مخططات فاينمان.. الرياضيات تحل واحدة من أشهر مشكلات الفيزياء

1
مخططات فاينمان.. الرياضيات تحل واحدة من أشهر مشكلات الفيزياء
مخططات فاينمان.. الرياضيات تحل واحدة من أشهر مشكلات الفيزياء

أفريقيا برس – موريتانيا. فيزياء الكم تستخدم ما تسمى “مخططات فاينمان” -وهي رسومات بسيطة ابتكرها الفيزيائي الحاصل على نوبل ريتشارد فاينمان- لتسهيل فهم التفاعلات بين الجسيمات مثل الإلكترونات والفوتونات أو اهتزازات الذرات.

في هذه المخططات يمثل كل جسيم بخط، وتظهر النقاط التي تلتقي فيها الخطوط أماكن حدوث التفاعل، وبالتالي فهي أشبه بخريطة طريق تشرح كيف تتحرك الجسيمات وتتبادل الطاقة.

مشكلة فاينمان

لكن مع زيادة تعقيد التفاعل يصبح عدد هذه المخططات ضخما جدا، وهو ما يجعل الحسابات مستحيلة تقريبا بالنسبة للعلماء.

وبالتالي فإن هذه المشكلة كبيرة جدا في دراسة المواد التي تتفاعل فيها الإلكترونات بشدة مع اهتزازات الشبكة البلورية، والتي تعرف بأنها ترتيب منتظم جدا للذرات أو الأيونات أو الجزيئات داخل مادة صلبة، بحيث تتكرر بنفس النمط في كل الاتجاهات لتشكل بنية ثلاثية الأبعاد مثل شبكة هندسية.

وعندما يتحرك إلكترون في مادة فإنه يشوه الشبكة البلورية المحيطة به، فينشأ عن ذلك نظام جديد مكون من الإلكترون والتشوه الذي أحدثه، ويسمى ذلك “البولارون”.

هذه الظاهرة تؤثر بشكل كبير على انتقال الإلكترونات في المواد، مثل أشباه الموصلات، وتلعب دورا مهما في المواد فائقة التوصيل، وبالتالي فإن العلماء حاولوا لعقود حل هذه المشكلة وحساب تأثير البولارونات بدقة، لكن الحسابات التقليدية كانت تنهار أمام التعقيد.

وعن ذلك يقول ماركو برناردي أستاذ الفيزياء التطبيقية والفيزياء وعلوم المواد في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في تصريح حصلت الجزيرة نت على نسخة منه “تخيل محاولة التنبؤ بسلوك سوق الأسهم غدا، لمحاولة ذلك يجب مراعاة كل تفاعل بين كل متداول على مدى فترة زمنية معينة للحصول على تنبؤات دقيقة لديناميكيات السوق”.

لكن كما هو الحال مع التنبؤ بسوق الأسهم فإن عدد التفاعلات المحتملة بين تلك الجسيمات دون الذرية كبير للغاية، بل هو المستحيل في الواقع، كما يقول برناردي.

حل لأول مرة

والآن، طور فريق من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) بقيادة برناردي خوارزمية حسابية جديدة تعتمد على طريقة مونت كارلو التخطيطية، وهي طريقة إحصائية متقدمة تسمح بأخذ عينات ذكية من ملايين المخططات دون الحاجة لحساب كل واحد منها يدويا، بحسب الدراسة التي نشرها الفريق في دورية نيتشر فيزكس.

وقد سميت هذه الطريقة الحسابية بهذا الاسم نسبة إلى كازينو مونت كارلو في موناكو، لأن عالم الرياضيات والفيزيائي البولندي الأميركي ستانيسواف أولام استلهم الفكرة من عادات القمار لدى عمه.

وعموما، فإن طريقة مونت كارلو هي مجموعة من الطرق الحسابية التي تعتمد على العشوائية (التجارب العشوائية) لحل مشاكل معقدة، والفكرة الأساسية هي استخدام العينات العشوائية للحصول على نتائج تقريبية.

وعلى سبيل التقريب فقط، أنت في مطعم كبير جدا مظلم بالكامل ولا تعرف عدد الطاولات فيه، وتريد معرفة ما نسبة الطاولات التي عليها عصائر، ولا يمكنك المرور على كل الطاولات لأن عددها هائل.

هنا يمكن أن تبدأ بالتحرك عشوائيا داخل المطعم وتتوقف عند أي طاولة تقابلها وتسجل هل عليها مشروب أم لا، ثم تكرر هذه العملية مئات أو آلاف المرات مع طاولات مختلفة كل مرة.

بعد ذلك تحسب نسبة الطاولات التي وجدت عليها مشروبات، وكلما كررت التجربة أكثر اقتربت نتيجتك من النسبة الحقيقية لكل الطاولات في المطعم.

الآن بدل الطاولات هناك مخططات فاينمان، وبدل السؤال عن المشروبات يتعلق السؤال بمساهمة المخططات في التفاعل الكمي، تختار الخوارزمية مخططات عشوائية ثم تحسب مساهماتها وتجمع النتائج للحصول على الصورة الكاملة.

وبحسب الدراسة، تقوم الخوارزمية بأخذ عينات عشوائية من النقاط داخل فضاء جميع مخططات فاينمان لنظام ما، ولكن مع بعض التوجيهات فيما يتعلق بأهم الأماكن التي يجب أخذ العينات منها.

ويوضح برناردي “لقد وضعنا بعض القواعد للتحرك بفاعلية ومرونة عاليتين داخل فضاء مخططات فاينمان”.

تطبيقات واعدة

بالطبع تظل الأمور معقدة جدا، وتواجه مشكلات عدة مثل الحاجة إلى توازن بين الدقة والوقت المستغرق في الحسابات، وصعوبة التعامل مع مشاكل تحتوي على عدد كبير جدا من المتغيرات، والاعتماد على جودة المولدات العشوائية، وضرورة التحقق من صحة النتائج بعناية.

لكن باستخدامها تمكن العلماء -ولأول مرة- من حل مشكلة البولارون بدقة تامة باستخدام حسابات قائمة على المبادئ أو القوانين الفيزيائية الأساسية دون أي بيانات تجريبية مساعدة، بحسب بيان صحفي رسمي من معهد كاليفورنيا للتقنية.

وبناء على تلك النتائج أصبح بالإمكان التنبؤ بخصائص المواد بدقة مثل حركة الإلكترونات داخل المواد، وسلوك المواد تحت ظروف معينة كدرجات الحرارة العالية أو الضغوط العالية.

وبحسب الدراسة، تم تطبيق الخوارزمية على شبكات بلورية لمواد حقيقية مثل فلوريد الليثيوم وثاني أكسيد التيتانيوم وتيتانات السترونشيوم، وتم حساب خصائص الإلكترونات والاهتزازات فيها بدقة لم يسبق لها مثيل.

ويمكن لهذه التقنية أن تغير فهمنا للمواد الكمومية الحديثة، مثل المواد فائقة التوصيل والمواد الحرارية الكهربائية ومواد الأجهزة الإلكترونية الجديدة، وقد تساعد أيضا في تطوير حاسبات كمية أفضل وفهم تفاعلات الضوء مع المادة على مستوى أساسي.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس