أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. في ديباجته، ذكر التقرير الصادر عن المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان أن العام 2024 شهد تطورات مقلقة في مجالات الحريات وحقوق الإنسان، تمثلت في ارتفاع نسب التضييق، وحالات القتل داخل المعتقلات، والاعتقال التعسفي، والهجرة غير النظامية، وضعف استقلالية القضاء، ونقص الخدمات الاجتماعية، وتردي المنظومة التعليمية، وهشاشة تجربة المدرسة الجمهورية، بالإضافة إلى تفاقم البطالة.
وأشار التقرير إلى أن استمرار العمل بقانون حماية الرموز، الذي أُصدر في 9 نوفمبر 2021، دون إلغائه أو تعديله، شكّل تراجعًا آخر في مجال الحقوق، مؤكّدًا أن الأزمة الحقيقية للحريات في موريتانيا لا تتعلق فقط بالتشريعات المجرِّمة، بل تمتد إلى التطبيق الفعلي لتلك القوانين على أرض الواقع.
تقييم الأداء الحقوقي للمنظمات والهيئات الحكومية وشبه الحكومية
أشار التقرير إلى أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، منذ تأسيسها عام 2010، لم تعمل على تفعيل دورها الحقوقي وفق الصلاحيات المحددة لها قانونيًا لرصد ومتابعة انتهاكات حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية، بل لوحظ عليها التماهي مع ما أسماه التقرير “الخطاب الرسمي”، وعدم الجدية في التعاطي مع الانتهاكات التي ما فتئت السلطات ترتكبها بحق المعارضين وناشطي حقوق الإنسان في البلاد. كما أشار إلى أن اللجنة سلمت تقريرًا إلى رئاسة الجمهورية عام 2023-2024، لكنه استغرب حجبه وعدم نشره، معتبرًا ذلك سابقة من نوعها.
وفي ما يتعلق بمحاربة الرق وآثاره، والجهود الحكومية المبذولة في هذا الصدد، أشار التقرير إلى أن الدولة الموريتانية أنشأت عام 2016 ثلاث محاكم جنائية في الحوض ونواذيبو والعاصمة نواكشوط تختص بقضايا الرق، تنفيذًا للقرار الصادر عام 2015، في حين تواصل السلطات نفي وجود الرق من أساسه. كما أشار التقرير إلى القصور الذي تعانيه هذه المحاكم نتيجة ضعف بنيتها البشرية والمادية، وافتقارها إلى قضاة وشرطة مختصة، على غرار محاكم القُصّر وتلك المعنية بالفساد.
وجّه المرصد الموريتاني نداء سابقًا إلى السلطات المعنية بحتمية إنشاء جهاز أمني خاص يُعنى بتعقب جريمة الرق في البلاد، وهو ما أكدته اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وكذلك التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2023، وتقرير المقرر الأممي تومويا أبوكاتا الصادر بتاريخ 15/05/2022.
ولم يُهمل التقرير دور الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التي أُنشئت بموجب القرار الصادر عام 2015، انطلاقًا من الاتفاقية الدولية للوقاية من التعذيب التي صادقت عليها الحكومة الموريتانية عام 2012، حيث ذكر التقرير أنه، رغم تقدم مواطنين بشكاوى من التعذيب والإهانة مصحوبة بشهادات طبية مؤكدة، وما رافق ذلك من نقاش للموضوع داخل قبة البرلمان، فإن الآلية لم تفتح تحقيقًا بهذا الخصوص، رغم أن المادة (9) من الفصل الثالث من قانون مناهضة التعذيب تشير إلى أن السلطات تقوم “فورًا ببحث حيادي كلما كانت هناك أسباب معقولة تفيد بأن عمل تعذيب أو سوء معاملة ارتُكب أو تمت محاولة ارتكابه، وذلك حتى في غياب شكوى”.
يُضاف إلى ذلك أن الزيارات الدورية إلى الأماكن التي يُفترض أن تكون محلًا للتعذيب واجب تفرضه اختصاصات الآلية الوطنية. كما أشار التقرير إلى أن الآلية الوطنية سلمت تقريرها هي الأخرى إلى الرئاسة، ولم يتم نشره.
وفيما يخص الهيئة الوطنية لمحاربة الاتجار بالبشر، أشار التقرير إلى أنها، رغم حداثة نشأتها، لم تواكب التدفق الذي عرفته البلاد في الآونة الأخيرة من المهاجرين غير النظاميين.
وأثنى التقرير على دور المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء في التشخيص المقبول لإشكالية الفقر، والتمييز الإيجابي، وبناء الوحدات السكنية والمدارس والمستشفيات، إلى جانب تحسنٍ عام في أدائها خلال عام 2024. لكنه أشار إلى خلل يتعلق بإسناد المهام الرئيسية في الهيئة إلى من هم خارج الأطر الاجتماعية المستهدفة، وهو “ما يترتب عليه عدم استيعاب كامل لتعقيدات المشاكل المطروحة، وعدم جوهرية الحلول والمقاربات”، حسب التقرير. يُضاف إلى ذلك البيروقراطية في الأداء، والانتقائية، وتوظيف الولاء، وتحكم الوجهاء التقليديين، واستغلال تدخلات الهيئة للمنّ.
الحريات والحقوق الفردية
ذكر التقرير الصادر عن المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان لعام 2024 أن القوانين المجرّمة للتعذيب، والاتفاقيات الدولية، ووجود المنظمات الحكومية وشبه الحكومية، إضافة إلى المحاكم، لم تمنع استمرار الشكاوى الموثقة بشأن التعذيب، وحالات القتل داخل مراكز الاحتجاز (كيهيدي) التي راح ضحيتها مواطنون موريتانيون، إلى جانب القمع الممارس ضد المتظاهرين والتنكيل بهم.
ورصد المركز أيضًا العنف البوليسي ضد الاحتجاجات السلمية والإضرابات العمالية، وعددًا من المخالفات القانونية في هذا الجهاز، إلى جانب الإفراط في استخدام القوة، ومن بين تلك الحالات:
– تعرّض مظاهرات الطلاب أمام وزارة التعليم العالي يوم 8 يونيو 2024 لقمع عنيف من طرف جهاز مكافحة الشغب التابع للشرطة الوطنية.
– تفريق وقفة نظمتها حركة “كفانا” المعارضة ضد توطين المهاجرين بتاريخ 7 مارس 2024، وقمع المشاركين فيها.
– تعرّض الاحتجاجات الرافضة لنتائج الانتخابات في 30 يوليو 2024 لقمع عنيف من قبل السلطات، وتطويق المقر المركزي للمرشح بيرام. وقد امتدت تلك الاحتجاجات إلى مدينتي كيهيدي وسيلبابي، ليُعلن لاحقًا عن وفاة ثلاثة مواطنين أثناء الاحتجاز، كما قُطعت خدمة الإنترنت إثر ذلك.
– في 24 أبريل 2024، قمعت شرطة مكافحة الشغب مظاهرة نظّمها الأطباء المقيمون، ونكّلت بهم على خلفية مطالباتهم بتحسين أوضاعهم. وقد استمر الإضراب أسبوعًا، ودخل بعض المتظاهرين في إضراب عن الطعام.
– تزايدت حالات الوفاة في السنوات الأخيرة بسبب القمع البوليسي دون محاسبة أو رقابة قانونية.
في 8 يناير 2024، تعرضت مظاهرات نظمها الاتحاد الوطني لطلاب موريتانيا أمام وزارة التعليم العالي لقمع عنيف من قبل شرطة مكافحة الشغب، ما أدى إلى إصابات واعتقالات في صفوف الطلاب.
وأشار التقرير إلى ضعف رواتب منتسبي الشرطة وانعدام التكوين والتدريب، إلى جانب الانتهاكات والاختلالات الحقوقية، محذرًا من أن ذلك قد يكون سببًا في انتشار الفساد، وسوء استغلال السلطة، والإفلات من العقاب.
كما أشار إلى تفشي ممارسات كالرشوة في قطاعي الشرطة والدرك، خاصة على نقاط التفتيش في العاصمة وخلال التنقل بين المدن. وبيّن التقرير أن بعض التقارير تشير أيضًا إلى حالات اعتقال تعسفي لأشخاص خارج إطار القانون.
وضع السجناء والمحتجزين
لم تكن السجون ومراكز الاحتجاز إلا مرآةً عاكسة للحالة العامة، حسب ما ورد في التقرير، حيث تشهد حالات متكررة من التمرد والعصيان نتيجة الظروف السيئة، وردود الفعل العنيفة على المعاملة غير الإنسانية من إدارة السجون. وقد لحظ التقرير تحسنًا عامًا في وضعية السجون خلال الأعوام الماضية، إلا أن ذلك ما يزال دون المستوى المطلوب.
ودعا التقرير في الوقت نفسه إلى ضرورة تفعيل إجراءات احترام حقوق السجناء، وتأهيلهم وإعادة دمجهم في النسيج الاجتماعي. واقترح من أجل إصلاح وضعية السجون ما يلي:
– بناء سجون تتماشى مع المتطلبات المعمارية الدولية.
– الصرامة في فصل البالغين عن القصر، والرجال عن النساء، وتأمين طاقم نسائي للمعتقلات.
– فصل العتاة عن غيرهم من حديثي العهد بالجريمة.
– إنشاء هيئة إشرافية مستقلة.
– توفير مصحات داخل السجون، ومكافحة الإدمان.
– بناء رؤية تركز على التأهيل والتثقيف بمكانة حقوق الإنسان في السجن، حيث تحولت السجون إلى مؤسسة لتخريج المجرمين.
كما أشار التقرير إلى ملف السجناء السلفيين، واستقلال القضاء، لافتًا إلى مراجعة شاملة شهدها القطاع عام 2023، إلا أنه ما يزال يعاني من جملة من المشاكل. وقد أشار إلى مظاهر عدم الاستقلالية من خلال النقاط التالية:
– وضع عزل القضاة ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء بيد رئيس الدولة، رغم أن المادة (8) من النظام الأساسي تحصر ذلك في حالتين: طلب الشخص المحوّل، أو الضرورة التأديبية والضرورات القاهرة.
– التنقيط يتم من خلال بطاقات تقييم خاصة برئيس المحكمة العليا بالنسبة للقضاة الجالسين، وبالمدعي العام بالنسبة للنيابة العامة، ما يؤثر على أداء القضاة وحيادهم.
– ضعف التكوين المختص، وغياب التعليم المستمر.
– غياب مفتشية مستقلة للقضاء غير تابعة لوزارة العدل.
– إحساس القاضي بثانوية دوره في ظل عدم تنفيذ قراراته؛ حيث أشار التقرير إلى أن 80% من قرارات العدالة ضد الدولة لا تنفذ.
– وقد أكد المرصد على ضرورة معالجة هذه الاختلالات بشكل عاجل.
كما أشار التقرير إلى عدم استقلالية السلطة التشريعية وتبعيتها التامة للسلطة التنفيذية، حيث تم رفع الحصانة عن بعض النواب البرلمانيين، كما حدث مع بيرام، وتمت إجازة رفع الحصانة عن النائبين مريم الشيخ وقامو عاشور.
كما ورد في التقرير أن قضية ملف المبعدين الذين يعانون من مشاكل مختلفة لا تزال قائمة، فلا تزال قضايا إعادة الموظفين السابقين إلى وظائفهم، واسترجاع الممتلكات العقارية، وترفيع بعض المتهمين في مناصب مهمة في أجهزة الدولة، تشكل عائقًا حقيقيًا في طريق حل هذا الملف.
أما حرية الصحافة، فقد كانت حاضرة في التقرير، حيث تراجعت موريتانيا 17 نقطة دفعة واحدة، وتشهد تقهقرًا وتراجعًا في السنوات الأخيرة، إضافة إلى الهشاشة التي تطبع واقع العمل الصحفي، وانتكاسات في حرية التعبير، في أجواء يمثل فيها الإعلام الحكومي وجهة النظر الرسمية فقط دون غيرها.
ولا تزال حرية التجمهر – حسب التقرير – تشهد تضييقًا واسعًا في البلاد، تضررت منه الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات المرخصة. كما تحدث التقرير عن حرية ترخيص الأحزاب، وقانون الأحزاب الذي صادق عليه البرلمان الموريتاني بعد عرض الحكومة مشروع قانون بهذا الخصوص، ووفقًا للتقرير، فإن مصالح الوزارة تحتفظ بقرابة 90% من الأحزاب السياسية المطالبة بالترخيص.
كما رصد التقرير حرية التنقل إلى الخارج، وأوضاع الموريتانيين في الغربة، وملف المهاجرين غير النظاميين، مؤكدًا على ضرورة احترام المرجعيات القانونية الكافلة لحقوق المهاجر، وتمكينه من حق الوصول إلى الرعاية. وندد التقرير في الوقت ذاته بحالات الاعتقال التعسفي للمهاجرين.
وذكر التقرير، في معرض الحديث عن التمييز والانتهاكات الاجتماعية، ملف العبودية الشائك، وحقوق المرأة والطفل، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وحق العمل، مشيرًا إلى أن نسبة البطالة – حسب آخر الإحصائيات الصادرة في 16 ديسمبر 2021 – تصل إلى 37%، وأن عدد السكان المحتاجين للعمل يبلغ 443 ألف عاطل، أي ما يمثل 36.9% من السكان، وأن نسبة 44.2% من الشباب دون سن الـ25 لم يتلقوا تعليمًا أو تكوينًا مهنيًا، فيما بلغ عدد المسجلين داخل مراكز التكوين المهني قبل عام 2019 نحو 800 شخص.
وخُتم التقرير بالقضية الفلسطينية وما يعانيه الشعب المسلم من انتهاكات جسيمة بحق الإنسان والأرض، حيث أسفرت الحرب عن مقتل 13 ألف طالب، و800 معلم، و150 أكاديميًا.
وفي تصريح لموقع “إفريقيا برس”، قال مدير المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، الدكتور محمد محمود ولد عبد الجليل، إن المركز دأب على تقديم هذه التقارير التي يهدف من خلالها إلى توثيق الوضعية الحقوقية في موريتانيا، باعتبار ذلك من أهم أدوات العمل الحقوقي، كما يتشرف المركز بأن يكون الذاكرة الحقوقية للبلد.
وأضاف ولد عبد الجليل أن التقرير تتبع الحالة الموريتانية انطلاقًا من محاور متعددة، ويهدف إلى تسليط الضوء على الوضعية الحقوقية والإشكالات المرتبطة بها، وتقديم مقترحات وتوصيات بشأنها.
وأشار إلى أن المركز على صلة بثلاث مؤسسات هي:
– الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب
– اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان
– مفوضية حقوق الإنسان والعلاقات مع المجتمع المدني
– وذلك من خلال تنظيم زيارات لهذه المؤسسات وتسليمها نسخًا من التقرير.
وأوضح الدكتور أن المرصد تربطه مراسلات متبادلة مع الهيئات الأممية بخصوص الحالة الحقوقية في البلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس