ليزلي فارين لـ”أفريقا برس”؛ عن أسباب هزيمة ماكرون في الساحل وتراجع النفوذ الفرنسي

8
ليزلي فارين لـ
ليزلي فارين لـ"أفريقا برس"؛ عن أسباب هزيمة ماكرون في الساحل وتراجع النفوذ الفرنسي

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – موريتانيا. إثر انتخابه في 2017، كانت قاعدة برخان في مالي، مؤكدا في خطابه هناك، أمام حوالي 4 آلاف جندي فرنسي، أن «عملية برخان، لن تتوقف إلا في اليوم الذي لن يكون هناك فيه المزيد من الإرهابيين في المنطقة، وحيث سيتم استعادة السيادة الكاملة لدول الساحل».

وتعتبر عملية برخان العملية العسكرية الأكبر التي تطلقها خارج فرنسا خارج أراضيها. انطلقت في أغسطس 2014 لمكافحة تمرد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي، وتضمنت حوالي 4500 جندي فرنسي، بالإضافة إلى مشاركة بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر.

لكن، بعد سنوات قليلة، تزايد عدد الجهاديين، واخفاق التدخل العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، وارتفاع وتيرة العداء لفرنسا، اضطر الجيش الفرنسي إلى الانسحاب. وفي سنة 2022، أعلن ماكرون رسميا إنهاء مهمة برخان. هذه الهزيمة ليست عسكرية، بقدر ما اعتبرت هزيمة سياسية، تزامنت مع تراجع نفوذ فرنسا في مناطق نفوذها التقليدية. وانتهى الأمر وفق الصحافية والخبيرة في العلاقات الفرنسية الأفريقية ليزلي فارين، إلى أن الهزيمة “أضعفت فرنسا جيشها وفقدت حلفاءها في الأمم المتحدة وصوتها الوحيد على الساحة الدولية”.

عملت ليزلي فارين (Leslie Varenne) في مجال الصحافة الاستقصائية لمدة 20 عاما، وهي خبيرة معترف بها في الشؤون القارة الأفريقية، التي تزورها بانتظام، وخصصت لها العديد من المقالات والتقارير والكتب، بما في ذلك “أبيدجان-الحرب: ساحل العاج، ملعب فرنسا والأمم المتحدة”، ومؤخرا نشرت كتابا حمل عنوان “إيمانويل في الساحل، مسار هزيمة” (Emmanuel au Sahel: Itinéraire d’une défaite).

وحظي الكتاب، الذي فسرت فيه فارين أسباب “الإخفاقات البارعة لسياسة ماكرون في أفريقيا” بمتابعة لافتة في فرنسا في وقت يتعرّض فيه الرئيس ايمانويل ماكرون لضغوط داخلية مع صعود اليمين المتطرّف ضمن متغيرات عالمية تهدّد بدورها حضور فرنسي في مستعمراتها التقليدية أمام منافسة الصين وروسيا.

تقدم ليزلي فارين أمثلة تفسر”أخطاء ماكرون ونكساته وافتقار ماكرون إلى الإستراتيجية والرؤية والجهل بالواقع الأفريقي”، بالإضافة إلى تحليل لشخصيته وعلاقاته مع حلفائه. وقالت إن “خسارة أفريقيا كارثة سياسة لماكرون”.

وفي خضم الحملة الترويجية للكتاب، خصّت ليزلي فارين، “أفريقيا برس” بحوار شرحت فيه أسباب تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا والإستراتيجية الفرنسية في مواجهة صعود الصين وروسيا. وكذلك تأثيرات صعود اليمين المتطرف على هذه العلاقات.


كتب مارسيل جاي في تقديمه لكتاب “إيمانويل في الساحل، مسار هزيمة”: “هذا الكتاب هو قصة رئيس لا يعرف أنه لا يعرف”، كيف تفسرين تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا؟

أسباب عديدة تقف وراء التراجع الفرنسي في أفريقيا، حيث تتصاعد شكاوى الأفارقة الناطقين بالفرنسية من سياسة باريس. قبل وصول إيمانويل ماكرون إلى السلطة، كان الهيكل الذي ارتكزت عليه فرنسا في الدول الأفريقية منذ استقلالها هشّا بالفعل.. مع هذا الرئيس، إنهار البناء كبيت من ورق. لم تكن لديه رؤية ولا إستراتيجية، فكانت سياسته مضطربة وغير واضحة وبالتالي لم تسفر حتما عن أي نتائج. المفارقة هي أنه كلما قلّت النتائج، زاد تصرفه بطريقة سلطوية ومتعجرفة. بالنسبة للأفارقة، وكما هو الحال بالنسبة للدول الأخرى في الجنوب، لم تعد هذه المواقف مقبولة.

في الماضي، كانت هناك انحرافات، حتى لو تم التعبير عنها بطريقة أكثر دقة، الفرق هو أن الدول اليوم لديها خيار اختيار شركائها. إنهم يختارون أولا الأشخاص الأكثر احتراما ثم أولئك الذين يمكنهم الدخول معهم في شراكات مربحة للجانبين. إن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه هذا الرئيس الشاب هو عدم إدراكه أن العالم قد تغير وأن فرنسا لم تعد أمة لا غنى عنها. بالإضافة إلى ذلك ارتكب ماكرون العديد من الأخطاء الأخرى من خلال الافتقار الشديد للدبلوماسية والجهل بتاريخ وثقافة هذه المجتمعات وتوازن القوى الداخلي. ومع ذلك فقد تصرف كما لو كان يعرف الملفات. ولهذا السبب وصفته في مقدمتي بأنه “الرئيس الذي لا يعرف أنه لا يعرف”.

هل روسيا والصين تزعزعان استقرار فرنسا في أفريقيا؟

مناطق النفوذ قد اختفت، والعالم يشهد إعادة تشكيل شاملة، والمنافسة المفتوحة على أشدها. أفريقيا قارة مرغوبة، يتودد إليها الجميع، وكل العالم يسعى للحصول على مكان تحت الشمس فيها. روسيا والصين جزء من هؤلاء، على الرغم من أن هاتين القوتين لديهما استراتيجيات وأهداف مختلفة للغاية. الصين موجودة منذ عقود وتعمل أساسا في المجال الاقتصادي، ومن هذا المنطلق، لا يمكن اعتبارها تزعزع استقرار فرنسا، أو أن باريس لا تملك وسائل تمويل البنى التحتية مثل بكين. في المقابل، روسيا تتقدم على جميع الجبهات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية، وقد ناورت بذكاء للاستثمار في الدول التي أُمر الجنود الفرنسيون بمغادرتها، مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر. إلقاء اللوم على موسكو في هذه الإخفاقات هو نوع من الإنكار، لأن الواقع يؤكد أن روسيا استفادت أولاً من الأخطاء التي ارتكبتها فرنسا. وبعد تهديدات إيمانويل ماكرون بإرسال قوات إلى أوكرانيا، اختارت روسيا سياسة أكثر عدوانية، ومن الواضح الآن أن هناك رغبة في زعزعة استقرار فرنسا في أفريقيا، خاصة في تشاد، آخر دولة في منطقة الساحل حيث تتواجد فيه فرنسا عسكريا.

هل يؤثر صعود اليمين المتطرف في أوروبا على علاقاتها مع أفريقيا؟

– اليمين المتطرف الأوروبي سيواجه الحقائق على الواقع. أفريقيا ليست قارة يمكن استبعادها أو تجاهلها. لقد فشلت كل السياسات الرامية إلى احتواء الهجرة. ويمكننا أن نرى ذلك بوضوح مع إيطاليا حيث اضطرت جورجيا ميلوني، بعد التهديد بشأن هذا الموضوع، إلى تغيير موقفها وتقديم تنازلات وتسوية أوضاع 450,000 مهاجر.

فمن ناحية، تحتاج أوروبا التي تعاني من الشيخوخة السكانية إلى العمالة، ومن ناحية أخرى ليس من مصلحة أي دولة أن تغضب الدول الأصلية للمهاجرين وتعرّض علاقاتها التجارية والدبلوماسية للخطر. الأمر الأكثر إثارة للقلق، في رأيي هو ظهور شكل من أشكال كراهية الأجانب الجامحة داخل بعض الدول الأوروبية، الأمر الذي يمكن أن يولد توترات مع البلدان الأصلية للمهاجرين.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس