ماذا وراء خروج الرئيس الموريتاني السابق من رقابة القضاء؟

14
ماذا وراء خروج الرئيس الموريتاني السابق من رقابة القضاء وتقريب أعوانه وإبعاد خصومه؟
ماذا وراء خروج الرئيس الموريتاني السابق من رقابة القضاء وتقريب أعوانه وإبعاد خصومه؟

أفريقيا برس – موريتانيا. حدثان تزامنا شهدتهما موريتانيا قبل أيام يثيران حاليا لغطا كبيرا ويتعلقان بحالة ومستقبل الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، الحدث الأول هو إنهاء الرقابة القضائية عن الرئيس السابق وإزالة مظاهر الوجود الأمني حول منزله، والسماح لأنصاره بالاحتفال العلني بذلك، وتسليمه جوازات سفره، ومفاتيح ضيعته الخاصة في بلدة بنشاب بولايته ولاية انشيري مسقط رأسه.

أما الحدث الثاني هو تعديل الحكومة الموريتانية بإدخال كبار أعوان الرئيس السابق في الحكومة وعلى رأسهم رئيس وزرائه لعدة سنوات، مولاي ولد محمد الأغظف الذي عين وزيرا أمينا عاما للرئاسة وهو منصب يضاهي منصب رئيس حكومة، والناني ولد اشروقه الذي جمعت له وزارة التجهيز والنقل مع الناطق الرسمي باسم الحكومة، ومحمد عبد الفتاح الذي عين مفوضا لمنظمة استثمار نهر السنغال، وإبعاد أكبر خصوم الرئيس وهو يحي ولد محمد الوقف بنقله من منصب وزير أمين عام للرئاسة إلى منصب وزير الزراعة، وهو الذي قارع الرئيس السابق بعد انقلابه عام 2008 وترأس اللجنة البرلمانية التي حققت في عشرية حكمه واعتمد القضاء على تقريرها في كل ما تعرض له الرئيس السابق من تحقيق وسجن وتهم ومصادرة للأملاك والأموال ومحاكمة متوقعة.

تجاذب واستغراب

هذه التطورات جعلت أنصار الرئيس الغزواني والحالمين بالتغيير ومعارضي الرئيس السابق يصابون بإحباط شديد زاد من ألمه ما أشيع من وساطة ومصالحة خفية لم تتأكد، بين الرئيسين الغزواني وولد عبد العزيز، وما تردد من أن قضية ولد عبد العزيز المتهم بنهب المليارات من أموال الشعب وبارتكاب فساد غير مسبوق، قد انتهت وأنه بصدد استرداد محجوزاته واستعادة نشاطه.

ولمعرفة خلفيات هذه القضية، حاورت “القدس العربي” عددا من السياسيين المتابعين لهذا الشأن، الذين أكدوا كلهم أن ما يسمى “ملف العشرية” يمر بمرحلة مربكة.

وأوضح القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور في تصريح لـ(القدس العربي)، “أن الأمر لا يتطلب جهدا كبيرا في التوقع، فقد كانت آجال المراقبة القضائية في نهايتها مما يعني أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز سيتمتع بحرية الحركة قريبا، وهو ما وقع بالفعل منذ ليل الخميس الماضي بداية الثامن من سبتمبر الجاري”.

الطابع السياسي والمحاكمة

وقال “لقد نجح إلى حد ما الرئيس السابق وفريق دفاعه وبعض أنصاره في فضاء التواصل الاجتماعي في إضفاء الطابع السياسي على ملفه، مع أن الملف بمختلف مكوناته وبتهمه ومجالاتها هو ملف قضائي يتعلق بالفساد وسوء التسيير، ويبقى السؤال المهم عند كثير من الموريتانيين عن مصير الملف وموضوع المحاكمة وهل سنرى قريبا ملف العشرية أمام القضاء الجالس ليقول كلمته فيه”.

وتابع “قيل الكثير في الماضي ويعاد إنتاجه هذه الأيام عن تسويات ووساطات في هذا الملف، ويقحم البعض أطرافا خارجية في الموضوع، ولكن سيكون من الصعب تصور مآل لملف مر بكل هذه المراحل وينتظر الكثيرون ما سيؤول إليه، غير المحاكمة؛ ومن الصعب تصور نهاية لهذا الملف دون محاكمة”.

لتعديل الحكومة أسباب أخرى

وعن دلالات التعديل الوزاري الأخير، قال ولد منصور “لا يبدو لي أن للتعديل صلة بملف العشرية، بقدر ما هو خطوة من خطوات قادمة في إطار الاستعداد للانتخابات، وربما استئناف التشاور من خلال وجه لا يتحفظ بعض الأطراف عليه والتي درجت على تحميل الأمين العام السابق للرئاسة (يحي الوقف) مسؤولية التعثر الذي حدث في حين أنها هي من وضع الصعوبات في طريق الحوار باشتراطات مسبقة”.

الارتباك الشديد

وفي توضيحات لـ”القدس العربي”، أكد الخبير والأستاذ الجامعي ديدي ولد السالك، رئيس المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية في موريتانيا “أنه من الواضح أن النظام الحالي يوجد في حالة ارتباك شديد في معالجته لمف العشرية، بل أنه يعاني من خوف شديد، فلا هو ترك الملف قضائيا يعالج معالجة قضائية، ولا هو قادر على معالجته معالجة سياسية”.

وقال “هل هذا الارتباك يعود لخوف من الرئيس السابق أم هناك خلفيات لم نطلع عليها ولا نعرفها أم أن الأمر يتعلق بأن الرئيس الحالي غير قادر على اتخاذ قرار؟؛ وأنا أرجح هذا الاحتمال الأخير لأن الرئيس الحالي لم يتخذ أي قرار من القرارات التي كان يفترض أنه سيأخذها اتجاه الفساد واتجاه تسيير الموارد البشرية واتجاه تسيير الثروات”.

وقال “ما هو مؤكد هو أن الوضعية يطبعها الارتباك وجميع السيناريوهات تبقى واردة، وما نأسف عله هو أن ملف العشرية لن يحسم بما فيه مصلحة الشعب الموريتاني”.

انحراف الملف وتصفيته

وأكد النائب البرلماني محمد الأمين سيدي مولود لـ”القدس العربي” الاثنين “أن ما يطلق عليه البعض “ملف العشرية”، والذي هو جزء يسير من فساد العشرية، انحرف منذ إحالته من طرف البرلمان إلى وزارة العدل، ففي الأسابيع الأولى تم تعيين مشمولين فيه قبل أن يستدعيهم القضاء في مناصب هامة، ثم تتالت النكسات فيه إلى أن تمت تصفيته تقريبا؛ واختزل في بضعة أشخاص يعدون على أصابع اليد، وتمت فيه ازدواجية مقيته وظالمة ومطففة”.

وأضاف “الآن يمكن أن يقال إن قوى الفساد انتصرت على إرادة الشعب في هذه الجولة، لكن هنالك جولات في قادم الأيام والسنوات القليلة القادمة، والشعب والوطن والتاريخ يسجلون”.

عودة رموز العشرية

وعن الربط بين ملف الرئيس السابق والتعديل الحكومي الأخير، أكد النائب ولد سيدي مولود “أن التعديل استمرار للتعديل الذي سبقه وكلاهما يصب في عودة رموز العشرية للواجهة، صحيح أن هذه الركائز تختلف فمنها الصقوري الذي كان يشغل الناس ويحرض على الظلم والفساد، ومنها الحمائمي الذي يسعى للتهدئة والإجماع على الأقل في المجال السياسي، لكن الجميع متورط في سلبيات العشرية وشركاء أيضا في ايجابياتها إن كانت لها إيجابيات”.

وزاد “هذا التعديل قد يكون مؤشرا على مصالحة بين خندقيْ العشرية الخندق الحاكم حالا والذي كان يحكم، وهي مصالحة ضد الشعب وضد الوطن، وهو تحالف أو إعادة ترتيب صفوف لوبيات حكمت البلد من اغسطس 2005 بشكل مباشر، وجنت على الشعب وأجرمت في حقه، ولكن الشعب خاصة قواه الحية من أصحاب الوعي والصدق سوف يكونون لهم بالمرصاد وسينالون جزاء ما اقترفوه عما قريب”.

لا وجود لتسويات

وأكد وزير الإعلام السابق المحامي سيدي محمد محم “أنه حين تحترم العدالة آجالها وتعلي مبدأ الحرية على كل إجراءٍ مقيد لها فهو انتصار للعدالة لا للمتهم، وهو ما يعضد بشكل آخر نأي هذه العدالة عن ممارسة الاستهداف بحق متهم طالما تغنى باستهدافه وتسييس قضيته، رغم أن قرينة البراءة تتقلص بعد كل مرحلة من مراحل التحقيق وتتعضد بينّات الإدانة”.

وقال “الذين يتحدثون عن تسويات سياسية لملفات قضائية، فهم يعبرون حصراً عن أمانيهم وأحلام اليقظة لديهم، ويؤكدون أنهم لا يؤمنون باستقلالية القضاء ولا بقدرته على محاكمة فاسد، والحل ببساطة كبيرة هو في المحاكمة العادلة والعلنية التي سيهتز “لعلنيتها” كل شيء كما توعدونا، وتكشف القناع عن كل فاسد كما هي تطلعاتنا وآمالنا؛ وتبقى إجراءات تقييد الحرية مجرد قناعة وتقدير من القاضي المختص، وهي في النهاية لا تعدو كونها وسيلة من بين أُخر، سيلجأ إليها كلما تكررت العنتريات التي دفعت إليها”.

وساطة ومصالحة

وفي معالجة تحليلية لهذه القضية، تحدث موقع “مدار” الإخباري الموريتاني عن مصالحة قد تكون حصلت في النصف الثاني من شهر أغسطس بعد اتصال هاتفي ليس بالقصير حصل بين رفيقي السلاح لأكثر من أربعين سنة (الغزواني وعزيز)، مضيفا نقلا عن مصدر قاد مبادرة سابقة بين الرجلين “أن ولد الشيخ الغزواني لا يريد من صديقه أكثر من استيعاب الوضع الجديد، وأنه أصبح رئيسا سابقا”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس