتعلق بالشفافية والحكامة، بل أيضًا في التزامات موريتانيا الدولية، التي تجعل من هذا الإجراء التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا لا مناص منه».

وقال: «موريتانيا دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (الأمر القانوني رقم 2006-018 الصادر بتاريخ 17 يوليو 20226) وكذلك في الاتفاقية الإفريقية لمنع ومكافحة الفساد (الأمر القانوني رقم 2006-019 الصادر بتاريخ 17 يوليو 20226)؛ وبموجب القواعد العامة للقانون الدولي وأحكام الدستور الموريتاني، فإن التصديق على مثل هذه الاتفاقيات يُكسبها قوة قانونية تعلو على القوانين الوطنية، لذا فإن أي مخالفة لمضامينها أو إخلال بتطبيقها يُعدّ خرقاً للدستور وقد يُعرّض البلاد لمساءلة دولية ويقوّض مصداقيتها في المحافل الأممية». وزاد: «كلتا الاتفاقيتين، الدولية والإفريقية، تنصان في المواد 2 و8 بالنسبة للأولى و1 و7 بالنسبة للثانية، على ضرورة إلزام المسؤولين العموميين، من برلمانيين وقضاة وإداريين، بالتصريح بممتلكاتهم في ثلاث محطات رئيسية، هي محطة ما قبل تولي المنصب، وأثناء مزاولة المهام، وعند انتهاء الخدمة»، مضيفاً «أن هذه النصوص لا تترك مجالًا للبس أو التأويل، بل تؤكد أن الشفافية المالية للمسؤولين التشريعيين ركن أساسي في الوقاية من تضارب المصالح والإثراء غير المشروع».

وعن التجارب الدولية في هذا المجال، قال الدكتور بابانا: «أغلب دول العالم، كأمريكا وفرنسا وألمانيا وكندا والبرازيل، وخصوصاً دول الجوار كالمغرب والجزائر والسنغال، تُلزم نوابها البرلمانيين بالتصريح بممتلكاتهم، إدراكًا منها بأن الشفافية ليست ترفًا قانونيًا، بل حجر زاوية في بناء ثقة المواطن بمؤسساته».

وقال: «هذا التصريح يتيح للمواطنين وللجهات الرقابية متابعة تطور الذمة المالية للمسؤولين، ويُشكل حاجزًا نفسيًا وقانونيًا أمام كل من تسوّل له نفسه استغلال المنصب لأغراض شخصية؛ والتصريح بالممتلكات لا يعني الاتهام المسبق، بل هو آلية وقائية تعزز الثقة وتحفز على الحكامة الجيدة. وإدراج النواب ضمن الملزمين لا يقلل من مكانتهم، بل يعزز مصداقيتهم ويؤكد احترامهم لمبدأ المساءلة أمام ناخبيهم، لذلك سيكون عدم إدراج النواب في قائمة الملزمين بالتصريح بالممتلكات خرقًا واضحًا لالتزامات موريتانيا الدولية، وتفريطًا في رافعة قانونية مهمة لحماية المال العام وتعزيز النزاهة».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس