أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. أثارت التحركات الأخيرة للحكومة الموريتانية بعد الإعلان عن تنامي عدد المهاجرين موجة من ردود الفعل والانقسام داخل الشارع الموريتاني، ورغم ما صرحت به الحكومة الموريتانية من صوابية الدافع إلى التهجير، حماية للأمن وتنفيذا للقانون، وعدم خضوع هذا الإجراء للأغراض السياسية، فإن ذلك لم يسلم من تأويلٍ للمتلقي، فقد تعددت الآراء شجبا وانتقادا أ وترحيبا بقرار الحكومة واعتباره جزء من السيادة الوطنية وحماية التركيبة الديمغرافية للبلد.
يشار إلى أن الشرطة الموريتانية بادرت إلى إطلاق دوريات للقبض على مئات المهاجرين الأفارقة، وقد تم احتجاز عدد منهم بمركز في الميناء، وحسب وسائل الإعلام فإن الشرطة بعد إلقاء القبض على المهاجرين تأخذ بصماتهم، ومن ثم تقوم بنقلهم في حافلات للشرطة نحو بلدانهم.
انقسام الشارع الموريتاني بشأن الهجرة
كثيرون اعتبروا أن الإجراءت التي اتخذتها شرطة الهجرة مؤخرا لم تلتزم باللباقة في التعامل مع المهاجرين، سواء فيما يتعلق بظروف النقل والتهجير في الحافلات المعدة لذلك، أو تجميع المهاجرين والقبض عليهم، أو حتى في تحديد المعنين بهذا القرار.
فيما يقول غيرهم إنَّ السلطات تقوم بدورها الطبيعي في مكافحة الهجرة غير النظامية والتعامل مع أعداد هائلة من المهاجرين أصبحت تهدد المواطن الموريتاني في المعاش وفرص العمل، كما تهدد الأمن الوطني حسب تعبيرهم.
من جانب آخر فإن الاتفاقية التي أبرمتها الحكومة مع الاتحاد الأوروبي بشأن المهاجرين أثارت هي الأخرى جدلا واسعا في البلاد، فوصفتها بعض القوى المعارضة بالأمر الخطير، والمضر بمستقبل البلاد وتركيبته السكانية، كما طالب عدد من نواب المعارضة ورؤساء الأحزاب السلطات بضرورة مراجعة الاتفاقية في أسرع وقت وهو ما تنفيه السطات الرسمية بشدة.
جهود حكومية ذات علاقة بملف المهاجرين
صادقت السلطات الموريتانية على قانون للهجرة الذي دخل حيز التنفيذ في نوفمبر 2024، والمتضمن عقوبات بالسجن من 6 أشهر إلى 2 سنة لكل من (استخدم وثائق مزورة، أو حصل عليها بهوية زائفة، أو بيانات حالة مدنية مزيفة، وكذلك لمن زور تأشيرات قنصلية، أو ضمانات كاذبة أو عقود عمل زائفة أو بطاقات هوية أجنبية مزورة.
كما تزامن لغط الهجرة الأخير مع أنشطة للحكومة الموريتانية تمثلت في تنظيم عدد من الفعاليات التي تدخل في إطار التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، ففي الـ 22 من مارس نظمت الحكومة ملتقى سنويا هو الثالث من نوعه بالعاصمة انواكشوط، استمرعدة أيام، وحضره وزير العدل الموريتاني؛ حول الهجرة غير الشرعية ومكافحة جرائم المخدرات، تقول السلطات حينها إنه شكل فرصة لتبادل الخبرات حول الموضوع.
كما نظمت المدرسة الوطنية للشرطة دورة تكوينية استهدفت 15 أمنيا موريتانيا لتطوير مهارات العاملين في القطاع المعنيين بملفات الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر. وذلك بالتنسيق مع مشروع التعاون العملياتي المشترك “POC MAURITANIE “، وفي الإطار نفسه فإن دشنت الحكومة خلال الأسابيع الماضية، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي محكمة مختصة بقضايا الهجرة والاتجار بالبشر، أدمجت ضمنها 3 محاكم سبق إنشاؤها لمحاربة العبودية، وتركزت المحكمة الجديدة على الهجرة غير النظامية. ويوجد مقرها في العاصمة انواكشوط، تُحيل لها المحاكم الابتدائية جميع القضايا المتعلقة بالعبودية والاتجار بالبشر أو الهجرة غير النظامية.
وقد زار وزير العدل الموريتاني محمد محمود ولد بيه مقر المحكمة المختصة بمحاربة الاسترقاق في البلاد وقال إن الحكومة ستعمل على تذليل كل الصعاب التي قد تعترض سير هذه المحكمة، مشيرا إلى خطورة القضايا المعروضة على المحكمة وأن العبودية والاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين جرائم خطيرة، تجب محاربتها لما تمثله من تهديد خطير على أمن البلد واستقراره، حسب تعبير الوزير.
ضبط أعداد المهاجرين داخل موريتانيا
من جهة أخرى فإن الحكومة الموريتانية كانت قد فتحت في وقت سابق مراكز لإحصاء المهاجرين للتعرف على أعدادهم الفعلية، لكن نتائج الإحصاء لم تعلن حينها، فيما صرح وزير الداخلية ولد احويرثي في سبتمبر الماضي بأن العملية مكنت من إحصاء 130 ألف مهاجر داخل العاصمة انواكشوط. وقال أيضا وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة إن 7 آلاف فقط تقدموا لتسوية أوضاعهم القانونية.
تشير بعض التقارير إلى أنَّ عدد المهاجرين وصل إلى 500 ألف نسمة، أي ما يمثل 10% من أصل 5 ملايين نسمة هي عدد سكان موريتانيا.
الصحفي المختص بالشؤون الإفريقية محفوظ ولد السالك في رد على سؤال لـ”أفريقيا برس”، حول مدى دقة عمليات الدخول والخروج قال إن “السلطات الرسمية تقول إنها اتخذت إجراءات بشأن ضبط عمليات الدخول والخروج، وتعتبر أن الحملة التي قامت بها ضد المهاجرين غير النظاميين، مردها في جانب منها إلى أن أعداد المسجلين لديها عند دخولهم تفوق بأضعاف كثيرة أعداد من تقدموا لطلب الإقامة أو لتجديدها.
وتعتبر أن توالي توقيف المهربين، دليل على تزايد المهاجرين غير النظاميين، وأن البلاد بصدد الانتقال من دولة عبور إلى دولة استقرار. وبطبيعة عملية الضبط تظل صعبة، ومثلها عملية الإحصاء، لأن أعدادا كبيرة قد تدخل البلاد دون علم السلطات”.
الحكومة الموريتانية ودول الجوار
في الفترة التي بدأت فيها موريتانيا نقل المهاجرين شهدت الأجواء الموريتانية زيارة لوزراء دول الجوار من بينها مالي والسنغال، وتحركا لعدد من أفراد السلك الدبلوماسي في هذا الملف.
وحول مدى تفاعل دول الجوار مع ملف الهجرة يقول الإعلامي محفوظ ولد السالك إن الحكومة الموريتانية “تحاول إقناع هذه الدول بأن ترحيل المئات من مهاجريها، سببه مخالفتهم للقوانين المعمول بها، وقد تفهمت عدد من تلك الدول لذلك، ومن بينها من قالت إنها ما تزال تناقش معها آليات تضمن حصول مواطنيها على الإقامة، وتجنب الترحيل، ومن هذه الدول السنغال.
الاتفاقية الأوروبية الموريتانية
بعض المراقبين أيضا يتحدثون عن حالة لا تحسد عليها السلطات الموريتانية التي انتبهت متأخرة إلى تزايد أعداد المهاجرين داخل البلد، بعد توقيع الأخيرة اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يقضي باحتضان موريتانيا للمهاجرين القادمين من البلدان الإفريقية، إذ تشير التقارير الصحفية إلى أن السلطة في البلاد تلقت من الاتحاد الأوروبي أكثر من 200 مليون يورو دعما لجهودها في هذا المجال، وهو ما نفاه وزير الثقافة الناطق باسم الحكومة مؤكدا أن ما عُقد مع الاتحاد الأوربي كان مجرد اتفاق حسن نية، غير ملزم، وأن الهجرة قضية سيادية بالنسبة للدولة الموريتانية.
كما نفى أيضا وزير الداخلية الموريتاني أحمد ولد محمد الأمين ولد احويرثي في 19 مارس 2025م، توقيع الدولة أي تفاقية قانونية ملزمة بشأن الهجرة، وقال إن موريتانيا ملزمة فقط بالقوانين المنظمة للعلاقات مع دول الجوار، وخلال رده في المؤتمر الصحفي عقب الاجتماع الوزاري الأسبوعي قال الوزير إن الحديث عن الهجرة يشوبه الكثير من التهويل وأن المدونين والصحفيين في الداخل والخارج يبالغون في تصوير الوضع، مشيرا في حديثه إلى “أن موريتانيا تستفيد من الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وأن التعاون بينهما يهدف إلى تعزيز القدرات الوطنية في قضايا الهجرة بما يحقق المصالح العامة، وما يتفق مع الالتزامات الدولية”.
وحول تداعيات التفاعل الشعبي وردات الفعل غير المحسوبة لشعوب المنطقة يقول الخبير الإعلامي محفوظ ولد السالك: “شعبيا تعرض بعض التجار الموريتانيين في بعض دول الجوار التي تم ترحيل مواطنيها، لمضايقات لكنها كانت حالات معزولة، ولم تتطور، وتم احتواء الموقف”
وأشار محفوظ أيضا إلى أن إشكال الهجرة لا يخص موريتانيا وحدها وإنما هو “إشكال عالمي اليوم، يحتاج التصدي له إلى تضافر جهود الجميع، ومن حق أي دولة بل ومن واجبها التصدي لهذه الظاهرة، ولكن ذلك يجب أن يتم في احترام تام لحقوق المهاجرين”
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس