تقسيم الماء بالليزر لإنتاج الهيدروجين وبيروكسيد الهيدروجين

1
تقسيم الماء بالليزر لإنتاج الهيدروجين وبيروكسيد الهيدروجين
تقسيم الماء بالليزر لإنتاج الهيدروجين وبيروكسيد الهيدروجين

أفريقيا برس – موريتانيا. يعتبر الهيدروجين (H2) وبيروكسيد الهيدروجين (H2O2) من المواد الخام وحاملات الطاقة المهمة للصناعة. ولكن الطرق التقليدية لإنتاج هاتين المادتين تعتمد على محفزات معقدة وخطوات وسيطة متعددة، كما أنها طرق مكلفة وذات كفاءة منخفضة وينتج عنها تلوث بيئي.

وقدمت دراسة جديدة طريقة مباشرة عالية الكفاءة وصديقة للبيئة لتقسيم الماء بالليزر بغرض توليد H2 و H2O2 في الوقت نفسه وفي الظروف المحيطة العادية ودون استخدام أي محفزات.

قام على الدراسة مجموعة من الباحثين الصينيين بدعم من المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية في الصين ومختبر الدولة الرئيسي للمواد والتقنيات الإلكترونية البصرية، ونشرت في موقع مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS) في 23 فبراير/شباط الماضي.

طريقة العمل

في هذه الطريقة يُركَّز الليزر تحت سطح الماء النقي، حيث يُستخدم ليزر نابض عالي الطاقة على شكل نبضات فائقة السرعة. وتجري عملية تقسيم الماء في مفاعل كوارتز أسطواني مغلق مصمم خصيصا لهذا الغرض يحتوي على 250 مل من الماء النقي. وعند تشعيع الليزر النبضي في الماء تتحلل جزيئات الماء السائل بعنف إلى جزيئات نشطة، مما يؤدي إلى ظهور فقاعات نانوية صغيرة.

وتتميز هذه الفقاعات الناتجة عن الليزر بارتفاع كبير جدا في درجات الحرارة يمكن أن يصل إلى “104 كلفن”، وتولِّد هذه الفقاعات المستحثة بالليزر بيئة دقيقة مثالية لتفاعلات تقسيم الماء بدون أي محفزات بسبب درجة حرارتها المرتفعة جدا، إذ إنه من الناحية الديناميكية الحرارية، يمكن لجزيئات الماء أن تتحلل بسرعة عند درجات الحرارة المرتفعة.

بعد هذا الارتفاع الكبير في درجة الحرارة يحدث تبريد سريع للفقاعات بمعدل عالٍ يبلغ نحو “1010 كلفن/ثانية” بفعل الماء السائل المحيط، ويوقف هذا التبريد السريع التفاعلات بسرعة ويمنع التفاعلات العكسية، فيمكن بسهولة عودة H2 و H2O2 إلى الماء في حالة عدم التبريد السريع. وفي النهاية عند انهيار الفقاعات، يُطلق H2 بينما يظل H2O2 مذابا في الماء.

ويلاحظ هنا أن درجة الحرارة المرتفعة العابرة والتبريد السريع هما جوهر هذه التقنية.

وبالنسبة لليزر النابض تُستخدم نبضات متقطعة قصيرة جدا، تبلغ مدة كل نبضة ليزر 10 نانوثانية وتردد 10 هرتزات، فهذه الطريقة عبارة عن عملية متقطعة لتقسيم الماء تشبه طريقة “دفعة تلو الأخرى”.

وتعتمد كفاءة تحويل طاقة الليزر الضوئية بغرض تقسيم الماء؛ على الليزر المستخدم، وبالتالي تعتمد على التقدم في علوم وتكنولوجيا الليزر، إذ يمكن لطاقة نبض الليزر العالية وتكرار نبض الليزر أن يزيد بشكل فعال كفاءة تقسيم الماء. ومن المعتقد أنه مع تطور علوم وتكنولوجيا الليزر يمكن أن تنخفض كلفة الليزر بشكل سريع، كما أن سعر الليزر انخفض بشكل ملحوظ خلال العقود القليلة الماضية.

ويعمل الليزر المستخدم في هذه الدراسة بالطاقة الكهربائية. ولكن الكهرباء ليست الوسيلة الوحيدة لتشغيل الليزر. وقد أظهرت العديد من الدراسات السابقة أن الضوء الشمسي يمكن تحويله بكفاءة إلى ليزر. ولذا فإن تقسيم الماء بواسطة أشعة الليزر التي تعمل بالطاقة الشمسية يعتبر حلا عمليا وطريقة قابلة للتطبيق.

(مقطع لعملية تقسيم الماء بالليزر في مفاعل الكوارتز الأسطواني المغلق المصمم خصيصًا لهذه العملية ويحتوي على 250 مل من الماء النقي)

كفاءة الطريقة

تُحقق هذه الطريقة لتقسيم الماء مباشرة بالليزر كفاءة مذهلة في تحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية، مع معدلات إنتاج H2 وH2O2 عالية في منطقة تفاعل محدودة خلال زمن رد فعل قصير جدا. كل هذا يحدث في ظل ظروف درجة حرارة الغرفة والضغط الجوي العادي، ومن دون استخدام أي محفزات، ودون أي آثار بيئية ضارة.

(مقطع يُظهر الفقاعات التي تحتوي على المنتجات الغازية تتولد حول نقطة تركيز الليزر أثناء عملية تقسيم الماء المستحثة بالليزر)

طرق تقليدية تُستخدم حاليا

الهيدروجين هو العنصر الكيميائي الأكثر وفرة في الكون، لكن إنتاجه بشكل نقي لاستخدامه في مجموعة من العمليات الصناعية يتطلب طاقة مكثفة تؤدي إلى انبعاثات كربونية كبيرة ملوثة للبيئة.

ويعتمد الحصول على الهيدروجين في الطرق التقليدية على مصادر الطاقة المتجددة وغير المتجددة، ويُشتق عادة من الوقود الأحفوري، إذ يَنتج الهيدروجين من خلال إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، وذلك عن طريق تسخين الغاز إلى درجات حرارة عالية في وجود بخار ومحفز، وهو ما يتسبب بتفكك جزيئات الميثان وتشكيل أول أكسيد الكربون والهيدروجين.

وعلى الرغم من أن هذه الطريقة هي الأكثر انتشارا وأقل كلفة، فإنها بسبب الانبعاثات الكربونية التي تنتج عنها غير محبذة في ضوء التحول العالمي إلى إنتاح الطاقة النظيفة غير الملوثة للبيئة. ويُعد أيضا التحفيز الكهربائي والتحفيز الضوئي من الطرق الشائعة المستخدمة لإنتاج الهيدروجين من الماء، ولكن هاتين الطريقتين تتطلبان عادة محفزات معقدة وعمليات تحفيزية مملة.

وبالنسبة للطرق التقليدية لإنتاج بيروكسيد الهيدروجين، فتُستخدم طرق التحليل الكهربائي والأكسدة التلقائية للأنثراكينون، وأكسدة الأيزوبروبانول، واختزال الأكسجين الكهروكيميائي بشكل شائع في إنتاج بيروكسيد الهيدروجين.

وعلى الرغم من أن طريقة إنتاج بيروكسيد الهيدروجين عن طريق الأكسدة التلقائية للأنثراكينون طريقة منخفضة التكاليف وتمثل أكثر من 95% من الإنتاج العالمي لبيروكسيد الهيدروجين، فإنها طريقة كثيفة الاستهلاك للطاقة وتسبب تلوثا للبيئة.

H2 وH2O2.. أهميتهما واستخداماتهما

زادت أهمية الهيدروجين وبيروكسيد الهيدروجين في الإنتاج الصناعي والحياة اليومية كطاقة خضراء غير ملوثة للبيئة. وتكمن أهمية الهيدروجين باعتباره طاقة نظيفة ومتجددة ذات كثافة طاقية وقيمة حرارية عاليتين، ولا ينتج عن استخدامه ثاني أكسيد الكربون. ويُعتبر الهيدروجين موردا ضروريا لحل أزمة الطاقة والبيئة الحالية، ولكن الهيدروجين في حد ذاته ليس مصدرا للطاقة، فهو ليس طاقة أولية موجودة بشكل حر في الطبيعة، ولكن الهيدروجين شكل ثانوي من أشكال الطاقة التي يجب تصنيعها مثل الكهرباء، فهو حامل للطاقة.

وبالرغم من أن الهيدروجين هو أصغر جزيء في الكون، فإنه يتمتع بإمكانات هائلة، إذ يُستخدم في العمليات الصناعية بداية من إنتاج الوقود الصناعي والبتروكيماويات إلى تصنيع أشباه الموصلات، وهو غاز قابل للحرق داخل المحركات، كما يمكن استخدامه في خلايا الوقود لتشغيل المركبات الكهربائية، أو إنتاج الكهرباء أو توليد الحرارة، ويمكن أن يكون مادة خام أولية في منتجات كيميائية أخرى مثل الأمونيا وهي من أهم المواد الكيميائية الأساسية في إنتاج الأسمدة النتروجينية، والميثانول الذي يستخدم في إنتاج البلاستيك. كما أنه يمكن تخزين الهيدروجين ومشتقاته في صهاريج أو قباب ملحية، وتكمن ميزة الطاقة المخزنة في أنه يمكن استخدامها على المدى البعيد. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، فقد تضاعف الطلب على الهيدروجين أكثر من ثلاث مرات منذ عام 1975.

أما بالنسبة لبيروكسيد الهيدروجين فهو مادة خام مؤكسدة ويُستخدم مطهرا في مجال الطب والرعاية الصحية والصناعات الدوائية، ويستخدم أيضا في تطبيقات كثيرة أخرى مثل عمليات التبييض والأكسدة. كما أنه مادة غير ملوثة من الناحية البيئية، ولذلك كان هناك زيادة في الاستخدام الصناعي لبيروكسيد الهيدروجين على مدى السنوات الـ15 الماضية.

وبالنسبة لصناعة النسيج، يُستخدم بيروكسيد الهيدروجين في تبييض ألياف القطن والكتان والبوليستر والبولي يوريثان، كما يستخدم أيضا للتبييض في صناعة الأخشاب والورق، ويمكن استخدامه لتبييض الشعر البشري.

وفي الصناعات الكيميائية يستخدم في إنتاج مواد كيميائية عدة. كما يستخدم كمادة كيميائية للتنظيف والحفر، ويستخدم في إنتاج رقائق أشباه الموصلات.

أما بالنسبة للتطبيقات البيئية، فيُستخدم بيروكسيد الهيدروجين في تنقية مياه الصرف الصحي، ومياه الصرف الصحي المحتوية على السيانيد، كما يمكن أيضا استخدامه بتركيزات صغيرة نسبيا كمادة كيميائية مطهرة في حمامات السباحة.

ونظرًا لأهمية الهيدروجين وبيروكسيد الهيدروجين واستخداماتهما المتعددة، فإن الحاجة ماسة لطرق خضراء غير ملوثة للبيئة لإنتاجهما، وبالمقارنة مع طرق إنتاجهما التحفيزية التقليدية، فإن تقنية تقسيم الماء بالليزر بسيطة ونظيفة ويمكن تشغيلها في درجة حرارة الغرفة والضغط التقليدي دون أي محفزات.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس