من يخلف الغزواني في انتخابات 2029؟

5
من يخلف الغزواني في انتخابات 2029؟
من يخلف الغزواني في انتخابات 2029؟

أفريقيا برس – موريتانيا. رغم أن أربع سنوات تفصل موريتانيا الآن عن الانتخابات الرئاسية لعام 2029، فإن ملامح المشهد السياسي الموريتاني بدأت تتشكل مبكرًا، ما يجعل هذا الاستحقاق القادم محط اهتمام بالغ.

فقد بدأ الكثيرون يطرحون السؤال الكبير: من سيخلف الرئيس الغزواني في انتخابات 2029؟

فهذه الانتخابات ليست مجرد محطة دورية في الحياة السياسية، بل تمثل لحظة حاسمة لكونها عبوراً جديداً ولأنها ستتيح انتقال السلطة لرئيس جديد، ولكونها أعادت إلى الواجهة السؤال التقليدي: هل سيبتعد الجيش عن ترشيح متقاعديه للرئاسة، ليُفسح المجال أمام المدنيين؟

منذ 2019، ترسخ تقليد سياسي في موريتانيا يقضي بأن يرشح الرئيس المنصرف خلفًا له، كما فعل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز حين دعم محمد ولد الشيخ الغزواني، واليوم تتجه الأنظار إلى الرئيس الغزواني: هل سيسير على النهج ذاته ويقدم مرشحًا يحظى بدعمه، أم أن المشهد سيفرز مفاجآت غير متوقعة؟ وعلى الضفة الأخرى، تبدو المعارضة في وضع ضعيف، مشتتة وغير مؤثرة منذ أن نجح الرئيس الغزواني في تحييدها عبر ما عُرف بلقاءات التهدئة الشاملة.

وفي ظل هذه المعادلة، يبرز تساؤل آخر: هل سيسهم غياب معارضة قوية، إلى جانب رغبة الكثيرين في قطع الطريق أمام مرشحي المؤسسة العسكرية، في تعزيز فرص صعود مرشح مستقل مثل بيرام الداه اعبيد، الذي حلّ ثانيًا في انتخابات 2024 والذي يتصدر الفعل المعارض حاليا؟

أسئلة كثيرة تطرحها المرحلة المقبلة، وستكون الإجابة عنها مرهونة بتطورات المشهد السياسي الموريتاني خلال السنوات القليلة القادمة.

وسبق أن حذر سياسيون كبار من إطلاق حملة انتخابية مبكرة، خشية أن يتم جرّ البلاد إلى أجواء انتخابية لمدة خمس سنوات، قد تجعل البلد ينشغل عن الشأن الحاضر بشأن يتعلق بنظام آخر لم يتول الأمر العام بعد.

لكن التحذيرات لم تمنع الموريتانيين المغرمين بالسياسة، من الحديث عن خلافة الرئيس محمد الشيخ الغزواني الذي لم تنقض سوى أشهر قليلة على مأموريته الثانية والأخيرة الممتدة على خمس سنوات.

فخلال الأسابيع الأخيرة، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي صراعات ونقاشات وجدل حول التموقع بين المرشحين المحتملين لخلافة الغزواني الجامع بين الرئاسة والمشيخة الصوفية، فقد بدأت الأوساط التي يحركها الطامحون للرئاسة أو المهيئون لها وهم بالأساس من متقاعدي الجيش، في إنشاء المدونات وتأسيس مجموعات واتساب والمواقع الإلكترونية، استعاداً لمعركة 2029 القادمة.

وأظهرت المنشورات والتدوينات والدعايات المتداولة على شبكة التواصل أن موريتانيا لم تنفصل بعد من حكم العسكر، وأن التغيير عبر صناديق الاقتراع دون أي ترشيح من الدولة أو من النظام المنصرف لا يزال مؤجلًا إلى أجل غير مسمى.

فالجنرالات المتقاعدون هم الأوفر حظًا في الأحاديث التي بدأت عن خلافة الرئيس الغزواني، حيث لا نجد ذكرًا لمرشح مدني يتوفر على حظوظ واضحة.

ويتصدر وزير الدفاع الحالي الجنرال المتقاعد حننه ولد سيدي، قائمة المرشحين لخلافة الرئيس الغزواني؛ وسبق أن طُرح اسمه عام 2019 كخليفة محتمل للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، لكن ولد عبد العزيز اختار محمد ولد الشيخ غزواني حينها لقدم صداقتهما ولكونه القادر على حماية ظهره بعد تسليمه للسلطة، ولكونه حاز ثقة أوساط دولية نافذة.

ومع إعادة انتخاب غزواني لولاية ثانية وأخيرة، عاد اسم وزير الدفاع حننه ولد سيدي إلى الواجهة بقوة، خصوصًا أنه يحظى بدعم داخل المؤسسة العسكرية بصفته من أقدم ضباطها، كما أن العديد من الفاعلين السياسيين المدنيين يترددون على مكتبه. بالإضافة إلى ذلك، فهو من منطقة الشرق الموريتاني، المنطقة التي تشكل خزانًا انتخابيًا مهمًا.

وظهرت أسماء جنرالات متقاعدين آخرين ضمن الترشيحات المبكرة، من بينهم الجنرال المتقاعد مسقارو ولد سيدي، المدير العام السابق للأمن الوطني ومؤسس جهاز أمن الطرق.

ومعلوم أن تولي منصب المدير العام للأمن الوطني يفتح حظوظًا لتولي الرئاسة، فمن هذا المنصب ولج الرئيس الانتقالي الراحل علي ولد محمد فال، إلى القصر. وأظهر الجنرال مسقارو مكانة كبيرة داخل المجتمع السياسي عندما توافد على منزله عشرات الزوار بعد تقاعده، وانتشرت تكهنات بأنه سيُعيَّن وزيرًا للداخلية بدلًا من وزير الداخلية الحالي، إلا تلك التكهنات لم تصدقها التعديلات التي أجراها الرئيس الغزواني على الحكومة.

ويتردد ضمن قائمة الجنرالات الطامحين للرئاسة اسم محمد بمبه ولد مكت، الذي شغل عدة مناصب، بينها مدير للأمن وقائد الأركان، قبل أن يصبح رئيسًا للبرلمان الحالي عام 2023؛ وقد تدوول اسمه سابقًا ضمن المرشحين المحتملين لرئاسيات 2019.

وازدادت مكانة الجنرال مكت بعد وصوله لرئاسة البرلمان، حيث أصبح قبلة للعديد من السياسيين والمسؤولين الساعين إلى الترقية.

وبما أن الأمر لا يزال في يد الجنرالات، فإنهم من سيحددون القرار النهائي في شأن من سيخلف الرئيس الغزواني إذا كان العمل سيتواصل بالتقليد الذي يجعل منصب رئيس الجمهورية منحصرًا على كبار ضباط الجيش المتقاعدين.

ومعلوم أن كل جنرال تقف وراءه مجموعات من الداعمين المدنيين المستعدين لبذل المجهودات في نصرته ومؤازرته.

وخارج السياق العسكري، يجري على نطاق واسع تداول شخصيتين أخريين هما وزير الداخلية الحالي محمد أحمد ولد محمد الأمين لكفاءته وهدوئه وتجربته ولمكانته الخاصة لدى الرئيس الغزواني ولكونه الأقدر على تأمين حماية الظهر التي أصبحت قضية يحتاط لها الرؤساء المنصرفون.

والشخصية الثانية هي المختار ولد أجاي، الوزير الأول الحالي الذي استطاع أن يرسّخ نفسه كرقم أساسي في نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ويجري على نطاق واسع الحديث عن طموحه للوصول إلى الرئاسة، فأنصاره يرون أن طموحه مشروع، لما أظهره من قدرات قوية وإرادة سياسية واضحة.

ويبقى السؤال الأخير عن المعارضة الموريتانية، وعن مدى قدرتها على فرض التغيير: هل ستتمكن المعارضة الموريتانية من تجاوز صراعاتها الداخلية ومن التغلب على ضعف إمكانياتها، مستغلة السنوات الخمس المقبلة في ذلك؟ أم الأقدار ما تزال تفرض أن يظل الجيش الممسك الوحيد بزمام الأمور وفقًا لمنظومة الحكم التي تشكلت في موريتانيا عبر تعاقب الأنظمة العسكرية الذي بدأ مع انقلاب 1978؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس