الموريتانيون يتعاطفون مع إيران في حرب الصواريخ

1
الموريتانيون يتعاطفون مع إيران في حرب الصواريخ
الموريتانيون يتعاطفون مع إيران في حرب الصواريخ

عبد الله مولود

أفريقيا برس – موريتانيا. في الوقت الذي تتسارع فيه التطورات في الشرق الأوسط، وتتصاعد حدة الصراع بين إيران وإسرائيل وسط تبادل الضربات الصاروخية، يعيش الرأي العام الموريتاني حالة من الانشغال العميق بهذه الحرب المشتعلة. وقد أظهرت مؤشرات عديدة، في الإعلام ووسائل التواصل وداخل المساجد، أن المزاج الشعبي الموريتاني يتجه نحو تعاطف متزايد مع إيران، بوصفها طرفًا «مقاومًا» في وجه الاحتلال الإسرائيلي، فيما تبقى القلوب معلّقة بغزة، الجرح النازف الذي لا يندمل.

وعكس هذا التفاعل العاطفي والسياسي مع الأحداث البعيدة، امتداد القضية الفلسطينية في وجدان الموريتانيين، وارتباطهم العميق بمآسي الأمة الإسلامية وقضاياها الكبرى.

وأثارت حرب الصواريخ المشتعلة حاليًا بين إيران وإسرائيل ردود فعل واسعة في موريتانيا، تراوحت بين بيانات رسمية منددة، ومواقف حزبية وشعبية متعاطفة بقوة مع طهران، في مقابل نقاش فكري محتدم حول طبيعة العلاقة مع الجمهورية الإسلامية وحدود التضامن معها وما يمثله ذلك من انعكاس لماضي علاقاتها مع العراق.

وعبرت الحكومة الموريتانية عن إدانة شديدة لما وصفتها بـ»الهجمات الإسرائيلية» على الأراضي الإيرانية، واعتبرتها «انتهاكًا لسيادة إيران وخرقًا صريحًا لميثاق الأمم المتحدة».

ودعت نواكشوط المجتمع الدولي إلى التحرك لوقف التصعيد والعمل على حل النزاعات في المنطقة بالوسائل السياسية السلمية.

وفي السياق ذاته، أصدر حزب الإنصاف الحاكم بيانًا قويًا ندد فيه بـ»الاعتداء الإسرائيلي» على إيران، معتبرًا أنه يمثل تطورًا خطيرًا في المنطقة، مجددًا تضامنه مع الشعوب التي تتعرض للعدوان، وتمسكه بثوابت السياسة الخارجية الموريتانية الداعية إلى احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في شؤون الغير.

واللافت أن المواقف الرسمية تزامنت مع موجة تضامن شعبي واسعة، تمثلت في تدوينات نشطاء ومدونين، وبيانات صادرة عن قوى سياسية ومجتمعية، أبرزها حزب «الفضيلة» الذي عبر عن «وقوفه صفًا واحدًا مع إيران قيادةً وشعبًا»، واعتبر أن الهجوم يأتي ضمن «سياق متصل لعدوان الاحتلال على غزة والمنطقة برمتها».

وأكد حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (محسوب على التيار الإسلامي) «أن العدوان الذي شنته إسرائيل على إيران «لن يزيد الأمة إلا صمودًا وتشبثًا بالحق الراسخ أيًا تكن التضحيات والأثمان الكبيرة المبذولة في سبيله».

وعبر الحزب عن إدانته لاستهداف إيران، مطالبًا «القوى الحية في الأمة ولكل أحرار العالم للتعبئة والوقوف صفًا واحدًا في وجه عدوان الكيان الغاصب ومخططاته الشريرة التي تريد الاستفراد بقوى الأمة الناهضة».

وأضاف: «نعلن تضامننا الكامل مع الشعب الإيراني المسلم ومواساتنا له في هذا الظرف الدقيق والحساس وهو يواجه يد البطش الصهيونية الآثمة التي تضرب في كل مكان».

وعبر الحزب عن استهجانه لـ»موقف ما يسمى بقوى الشرعية الدولية واصفًا الموقف بأنه «موقف المتفرج والمتخاذل إزاء ما يجري»، محذرًا من أن العجز عن معاقبة هذا الكيان المعتدي سيجرّ العالم وبتمالؤ من بعض القوى الكبرى إلى حرب عالمية جديدة سيكتوي بشررها الجميع».

كما أدانت «المبادرة الطلابية الموريتانية لمناهضة الاختراق الصهيوني» الهجوم، ووصفت إسرائيل بـ»العدو المجرم»، مؤكدة وقوفها مع الشعب الإيراني في محنته، ومشددة على أن هذا العدوان الجديد يكشف مجددًا عن الطبيعة العدوانية للكيان الصهيوني، وتواطؤ الغرب معه.

وفي هذا السياق، قال المفكر الإسلامي البارز والرئيس السابق لحزب «تواصل»، محمد جميل منصور، إن الوقت «ليس وقت الحديث عن أخطاء إيران ولا مجال فيه للشماتة»، مضيفًا أن «دعم إيران ضد العدوان الصهيوني الغاشم متعيّن، والتردد فيه غير وارد».

ولفت ولد منصور إلى أن «التطورات متسارعة وتأثيراتها بلا حدود»، داعيًا إلى تبني موقف مبدئي ينسجم مع مقتضيات المرحلة وخطورة ما يجري.

أما الكاتب الصحافي المعروف سيدي علي بلعمش، فقد نشر مقالًا ناريًا بعنوان «قلوبنا مع إيران»، هاجم فيه بشدة إسرائيل وأمريكا، واعتبر أن الحرب تستهدف «إسقاط النظام الإيراني خدمة للمشروع الصهيوني»، داعيًا السلطات الموريتانية إلى موقف تاريخي يتمثل في فتح حدودها ومطاراتها أمام إيران، كدليل عملي على التضامن والموقف الأخلاقي، حسب تعبيره.

ويعكس هذا الزخم غير المسبوق في التفاعل الموريتاني مع الهجوم على إيران يعكس، بحسب متابعين، عمق التحول في الوعي الجمعي تجاه الصراع في المنطقة، وانخراطًا وجدانيًا واسعًا في قضايا العالم الإسلامي، لا سيما في ظل التواطؤ الغربي وتواصل العدوان الإسرائيلي على غزة منذ شهور.

ولم تؤد المسافة الجغرافية، ولا الأزمة المعيشية المحلية، ولا الملفات الداخلية الساخنة، لصرف أنظار الموريتانيين عن المشهد المشتعل في الشرق الأوسط، حيث الحرب الصاروخية بين إيران وإسرائيل.

فمنذ لحظة انطلاق أول دفعة من الصواريخ الإيرانية نحو أهداف إسرائيلية، تحولت ساحات الفيسبوك وتويتر في موريتانيا إلى ساحة حرب مصغّرة، تتقاذفها عبارات النصر، وتغمرها التحليلات، وتنفجر فيها السجالات الأيديولوجية.

وبدا المشهد على المنصات وكأن موريتانيا تخوض الحرب إلى جانب إيران. منشورات متلاحقة، وتبادل موسع لمقاطع فيديو ملتهبة، وصور لقادة «الحرس الثوري» تغزو الصفحات الشخصية، تتخللها تدوينات من شعراء ومدونين وكتاب رأوا في الرد الإيراني «صوت الحق الذي جاء متأخرًا لكنه جاء بقوة»، فيما كتب ناشط بارز: «شكرًا إيران تنتقم لنا، وتقول لإسرائيل إن دماء أطفال غزة ليست ماءً».

لكن هذا الطوفان من الدعم لم يكن دون معارضة، فقد أطلق بعض الرموز المحسوبين على التيار القومي البعثي موجة انتقادات حادة لطهران، متهمين إياها بـ»استغلال قضية فلسطين لخدمة أجندتها الطائفية». وتداول نشطاء على شبكة التواصل مقاطع فيديو ينتقد فيها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ما اعتبره تقاصرًا إيرانيًا كبيرًا عن نصرة فلسطين.

ومع تصاعد هذه المواقف، اشتعلت السجالات في التعليقات بين أنصار إيران الذين يرون فيها «الوحيدة التي تجرأت على مواجهة إسرائيل فعليًا»، وبين خصومها الذين لا يرون فيها إلا «وجهًا آخر للتطرف الطائفي».

وأخذ هذا الجدل طابعًا فكريًا أعمق في بعض التدوينات، فبينما اعتبر البعض أن المرحلة تتطلب الاصطفاف «مع من يضرب إسرائيل»، رأى آخرون أن التبعية الشعورية لأي محور دون تمحيص، «خيانة لوعي الأمة». ورغم أن الأوضاع المعيشية في الداخل لا تزال صعبة، والمطالب الاجتماعية قائمة، إلا أن المزاج العام على الفيسبوك بدا وكأن موريتانيا معلّقة بحبلٍ موصول بطهران.

وهكذا بدا أن الحرب بين طهران وتل أبيب ليست بالنسبة للموريتانيين مجرد صراع إقليمي بعيد، بل تحولت إلى محور اهتمام وتحليل وتعاطف شعبي واسع، اتخذ بعدًا وجدانيًا وسياسيًا في آن معًا.

وبينما يتابع الموريتانيون تفاصيل القصف والردود العسكرية على شاشات التلفزة وصفحات المواقع الاجتماعية، يظل وجدانهم موصولًا بغزة، وأملهم معلّقًا بانتصار الحق على آلة البطش.

هكذا، تعيد الحرب في الشرق الأوسط تشكيل أولويات النقاش العام في بلد يبعد آلاف الكيلومترات عن ساحة المعركة، لكنه قريب، كل القرب، من وجع فلسطين ونبض قضايا الأمة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس