أفريقيا برس – موريتانيا. كأن انتخابات موريتانيا العامة قد بدأت، مع أن أشهرا ما زالت تفصل عنها، وهو ما يتجلى في سخونة الحراك السياسي، وظهور أطراف معارضة ضاغطة لن تقبل إلا بانتخابات شفافة، إضافة لمقالات وتدوينات كتابها قلقون إزاء ما سيكتنف المشهد قبل وبعد الانتخابات المنتظرة في مايو المقبل.
ومن بين الشواغل الكثيرة، قضيتان تشغلان أحزاب وساسة ومدوني موريتانيا هذه الأيام، هما قضية الترحال الانتخابي خلال عمليات التقييد الجارية على القائمة الانتخابية، والثانية هي سيطرة المال السياسي الواضح من خلال شراء الأثرياء للأرقام الأولى في القوائم التي ترشحها الأحزاب الفقيرة، وهي قضية فرضها منع الترشح المستقل خارج الأحزاب.
وأكد حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المحسوب على الإخوان والذي يتصدر بمنتسبيه وقوة تنظيمه أحزاب المعارضة، “أنه يتابع بقلق بالغ وباهتمام ما شاب عمليات التسجيل على اللائحة الانتخابية من استغلال فج من قبل البعض (إشارة للحزب الحاكم) لفرصة التسجيل عن بُعد، بهدف تغيير الخريطة الديمغرافية للعديد من الدوائر الانتخابية من خلال إغراق لوائحها الانتخابية بناخبين لا علاقة لهم بها، بل وربما لم يروها من قبل وهذا مطابق تماما لما يعرف بظاهرة الترحال الانتخابي”.
ويضاف إلى هذه الممارسة، حسب بيان نشره الحزب، ما ذكر أنه “تواتر من حدوث تسجيل واسع بالإنابة”.
“إننا في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، يضيف البيان، إذ نلفت انتباه الرأي العام الوطني إلى الانعكاسات السلبية البالغة لمثل هذه الممارسات على نزاهة وشفافية العملية الانتخابية برمتها في البلد لنؤكد شجبنا لعمليات التهجير الانتخابي التي طالت عشرات البلديات في الداخل علاوة على بعض بلديات العاصمة، حيث تعتبر حالة مقاطعة واد الناقة (شرق العاصمة) من أبرز الأمثلة الصارخة على ذلك، وهي حالة تستحق فتح تحقيق عاجل بشأنها”، حسب تعبير الحزب.
وأضاف الحزب “نعرب عن خشيتنا من أن ينتهز المتنفذون من رجال السلطة وغيرهم فرصة التمديد الحالي لمواصلة عمليات التهجير والتأثير على الإرادة الحرة للناخب في اختيار من يمثله دون فرض أو إلغاء”.
ودعا حزب التجمع “السلطات لتحمل كامل المسؤولية في وقف هذه الظاهرة واحترام القانون المتعلق بمعايير اختيار مراكز التصويت التي من أهمها وجود ساكنة حقيقية قاطنة بصفة مستمرة ومنشأة عمومية تستضيف مراكز الاقتراع”.
ووجه الحزب نداء “لكافة القوى الوطنية الحية للوقوف بقوة وحزم في وجه هذه الممارسة المنافية لكافة النظم والأعراف الديمقراطية، لما تؤدي إليه من تلاعب بالإرادة والاختيار الحر للمواطن”.
وعلق المفكر الإسلامي البارز محمد جميل منصور على ظاهرة التهجير الانتخابي قائلا “هذه فضيحة للدولة وللسياسة وللأحزاب: مناصب انتخابية للبيع، تسجيل وتهجير؛ وأهل المال والأعمال في الصدارة، تغيير الساكنة وإفساد كل معنى للتمثيل والنيابة؛ أوقفوا هذه المهزلة، فلا المعبر عنه هو الساكنة، ولا المعبر عنهم منهم”.
وتحت عنوان “الوجه الآخر للنسبية.. التشرذم”، كتب الوزير محمد فال ولد بلال الرئيس السابق للجنة المستقلة للانتخابات، معربا عن قلقه إزاء ما قد تسفر عنه الانتخابات القادمة.
وقال “أخشى ما أخشاه هو أن تسفر الانتخابات القادمة عن “كيان مشوه”.. عبارة عن مخلوق غريب، له 91 رأسا وبلا أطراف، واسع الجيب، وممتلئ المحفظة؛ برلمان يتكون من 91 رأس لائحة معظمهم تجار و رجال أعمال، اشتروا “الرقم الأول” من حزب “فقير”، و”أوصال التسجيل” من مواطن مسكين، ودخلوا البرلمان على ظهر النسبية”.
وأضاف “كلنا ندري أن “المال” و”القبلية” شرٌّ لا بد منه، ودورهما قديم؛ ولكنهما بلغا حدا مخيفا في ظل العشرية الماضية، فكل شيء صار للبيع: رأس اللائحة وأنفها وأذنها (الرقم الأول والثاني والثالث)، وأوصال التسجيل، وجموع المصفقين والداعمين لترشيح فلان، أو إقصاء علان، إلخ.. فالأمر ليس بالجديد، ولكنه أصبح أكثر فتكا بسبب تقليص عدد الأحزاب من 100 إلى 25′′.
“في سياق كهذا، يقول الوزير بلال، أخشى ما أخشاه أن يخرج علينا برلمان غامض الهوية، بلا لقب مميِّز ولا وصف محدد، لا هو فاعلٌ حقا، ولا هو مفعول به تماما، يتكون من شظايا ميزان، ونخلة، وفرس، ومفتاح، ومشعل، وسلّم، وثور، وأنواع أخرى من الشجر والحيوانات؛ برلمان يحمل صور الأحزاب وشعاراتها، وتغيب عنه برامجها وأفكارها”.
وقال “تشير معظم الدلائل إلى أنه سيكون برلمانا مبعثرا ومشتّتا ومقطع الأوصال، فيه 20 رأس لائحة مختلطة؛ و20 رأس لائحة نساء؛ و11 رأس لائحة شباب، و21 رأس لائحة في نواكشوط، أي ما مجموعه 91 من رؤوس اللوائح موزعة بين 25 حزبا، وهو ما يقارب ثلثي أعضاء البرلمان”.
“ما أريد الوصول إليه باختصار، يقول الوزير بلال، هو أن “النسبية” لها فوائد وسيئات، فإذا كانت تسمح بتوسيع دائرة المشاركة، وتعزز فرص التمثيل، و تعطي حظوظا أوفر للأقليات والأحزاب الصغيرة في الحصول على مقاعد، فإنها مع ذلك تساهم في تفكيك وتجزئة الإرادة الجماعية للأمة، وهي تؤدي إلى تقويض و تمييع مشيئة الشعب والوطن، أخشى أن نكون قد تجاوزنا الحدّ السليم في التوازن بين نظام الأكثرية ونظام النسبية في محاولاتنا الدائمة لإرضاء الكُل، والركض وراء إجماع مستحيل على حساب القوة الناجزة والفاعلية”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا اليوم عبر موقع أفريقيا برس