أفريقيا برس – موريتانيا. تتزايد الضغوط على نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يواجه في الظرف الحالي إكراهات التزام حياد بات شبه مستحيل بين جارتي موريتانيا، المغرب والجزائر، اللتين يتسع كل يوم تنافسهما السياسي والاقتصادي المحموم حول الشراكة مع موريتانيا، البوابة الوحيدة المتاحة لعبورهما إلى أسواق غرب إفريقيا ومنطقة الساحل.
وذهبت مجلة “جون أفريك” في تحليل لأبعاد هذا التنافس إلى أن “حكومة الرباط قد حققت خلال الأشهر الأخيرة تقدمًا أثار قلقًا واستياءً في الجزائر”.
ويتجاوز هذا التنافس الجزائري المغربي مجرد السعي للوصول إلى سوق موريتانيا الداخلية المحدودة لبلد لا يتجاوز عدد سكانه نحو 4.9 ملايين نسمة، نحو رهانات أوسع تتعلق بالسيطرة على الممرات التجارية وضمان الأمن الإقليمي.
وترى مجلة “جون أفريك” في تحليلها لهذا التنافس “أنه إذا كانت موريتانيا تواصل الحفاظ على علاقات جيدة مع الجزائر، فإن التقارب الذي بدأت تعززه مع الرباط في السنوات الأخيرة يبدو أنه يزداد قوة، خاصة بفضل وعود التنمية الاقتصادية ومشاريع البنية التحتية التي يعرضها المغرب”. ويرى المتتبعون لهذا الشأن أن العلاقات بين المغرب وموريتانيا توجد اليوم في أفضل حالاتها، وهو اتجاه تعزز بزيارة مفاجئة أداها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب، بترتيب يرى البعض “أنه تدبير سياسي إماراتي”، هدفه التعجيل بلقاء بين الغزواني والملك محمد السادس، يساعد المغرب في أجندته الساحلية الإفريقية.
والدليل الذي ساقه المحللون للتعجيل بهذا اللقاء هو أن زيارة الغزواني للرباط جاءت لعيادة حرمه مريم فاضل، التي أجرت عملية استئصال للمرارة، وهي عملية جراحية كان من الممكن إجراؤها في نواكشوط، لكن تقرر إجراؤها في المغرب لإتاحة فرصة الزيارة.
وكما كان مخططاً له وفقاً للمحللين، فقد استقبل الرئيس الغزواني من طرف الملك محمد السادس في الدار البيضاء يوم 20 ديسمبر الماضي، استقبالاً رسمياً كاملاً، وأعرب قائدا البلدين عن رغبتهما المشتركة في تعزيز الروابط الاقتصادية وتطوير البنية التحتية بين الدولتين.
ومع أن الجانب الموريتاني لم يعط لزيارة الغزواني إلى المغرب أي أبعاد مراعاة لحساسيتها لدى الجزائر، فإن الإعلام المغربي يواصل حتى الآن إبراز أهمية هذه الزيارة، مؤكداً عبر قنواته الإعلامية الرسمية والخاصة “أن لقاء الغزواني ومحمد السادس كان “لقاء قمة أسفر عن تحديد مسارين رئيسيين للتعاون، الأول هو مشاركة موريتانيا في مشروع خط أنابيب الغاز إفريقيا-الأطلسي، الذي سيربط نيجيريا بالمغرب على مسافة 5,665 كيلومترًا، بتكلفة تقدر بـ 23 مليار يورو، والثاني هو “المبادرة الأطلسية المغربية” التي تهدف إلى فك العزلة عن دول الساحل (بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد) عبر توفير منفذ مباشر لها إلى المحيط الأطلسي من خلال ميناء الداخلة الأطلسي المستقبلي”.
وباعتبارها نقطة التقاء بين المغرب العربي وغرب إفريقيا ومنطقة الساحل، تتمتع موريتانيا بموقع جيواستراتيجي فريد يؤهلها للعب دور رئيسي في طموح المملكة المغربية الساعية لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة والخدمات اللوجستية.
وتتالت في الأشهر الأخيرة أحداث تؤكد القوة التي اكتسبها التعاون الموريتاني المغربي، ومن بين ذلك توقيع موريتانيا والمغرب أمس في نواكشوط، على اتفاقية للربط الكهربائي عالي الجهد بين موريتانيا والمغرب، أكد الإعلام الرسمي الموريتاني أن هدفها هو “تأمين المنظومة الكهربائية الوطنية، والولوج إلى الأسواق الكهربائية في أوروبا”.
وكان وزير الطاقة والنفط، محمد ولد خالد، قد وقع في 23 يناير الماضي، بالرباط، مع وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بالمغرب، على مذكرة تفاهم تطوير الشراكة في قطاعي الكهرباء والطاقات المتجددة بين المغرب وموريتانيا.
وقبل أسابيع قليلة من زيارة محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الدار البيضاء، كان رئيس الجمعية الوطنية الموريتانية، محمد ولد مكت، قد استُقبل في الرباط يوم 6 كانون الأول/ديسمبر من قبل وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وتمحورت مباحثاتهما حول المنتدى البرلماني المغربي الموريتاني الذي أُنشئ في شباط/فبراير 2024 لتعزيز التعاون الثنائي، إلى جانب فريق الصداقة البرلمانية الموريتانية المغربية التي تضم عشرين نائبًا يمثلون مختلف التوجهات السياسية، بالإضافة إلى إعادة تفعيل اللجان المشتركة في كلا البلدين ابتداءً من السنة الجارية.
لكن في المقابل، زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يوم 9 كانون الأول/ديسمبر الماضي نواكشوط، وشارك في المؤتمر القاري حول التعليم والشباب والتشغيل الذي نظمه الاتحاد الأفريقي، وذلك في أول زيارة لرئيس جزائري إلى موريتانيا منذ سبعة وثلاثين عامًا.
وقبل ذلك، التقى الرئيسان، تبون والغزواني، في تندوف الواقعة في غرب الجزائر في 22 شباط/فبراير 2024، لتدشين معبرين حدوديين ثابتين، ليكونا أول منفذ بري بين البلدين منذ استقلالهما.
وتتزامن هذه المبادرة مع تشييد طريق بطول أكثر من 800 كيلومتر يربط بين تندوف الجزائرية وازويرات الموريتانية، تتولى الجزائر تمويله بالكامل بقيمة 600 مليون يورو، كما تم افتتاح منطقة تجارية حرة تقع على بعد حوالي 75 كيلومترًا جنوب ولاية تندوف.
ومع أهمية مشروع الخط البحري بين الجزائر وموريتانيا الذي تم إطلاقه في يناير 2022، فإنه يشهد تباطؤًا لعدة أسباب، أبرزها ضعف حجم الصادرات الجزائرية إلى موريتانيا، مقابل قدرات تصديرية محدودة من الجانب الموريتاني، إلى جانب ارتفاع تكاليف النقل.
وفي خطوة فسرت بأنها “إعادة ضبط” للعلاقات مع موريتانيا، قامت الجزائر في أواخر كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعد عشرة أيام فقط من زيارة الرئيس غزواني إلى المغرب، بتعيين أمين عبد الرحمن سعيد سفيراً جديداً للجزائر معتمداً في موريتانيا.
ويبدو أن موريتانيا تسعى، برغم التجاذب المحتدم حولها، لتحقيق ما أمكن من مكاسب من التنافس القائم بين المغرب والجزائر، من خلال تبني دور الجسر الاستراتيجي الذي يربط بين الجارتين وباقي القارة الإفريقية.
وتدرك موريتانيا جيداً أن التنافس بين الجزائر والمغرب ليس مجرد صراع ثانوي، بل هو حيوي لكلا البلدين: فالجزائر، التي تمتلك رابع أكبر ناتج محلي إجمالي في إفريقيا، تسعى إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على المحروقات، بينما يرى المغرب في موريتانيا بوابة استراتيجية نحو إفريقيا جنوب الصحراء، حيث إنه من أكبر المصدّرين في القارة.
وشهدت المبادلات التجارية بين موريتانيا وكلٍّ من المغرب والجزائر، نموًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت في عام 2023 ما قيمته 413 مليون دولار مع الجزائر و300 مليون دولار مع المغرب.
وفي ظل احتدام التنافس بين المغرب والجزائر على تعزيز شراكتهما مع موريتانيا، تجد نواكشوط نفسها أمام تحدٍ استراتيجي يتمثل في الموازنة بين علاقاتها مع الجارتين، مع السعي للاستفادة من الفرص الاقتصادية التي يوفرها هذا التنافس.
لكن السؤال المطروح هو: إلى أي مدى ستتمكن موريتانيا من ضبط مقود حيادها في هذه المعادلة المعقدة؟ وهل ستنجح في تحويل هذا التنافس إلى رافعة لتنميتها بدل أن يصبح مصدر ضغوط قد تؤثر على استقرارها الاستراتيجي؟
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس