اللعبة السياسية عندنا لا حدود لمحاولات كسبها و لا نهاية لمحاولة طبعها بطابع المنتصر وقد تمكنت فرق كسب النصر الأخير من انتاج لعبة سياسية معقدة ومتعددة الحلقات استساغتها كل الاطراف وفسرها الجميع من زواياه وحسب قراءته وتماشيا مع ما يأمله ويطمح اليه لذالك كان من السهل تصديق الشعارات التي هي في حقيقتها مجرد طعم اصطيدت به انواع نادرة ظلت محتمية بحيدها المرجاني شاردة من كل انواع التقارب حتى عبر الحوار وحينما تمكنت غرفة عمليات الجذب والقنص والاغراء من تأكيد جدوائية خطتها الاخيرة القائمة على افتعال اختلاف الفريق قصد فتح ثغرات لدخول كل اللاعبين داخل الحلبة التي يسيرها الفائز الاخير و التي تحاول اظهار البطل الخارج لتوه من معركة تثبيت اركان النظام الديمقراطي اظهاره وكأنه عدو لدود حتى تطمئن الوفود الجديدة على ان الغاية واحدة والأهداف مشتركة والعدو واحد وهو ما يتطلب جدية مؤازة المسيّر الجديد ودعمه والتغاضي عن اخطائه وتبريرها ان لزم الامر وهو ما يعني بلغة الواقع وقوع الطريدة في قبضة الصياد الذي اتقن عملية تهيئة ارضية المطاردة وأمن تفسير كل القراءات لصالحه وحشر خصوم الأمس حلفاء اليوم في زاوية لا تتيح الكثير من حرية المناورة اضحت صورة الفريق كالمعلقة ترقب بتوجس وتدعوا الله جهرا وسرا ان لا تصدق هذه القراءة .
القراءة الثانية هي التي عبر عنها الواقع وأكدتها تجلياته وهي ان الرفيق وقائد الجيوش والوزير والمرشح الفائز انقلب على رفيقه وبدل جلده وتمكن من تغيير حمضه النووي حينما قرب عداء القائد المنصرف ونشر غسيله ونثر ما بجعبة القوم عنه وعن عشريته وكلف معارضة الامس و مردة الحزب الحاكم ومن لحق بركبهم من المهجّرين والمهاجرين و المغتربين و من هرب او هرب ومن حوسب على اخطاء ارتكبها او من طبقت عليه قوانين الفساد واسترجعت منه الخزينة أموال الشعب وكل الذين استأثروا بالمناصب الوظيفية والسياسية وزاحمتهم جموع الوافدين الجدد الذين خرجوا للعلن وصدحت حناجرهم رفضا للواقع ومطالبة بالمساواة، كل هذه الاصناف على اختلافها شكلت خلية نحل وبؤرة مدد للجنة البرلمانية التي كانت رأس الحربة كما لعب بعضهم دور المحقق الخاص الذي يتتبع ممتلكات القائد المتهم وأسرته ويتولى بث اخباره والتشهيربه واصدار الحكم عليه قبل ان تصل ملفاته عدالة الجمهورية .
القراءة الثالثة هي مزيج من سابقتيها غير ان رأس النظام فيها اختطفته مجموعات سياسية ظلت خارج دوائر التأثير الرسمي الى ان فتحت لها المناسبة السياسية الأخيرة منافذ قفزت بها الى هرم السلطة وتمكنت من كسب تعاطف بعض مراكز القرار في مؤسسة الرئاسة فبدأت تمهد الطريق لتفكيك النظام الفائز من الداخل بعد ان استعصت عليها هزيمته خلال المواجهات السياسية السالفة ، فنجحت في تكليف بعض عناصر النظام بخلق ازمة المرجعية و اقنعت الرئيس بكسب الطيف السياسي المعارض بحجة تأكيد شعارالإجماع الوطني ولو على حساب الإخلال بالنظام الديمقراطي الذي يتطلب وجود اغلبية فائزة ومعارضة تراقبها عن كثب وتزود الرأي العام بإخافاقات تسيير الأغلبية الحاكمة لشأنه وحينما نجحت في بث الريبة بين صفوف الفريق الحاكم خصم الامس وجدت ضالتها في تازيم الوضع الداخلي من خلال اتهام قائد الاغلبية بالامس واسرته وتفننت في انتاج القصص وتهويل البسيط وترويج تأكيد ارتكاب كل الذنوب خلال العشرية وكأن كل اطر العشرية إما شركاء في الجرم او اغبياء في تسيير الشأن العام فملفات الإتهام كلها شاركت فبها حكومات وبرلمان العشرية وزكاها الجميع وهي اليوم غاب قوسين من الجهاز القضائي .
القراءات الثلاث تشكل الغلاف الجامع للوضع السياسي الداخلي الذي يتأثر بالاوضاع الخارجية بشكل كبير ومباشر فأزمة الشمالي المالي بركان ثائر باستمرار يلبد دخانه سماء المنطقة بأكملها كما ان الحدود الشمالية تلهبها احداث ” ثغرة الكركرات ” وتواصل استنفار الجيوش في منطقة أوضاعها الداخلية تضغط في اتجاه المواجهة المسلحة ؛ في هذه الحالة البلد تحاصره الأزمات على الحدود والجوائح من الداخل وغموض مصير الحلفاء في ظل التغيير الديمقراطي الأخير في سيدة العالم ” امريكا ” فهل نحن امام وضع يتطلب توحيد الجبهة الداخلية كي يتسنى مواجهة الاحتمالات الأسوأ ، ام اننا نمر بمرحلة مخاض جديد لنظام ديمقراطي عشائري شرائحي مافيوي فريد في المنطقة والعالم … ؟
