أفريقيا برس – موريتانيا. في خطوة تعكس تفعيل القانون الجديد المنظم للأحزاب السياسية، سلّمت وزارة الداخلية الموريتانية أوصالاً مؤقتة لخمسة مشاريع أحزاب سياسية جديدة، وسط إشادة من بعض المراقبين بأنها بداية لإعادة هيكلة الحقل السياسي على أسس أكثر صرامة وشفافية.
غير أن هذه الخطوة لم تمرّ دون إثارة جدل، حيث عبّر النائب المعارض بيرام الداه اعبيد، زعيم حزب «الرگ» قيد التأسيس، عن احتجاجه على ما اعتبره «إقصاءً متعمداً» لحزبه وتأخير منحه الترخيص رغم تقدمه بالملف منذ فترة سابقة.
وسلمت وزارة الداخلية وترقية اللامركزية والتنمية المحلية، رئيس لجنة تكوين وتسيير منصة الأحزاب السياسية، صباح الثلاثاء 19 آب/ أغسطس، لممثلي بعض مشاريع الأحزاب السياسية، الأوصال المؤقتة المنصوص عليها في الأمر القانوني رقم 024-91 الصادر بتاريخ 25 تموز/ يوليو 1991، المتعلق بالأحزاب السياسية، والمعدَّل بموجب القانون الجديد رقم 2025-010 الصادر بتاريخ 24 شباط/ فبراير 2025.
وقد شمل القرار خمسة مشاريع سياسية هي: جبهة المواطنة والعدالة، وموريتانيا إلى الأمام، وحزب الخيار الآخر، وحزب صيانة المكتسبات الديمقراطية، وحزب نماء.
ويُعتبر تسليم هذه الأوصال خطوة أولى في المسار القانوني لتأسيس الأحزاب، حيث تتيح النصوص المنظمة للشأن الحزبي الموريتاني فترة دراسة وتحقيق وتحري حول مشروعية الحزب ومدى تطابقه مع مقتضيات القانون.
وتتم هذه العملية استناداً إلى المواد 7 و12 و13 و24 من الأمر القانوني المذكور، قبل البت في منح الوصل النهائي أو رفض الطلب.
وفي هذا السياق، كانت وزارة الداخلية قد أعلنت من قبل عن فتح منصة إلكترونية مخصَّصة لإيداع ملفات الأحزاب السياسية الساعية للترخيص.
ومن أبرز الشروط المستحدثة بموجب القانون الجديد، إلزام كل حزب بالحصول على تزكية خمسة آلاف شخص موزَّعين على ثماني ولايات على الأقل، بما يعكس طابعه الوطني ويحول دون الطابع الفئوي أو الجهوي في التأسيس.
ويأتي هذا التطور في إطار تطبيق القانون المعدِّل لقانون الأحزاب السياسية، الذي سعى من خلال مضامينه إلى تشديد معايير الترخيص عبر فرض شروط أوضح على المؤسسين من حيث العدد والتمثيل الجغرافي والنزاهة، وضمان شفافية الحياة السياسية من خلال إخضاع موارد الأحزاب ومصادر تمويلها للرقابة القانونية، إضافة إلى تجديد الحقل السياسي عبر منع تكرار الأسماء أو الشعارات وتلافي الطابع الفئوي أو الجهوي، فضلاً عن ترسيخ التعددية المسؤولة من خلال الحد من تكاثر الأحزاب الصورية أو غير الفاعلة وتشجيع اندماج المشاريع المتقاربة.
غير أن قرار تسليم الأوصال المؤقتة لخمسة أحزاب جديدة أثار جدلاً سياسياً واسعاً، خصوصاً بعد تأكيد النائب المعارض بيرام الداه اعبيد أن حزبه حزب «الرگ»، يواجه رفضاً غير معلن للترخيص بسبب ما تعتبره السلطات «البعد الطائفي لقيادته».
وفي تصريح ناري له أمس، اعتبر بيرام أن النظام الحاكم الذي يتوارث السلطة منذ عام 1978 «يحاول اليوم إعادة إنتاج نفس السياسات القديمة الهادفة إلى إقصاء المعارضة الحقيقية».
وقال: «هذا النظام جرّب عام 1992 الانفتاح على الديمقراطية، لكن عندما اشتد عود المعارضة، ممثلة آنذاك في حزب اتحاد الديمقراطية والعمل من أجل التغيير، قرر إغلاق الهامش الديمقراطي وحل الأحزاب التي يمكن أن تنافسه بجدية»، مضيفاً «أن النظام الحالي يواصل على نفس النهج عبر «تقييد التعددية، وتكسير القوانين، ومنح الترخيص فقط للأحزاب التي لا تشكل خطراً على بقاء السلطة».
وأشار بيرام إلى أن لحظة انفراج نسبي وقعت في عهد الرئيسين السابقين الرا اعلي ولد محمد فال وسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، حيث تم الترخيص لعدد من الأحزاب السياسية، لكن «بعد الانقلاب على ولد الشيخ عبد الله من طرف الجنرالين عزيز وغزواني، أُغلق الباب مجدداً وأصبح الترخيص مقتصراً على الأحزاب الموالية»، حسب قوله.
وأضاف «أن السلطة لجأت، منذ ذلك الحين، إلى «تفكيك الجبهة الشعبية المعارضة الحقيقية المتمثلة في حركة «إيرا» الحقوقية وحزب الرك، وذلك عبر استقطاب بعض نشطائها وتشجيعهم على تأسيس أحزاب ومنظمات بديلة تحصل على الدعم المادي والمعنوي من الدولة»، مؤكداً «أن هذا النهج تواصل خلال حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ولا يزال قائماً في عهد الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني».
وختم بيرام بالقول «إن تعديل قانون الأحزاب الأخير يشكل في جوهره «وأداً للتعددية السياسية»، حيث منح وزير الداخلية صلاحية «تجميد أي حزب سياسي بجرة قلم»، معتبراً ذلك دليلاً على أن النظام مصرّ على البقاء في الحكم بوسائل «غير ديمقراطية».
وبينما ترى السلطات أن التعديلات الأخيرة على قانون الأحزاب جاءت لضمان التعددية المسؤولة ومنع تكاثر الكيانات الصورية، يعتبر معارضون بارزون أن هذه التعديلات ليست سوى وسيلة لتضييق الخناق على القوى السياسية الفاعلة، وإبقاء الساحة محكومة بأحزاب لا تشكل خطراً على النظام.
وبين هذا وذاك، تبقى الأنظار موجهة إلى ما إذا كان حزب «الرگ» سيحصل في النهاية على ترخيص رسمي، أم إن ملفه سيظل عالقاً في دائرة التجاذبات السياسية والقانونية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس