أفريقيا برس – موريتانيا. نظم مركز السفير للاستشارات والإعلام والعلاقات العامة مساء الإثنين، في العاصمة نواكشوط، ندوة فكرية تحت عنوان “تنمية المدن والنفاذ للخدمات”.
جاء ذلك وسط حضور شخصيات أكاديمية وإعلامية وسياسية بارزة.
ندوة متخصصة في التنمية الحضرية..
وقال رئيس المركز، الإعلامي محمد عبد الرحمن ولد الزوين، في كلمته الافتتاحية، إن هذه الندوة تُعد الأولى من نوعها من حيث تخصّصها في مناقشة قضايا التنمية، خصوصًا في ما يتعلق بمجال العمران والبنية التحتية في المدن الموريتانية.
وأكد أن الهدف من هذه المبادرة هو إثارة النقاش حول التحولات الحضرية الكبرى التي تشهدها البلاد، وتقييم مدى ارتباط هذه التحولات بتطور جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
عصرنة المدن كمدخل لتعزيز اللحمة الوطنية..
افتتحت الجلسة الأولى بعرض قدّمه الدكتور الناني ولد المامي، تناول فيه التقدّم الذي شهدته البلاد على مستوى الحياة المدنية، معتبرًا أن تطور نمط العيش في المدن ساهم في تعزيز اللحمة الوطنية من خلال خلق فضاءات مشتركة تساهم في تقليص الفوارق الاجتماعية.
كما تطرّق الدكتور الناني إلى البعد النفسي للعصرنة، مشيرًا إلى أن الهدف النهائي من تطوير المدن يجب أن يكون سعادة المواطن، وليس فقط تحسين الطرق والبنايات، موضحًا أن السعادة في المدن الحديثة ترتبط بتحسن المؤسسات الاجتماعية، لا فقط بمستوى الدخل أو المهنة.
“غياب الاستقرار يهدد هوية المدينة”..
في تعقيبه على العرض؛ ركّز الأستاذ عبيد ولد إميجن، رئيس منتدى الأواصر، على البُعد الثقافي والاجتماعي، موضحًا أن الاستقرار لم يكن جزءًا من الثقافة الموريتانية التقليدية، مما يفسر صعوبة التكيّف مع الحياة المدنية.
وأشار إلى أن العاصمة نواكشوط تشهد تحوّلًا غير منظم في ملامحها، حيث تنتقل المدينة نحو الأطراف بشكل عشوائي، بسبب غياب التخطيط الحضري المستدام. وانتقد ولد إميجن استمرار تسمية الأحياء بأسماء قبلية وجهوية، معتبرًا ذلك من مظاهر اختلال النظام الاجتماعي، والتناقض مع روح المدينة الحديثة.
“التجمعات العشوائية تعيق التنمية”..
من جهته، ركّز الدكتور محمد أحيد ولد سالم على الجانب الإحصائي، حيث كشف أن موريتانيا تضم أكثر من 8149 تجمعًا سكنيًا، وهو ما وصفه بـ”المعضلة التنموية”، لما له من انعكاسات سلبية على توزيع الخدمات.
وأكد أن 80٪ من المدارس غير مكتملة، وبعضها لا يحتوي سوى على فصل دراسي واحد، معتبراً أن ذلك يؤدي إلى ما سماه “الحكم بالجهل على السكان”. كما شدد على أن التحضر لا يتم فقط بالبنية التحتية، بل يبدأ من تغيير الذهنيات والسلوك الفردي، منتقدًا ما وصفه بضعف روح المواطنة حتى لدى بعض المثقفين.
العصرنة.. رؤية شاملة..
في الجلسة الثانية؛ قدّمت الدكتورة فاطمة بنت اخليفه مداخلة بعنوان “الرؤية التنموية لمشروع العصرنة”، معتبرة أن المشروع يمثل تحولًا استراتيجيًا شاملًا في نمط الحياة الحضرية.
وأكدت أن العصرنة لا تقتصر على التوسعة العمرانية أو تحسين البنية، بل تهدف إلى تحقيق العدالة في توزيع الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والتعليم والصحة، إلى جانب تحسين جودة العيش في المدن من خلال تخطيط عمراني أكثر تنظيمًا.
وشددت الدكتورة فاطمة على أن نجاح هذه الرؤية يتطلب شراكة بين الدولة والمواطنين، مع تعزيز الثقافة المدنية التي تُعد من أهم أعمدة التمدن الحقيقي.
“الإنصاف أولوياتنا”..
في تعقيبه على مداخلة الدكتورة فاطمة؛ استعرض الدكتور محمد سالم ولد فاضل، رئيس حزب الإنصاف، أبرز ملامح أولويات الحزب في مجال تنمية المدن.
وشدد على دعم اللامركزية، تعزيز قدرات البلديات، وتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال مجانية الخدمات الأساسية ورفع كفاءة المجالس الجهوية.
“إعلام بلا رؤية… ومدينة بلا ملامح!”
خصصت الجلسة الثالثة لدور الإعلام في إبراز المكونات المحورية لمشروع العصرنة، حيث تحدث الصحفي الهيبة الشيخ سيداتي عن غياب استراتيجية إعلامية واضحة ترافق هذا المشروع الوطني.
وأشار إلى أن السياسات العامة في مجال العمران تعاني من أساليب دعائية مشتتة، كما انتقد فشل الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول جذرية لمشاكل الماء والكهرباء في العاصمة، وغياب هوية عمرانية بصرية واضحة تعكس رؤية حضرية موحدة.
“الدعاية لا تصنع المدينة”
في تعقيبه، اعتبر أبوبكر ولد المامي أن الكثير من المتدخلين انشغلوا بالدعاية السياسية بدل الخوض في نقاش علمي عميق.
ودعا إلى صحافة أكثر مهنية واستقلالية قادرة على تجاوز الخبر والقيام بدورها في الرقابة والتحليل.
“تعليق الفشل على شماعة العقليات”..
من جانبه، أكد عبد الرزاق على ضرورة نقل النقاش من المستوى السياسي إلى المستوى الفني والتقني، مشيرًا إلى غياب استراتيجيات واضحة في التخطيط الحضري.
وانتقد الاستخدام المتكرر لمفهوم “تغيير العقليات”، معتبرًا أنه شماعة يعلق عليها الفاشلون فشلهم، داعيًا إلى الواقعية وربط الحديث بالفعل لا بالشعارات.
“الشفافية ركيزة التنمية ومحاربة الفساد”..
تناولت الجلسة الرابعة من الندوة موضوع الشفافية في إدارة التنمية، حيث أكد الأستاذ محمد عبد الله بليل على أهمية إشراك المواطنين في السياسات العامة واطلاعهم على تفاصيلها باعتبار ذلك شرطًا أساسيًا للشفافية، وأداة فعّالة للحد من الفساد والرشوة.
وشدد بليل على أن التنمية العادلة لا يمكن أن تتحقق دون مشاركة المواطنين وتوزيع المعلومات بشكل علني، داعيًا إلى تعزيز الشفافية في كل مراحل التخطيط والتنفيذ والمتابعة للمشاريع العمومية.
“الفساد يبتلع المنشآت والمشاريع”
في تعقيبه، انتقد موسى ولد حامد السياسات المصاحبة لإنشاء المشاريع، معتبرًا أن غياب الصيانة الدورية للمنشآت العمومية يعد وجهًا من وجوه الإهمال المؤسسي، إلى جانب ما وصفه بـ”الثراء غير المبرر” لبعض المسؤولين.
وأضاف أن الأمر يستدعي – بحسب تعبيره – إطلاق حرب حقيقية ضد الفساد، لا الاكتفاء بالشعارات.
“عدم اختيار الحكومات الكفؤة يحول دون التنمية”..
أما الدكتور نور الدين، فقد ركز على البعد السياسي والإداري في أزمة التنمية، معتبرًا أن عجز الرؤساء عن اختيار حكومات فعالة وقادرة على تحقيق النفاذ إلى الخدمات، يُعد من بين الأسباب الجذرية لفشل جهود العصرنة والتحضر.
وأكد أن الإصلاح المؤسسي يبدأ من الأعلى، داعيًا إلى حكومات تمتلك رؤية واضحة، وكفاءات حقيقية، وآليات رقابة صارمة.
كما تناولت بقية المداخلات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للتحضر، مع التركيز على أهمية دور الإعلام في مرافقة مشاريع التنمية، عبر رفع الوعي المجتمعي وتعزيز ثقافة التخطيط الحضري. وقد شدد المتدخلون على ضرورة بناء مدينة لا تعتمد فقط على الإسمنت والبناء، بل على وعي مدني وسلوك حضاري يحترم الفضاء العام ويؤمن بفكرة المواطنة.
وقد خلُصت الندوة إلى أهمية مواصلة هذا النوع من النقاشات، وضرورة إشراك مختلف الفاعلين في صياغة رؤية وطنية شاملة لتنمية المدن، تقوم على العدالة في توزيع الخدمات، والتوازن بين البعد العمراني والاجتماعي، وترسيخ ثقافة مدنية تواكب تحولات العصر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس