مصطفى واعراب
أفريقيا برس – موريتانيا. كشف تقرير رسمي صدر عن هيئة تابعة لرئاسة الحكومة الإسبانية قبل أيام، بأن موريتانيا أصبحت في سنة 2024 المنفذ الرئيسي للمهاجرين غير النظاميين المتوجهين إلى السواحل الإسبانية، متجاوزة بذلك المغرب والجزائر، اللذين كانا يشكّلان معا تقليديا أهم نقطتي انطلاق للمهاجرين في غرب المتوسط.
ووفقا للتقرير السنوي للأمن القومي الإسباني برسم العام 2024، الذي يستند إلى بيانات وزارة الداخلية، فقد بلغ عدد المهاجرين المنطلقين من السواحل الموريتانية نحو إسبانيا 25.081 مهاجرا، وهو رقم يوازي مجموع الوافدين من المغرب (13.217) والجزائر (12.038) خلال الفترة نفسها، الأمر الذي وصفه التقرير بـ”غير المسبوق” من حيث التوزيع الجغرافي لتدفقات الهجرة.
ووصف التقرير هذه الزيادة الكبيرة في تدفقات المهاجرين من موريتانيا، بالـ “تحوّل في الطرق التقليدية” للهجرة، في وقت تدق هيئات غير حكومية من أن موريتانيا باتت “في خطر” بسبب هذا الواقع الجديد…
تستمر الطرق الرئيسية للعبور للمهاجرين من أفريقيا إلى أوروبا في التشكل، خلال العام الجاري 2025، بفعل عوامل متعددة بينها عدم الاستقرار السياسي وأمن الطرقات في بلدان العبور. وبحسب تقارير متقاطعة صادرة عن المنظمات الدولية المهتمة بالموضوع، فإن المهاجرين يشقون طريقهم حاليا في ظروف مزرية ومحفوفة بالمخاطر، نحو “النعيم الأوروبي” عبر خمسة مسالك معروفة، هي:
1- الطريق المتوسطي المركزي: كان هذا الطريق البحري تاريخيا الأكثر ترددا للمواطنين الأفارقة للوصول إلى أوروبا، ويمر عبر ليبيا وتونس. لكنه يشهد حاليا انخفاضا في الإقبال عليه بنسبة 70%، بسبب الاعتراض الواسع للمهاجرين غير الشرعيين من قبل حرس الحدود التابع لبعض الدول الأوروبية، وبشكل رئيس بسبب ارتفاع عمليات الترحيل للموقوفين نحو دول شمال أفريقيا.
2- الطريق الأطلسي: أصبح هذا الطريق أكثر الطرق نشاطا حاليا للعبور غير الشرعي من أفريقيا إلى أوروبا، حيث تم اعتراض 36.000 مهاجر أفريقي في عام 2024. ويربط هذا الطريق مالي وغينيا، مما يعكس ارتفاع مستويات القمع وانحسار فرص العيش تحت حكم أنظمة الانقلابيين في دول منطقة الساحل.
3- الطريق الشرقي: رغم أن هذا الطريق شهد انخفاضا بنسبة 54% في حجم الهجرة غير الشرعية العابرة له، بشكل رئيسي بسبب الصراعات العسكرية وتعزيز عمليات حراس السواحل في سواحل المنطقة، إلا أنه يظل طريقا مهما للمهاجرين من شرق أفريقيا. ومع ذلك، فإن معظم حركات الهجرة في القرن الأفريقي هي مدفوعة بالعمل الموسمي قصير الأجل عكس الطرق الأخرى.
4- الطريق الجنوبي: يمثل هذا الطريق 7 إلى 8% من مجموع حجم الهجرة من شرق أفريقيا نحو أوروبا، ويتعلق بشكل أساسي بالسودان. ومع ذلك، فإن الصراع في السودان قد خفف بشكل كبير من الهجرة الشمالية بين الأفارقة الشرقيين.
5- الطرق عبر الصحراء الكبرى: يعبر هذه الطرق المهاجرون الذين يسافرون شمالا من دول أفريقيا جنوب الصحراء، غالبا عبر النيجر وليبيا. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لقمع محاولات الهجرة غير الشرعية، خاصة في ليبيا، لا يزال العديد من المهاجرين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر هذا الطريق الشديد الخطورة.
مستويات غير مسبوقة
لقد باتت كثير من طرق الهجرة غير النظامية المعروفة تنتهي في موريتانيا، في انتظار العبور النهائي إلى جزر الكناري الإسبانية. وعلى الرغم أن قوارب المهاجرين تنطلق من دول غرب أفريقية أخرى (مثل السنغال وغامبيا) نحو تلك الجزر، إلا أن موريتانيا أصبحت على ما يبدو وجهة مفضلة للمهاجرين غير النظاميين. فوفقا لإحصائيات “مرصد أطلس الساحل” الموريتاني المتخصص في متابعة قضايا الهجرة، بلغ عدد المهاجرين الواصلين من سواحل موريتانيا إلى جزر الكناري أكثر من 40 ألفا خلال العام 2024، مقارنة بـ31 ألف شخص خلال العام الذي سبقه. وهي أرقام تقل نسبيا عن تلك التي أعلن عنها الأمن القومي الإسباني في تقريره قبل أسبوع.
فتقرير الأمن القومي الإسباني المذكور، يكشف بأن تلك الأرقام التي نقلناها عنه أعلاه، تأتي في إطار سنة سجلت رقما قياسيا في عدد المهاجرين غير النظاميين عبر البحر، حيث وصل العدد الإجمالي إلى 61.372 مهاجرا، بزيادة تزيد على 10% مقارنة بسنة 2023. وهو ما جعل جزر الكناري تسجل ارتفاعا في توافد المهاجرين، بنسبة 17.4% مقارنة بالعام الذي سبقه وبواقع 46.843 مهاجرا.
ويحذر التقرير، الذي يصدر سنويا عن هيئة تابعة لرئاسة الحكومة الإسبانية، من أن ضغط الهجرة قد يستمر في التصاعد مستقبلا على جزر الكناري، نظرا للأوضاع الأمنية المتوتر في منطقة الساحل، وخاصة في مالي المجاورة لموريتانيا، والتي تعاني من اضطرابات أمنية معقدة، ومن تداعيات وجود روسي مؤثر، بحسب وصف التقرير.
ويسجل المصدر ذاته في سياق ذلك، أن موريتانيا التي تستضيف عددا كبيرا من اللاجئين الماليين، قد شرعت في تطبيق سلسلة من الإجراءات لمراقبة حدودها مع مالي للحد من تدفقات الهجرة. غير أن نتائج هذه الإجراءات لن تكون ملموسة إلا على المدى المتوسط. ويرجع تقرير الأمن القومي الإسباني الزيادة في إلى ما يسميه “تحوّل في الطرق التقليدية”، في أعقاب تسجيل إغلاق جزئي في ممرات الهجرة من وسط المتوسط إلى أوروبا، خاصة من ليبيا وتونس، وهو ما دفع المهاجرين إلى سلوك طريق المحيط الأطلسي عبر دول مثل موريتانيا، والسنغال، وغامبيا.
في المقابل، حسب التقرير نفسه، شهدت أرقام المهاجرين غير النظاميين الوافدين من المغرب والجزائر تراجعا طفيفا، خصوصا في ظل تشديد المراقبة الحدودية وتعزيز التعاون الأمني من سلطات هذين البلدين مع مدريد. وتبعا لذلك، سجل التقرير أيضا تحوّلا في التركيبة السكانية للمهاجرين، حيث بات القادمون من دول أفريقيا جنوب الصحراء يشكلون 72% من المهاجرين غير النظاميين عبر البحر، في مقابل 62% في عام 2023. بينما تراجع المهاجرون المغاربيون، وخاصة منهم المغاربة، الذين شكلوا تاريخيا النسبة الكبرى في هذا النوع من الهجرة.
وكشف التقرير أن أبرز الجنسيات التي وصلت إلى إسبانيا عبر البحر هذا العام (2025)، هي الماليون (15.261)، والسنغاليون (11.824)، والجزائريون (9.552)، والمغاربة (6.945)، موضحا أن عدد طلبات الحماية الدولية المقدمة من مهاجرين قادمين من منطقة الساحل في ارتفاع مستمر.
هل فشل رهان أوروبا؟
غالبا ما يستخدم المهربون قوارب الصيد التقليدية، المعروفة باسم الزوارق، لعبور المحيط الأطلسي، على الرغم من سعتها المحدودة. وتُعد هذه المعابر بالغة الخطورة، إذ تُسفر عن وفيات في البحر وعمليات طرد جماعي للمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى إلى موريتانيا. ووفقا للأمم المتحدة، كان عام 2023 العام الأكثر فتكًا بالمهاجرين منذ عشر سنوات، واستمر هذا الاتجاه في عام 2024، حيث سُجّلت ما لا يقل عن 8938 حالة وفاة على طرق الهجرة حول العالم، ما يجعله العام الأكثر فتكا على الإطلاق. ومع ذلك، يُقدر الاتحاد الأوروبي أن 239 ألف مهاجر غير نظامي حاولوا عبور حدود المنطقة في 2024، بانخفاض قدره 38% مقارنة بعام 2023.
في عام 2024، أثرت قضية المهاجرين غير النظاميين بشكل كبير على موريتانيا، فأبرمت اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية في 7 مارس 2024، أثارت جدلا واسعا في البلاد. وتنص الاتفاقية على منع تدفق المهاجرين نحو أوروبا وإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى الدول التي قدموا منها، بما يتماشى مع “استراتيجية توسيع الحدود” التي يطبقها بالفعل في تونس وتركيا على وجه الخصوص. ومن جانبه أكد الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني استعداد بلاده للتحرك ضد الهجرة غير الشرعية. وشدد على كون بلاده “ملتزمة بشكل كامل” إلى جانب إسبانيا والاتحاد الأوروبي في مواجهة تدفقات الهجرة غير النظامية”. وبموجب هذه الاتفاقية، تحصل موريتانيا على مساعدات تتجاوز 500 مليون يورو مقابل إيوائها المهاجرين ومنعهم من الهجرة إلى أوروبا. ومع ذلك، ورغم كل الجهود، فقد ازداد عدد الوافدين إلى جزر الكناري الإسبانية بشكل ملحوظ، حيث وصل ما يقرب من 12400 مهاجر خلال الفترة بين يناير ومارس فقط من العام الجاري.
للتذكير، فوفقا للمفوضية الأوروبية، فإن ما يقرب من ربع سكان منطقة الساحل البالغ عددهم 94 مليون نسمة، يحتاجون حاليا إلى المساعدات الإنسانية والحماية، أي أكثر بعشرة ملايين عن عام 2020. معظمهم من النساء والأطفال. وتتلقى موريتانيا تمويلاً من إسبانيا منذ سنوات للسيطرة على الهجرة إلى الجزر، حيث تدفع مدريد سنويا 10 ملايين يورو لنواكشوط لـ “تدريب وتجهيز قوات خفر السواحل”. وفي المقابل، وافقت نواكشوط على استقبال المهاجرين الذين دخلوا جزر الكناري بطريقة غير شرعية ومنع مغادرة قوارب المهاجرين وتفكيك شبكات الهجرة السرية.
“موريتانيا في خطر”!
لا يمكن اتهام السلطات الموريتانية بالتقاعس في السعي إلى معالجة مشكل الهجرة غير النظامية التي ترزح تحت عبئها بلادها. فقد حاولت إعادة المهاجرين إلى دولهم، لكن اتضح أن تنفيذ ذلك بالغ التعقيد. فضلا عن أنها واجهت احتجاجات رسمية عنيفة من دول الجوار مالي والسنغال. وفي غضون ذلك، تتعالى تحذيرات المنظمات غير الحكومية المحلية من خطورة الهجرة غير النظامية على حاضر ومستقبل موريتانيا.
وفي وقت تشكل موريتانيا منطقة عازلة جديدة، تَحُول دون وصول المهاجرين الراغبين في الوصول إلى أوروبا عن طريق جزر الكناري، فإن الوضع ─بحسب تقرير صادر عن “مرصد أطلس الساحل” الموريتاني المتخصص في شؤون الهجرة بشمال أفريقيا─ قد بلغ درجة الخطورة. إن “أمر خطير للغاية، لأنه دليل على ما تستطيع عصابات المافيا والجريمة المنظمة أن تفعله في منطقتنا. فالأمر لم يعد يقتصر على المهاجرين الأفارقة، بل إن ظاهرة الهجرة بدأت تأخذ أبعادا جديدة”. وتشير تقارير الإعلام الموريتاني بهذا الصدد، إلى أن من بين مئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين المقيمين في البلاد، يوجد عدد غير قليل من الوافدين من باكستان وبنغلادش والهند وسوريا.
ويضيف المرصد في تقريره محذرا بأن “هذا الأمر يجب أن يدق ناقوس الخطر، لأننا أمام خطر حقيقي، ويجب علينا التحرك سريعا وتتضافر الجهود لمواجهته، قبل أن يتحول إلى كارثة حقيقية تهدد الأمن والعيش المشترك في موريتانيا”. وما لا يقوله المرصد وسبق أن كشفته تقارير دولية وموريتانية متعددة، هو أن توازن التركيبة السكانية للبلاد (موريتانيا مكونة من مزيج من السودان والبيضان) بات مهددا. وكمثال على ذلك، أصبحت مدينة نواذيبو، التي تمثل القلب الاقتصادي النابض، والواقعة على الساحل الشمالي الغربي لموريتانيا، مركزا لاستقرار الهجرة ومدينة عبور، بحيث يقطنها حاليا حوالي 30 ألف مهاجر إلى جانب عدد سكانها البالغ 140 ألف نسمة.
وبينما تتضارب التقديرات الرسمية الموريتانية حول العدد الحقيقي للمهاجرين واللاجئين المتواجدين في البلاد، خلق مرصد أطلس الساحل غير الحكومي الصدمة لدى الإعلام الإسباني عندما أعلن مؤخرا بأن السلطات الموريتانية “تمنع مليون مهاجر غير نظامي من الوصول إلى جزر الكناري”. وإذا كان هذا الرقم صحيحا، فمعنى ذلك أن عدد المهاجرين بات يعادل ربع سكان موريتانيا!
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس