أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. موريتانيا، التي تصنف ضمن القائمة الرئيسية لمؤشر أمن الصحفيين، تعاني في الآونة الأخيرة من إشكالات حقيقية يرى المتابعون أنها تمس صميم الحريات الصحفية في البلاد، بالإضافة إلى حالة الفوضى والتمييع، وغياب التشريعات الرادعة للنافذين ورجال الأعمال والسياسيين من انتهاك حريات الصحفيين من جهة، أو انتهاك الصحفيين لأخلاقيات المهنة ومقتضياتها من جهة أخرى.
ومع موجة التذمر هذه، يشكو الإعلام الموريتاني والإعلاميون من تحديات كبرى تتعلق بالفوضوية والميوعة، وتدني الرواتب وضعف التشريعات القانونية، أو عدم فاعليتها في الواقع، إضافة إلى غياب أهل الكفاءة والأهلية وامتلاء الحقل بالهواة ومن لا خبرة لديهم في الممارسة والتطبيق والتمثل لقيم الإعلام الحقيقي الجاد.
وقد تكشفت هذه الحالة المنذرة بتدهور حقيقي في المجال عن حالات متكررة أثارت لغطاً كبيراً في الشارع الموريتاني، كان آخرها الاعتداء في الأيام الماضية على الصحفي الموريتاني حنفي ولد الداهاه، مالك قناة (TTV) الخاصة، أمام القناة بعد خروجه من برنامج تلفزيوني مباشر تبثه القناة.
وجرياً على خلاف العادة، وفي سابقة من نوعها، أحالت النيابة العامة في نواكشوط الغربية الرجل الموريتاني زين العابدين ولد صدفة إلى قاضي التحقيق مع طلب إيداعه السجن، وذلك بعد العراك الذي دار بينه وبين الصحفي حنفي ولد الدهاه. وقد أدى الشجار إلى آثار مادية، حيث ظهر الصحفي ولد الدهاه في ثوب ملطخ بالدماء.
وقد أثار ذلك موجة من ردود الفعل بين الناشطين الموريتانيين على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أن الحادث كان رداً على تهم سابقة تتعلق بالفساد وجهها مدير قناة “(TTV)” لرجل الأعمال المذكور، فيما اعتبر آخرون أن الحادث ينذر بحالة من التردي وتدهور الحريات، وأن العنف هو عمل مستهجن وتعدٍ سافر على الكرامة واستهتار بالقوانين والنظم الرادعة.
كانت مؤسسات إعلامية موريتانية، ونقابات، وأحزاب سياسية، وشخصيات وازنة قد عبرت عن تعاطفها مع الصحفي حنفي ولد الداهاه.
وتتكرر عمليات من هذا القبيل وحالات الاعتداء على الصحفيين في موريتانيا بين الحين والآخر، وهو ما دفع بعض الناشطين إلى المطالبة بضرورة قيام السلطات بدورها والوقوف أمام ما أصبح ظاهرة مألوفة في البلاد. ففي العام المنصرم، أحيل الصحفي عبد الفتاح ولد اعبيدنا إلى السجن بأمر من وكيل الجمهورية في نواكشوط الغربية، وذلك بعد يومين من توقيفه على خلفية صوتية تضمنت عبارات صادرة من الصحفي المذكور، اعتبرت حينها “مسيئة” لوزيرة العمل الاجتماعي صفية بنت انتهاه، والمواطن محمد ولد محمد لمين ولد بلخير.
كما أوقفت الشرطة الموريتانية الصحفي الشيخ ولد المامي على خلفية فيديوهات نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تهاجم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، ويقال إن المعني له علاقة بها. وتم في العام نفسه استدعاء المدون عبد الرحمن ولد ودادي للتحقيق معه بخصوص ما ورد في بث مباشر على فيسبوك حول طائرة غامضة دخلت الأجواء الموريتانية، يُقال إنها على علاقة بشبكات لتهريب المخدرات. وقد تحولت القضية لاحقاً إلى قضية رأي أشعلت حرباً على شبكات التواصل الاجتماعي وتجادل فيها المدونون، حيث أُثيرت حولها عدد من النقاشات حول مدى صدقيتها من جهة، أو اعتبارها اتهاماً يفتقر إلى دليل ضد أسرة أهل الشيخ آياه، إحدى الأسر الصوفية الثرية في البلاد من جهة أخرى. وتم على خلفية ذلك إيقاف المدون عبد الرحمن ولد ودادي واستدعاء عبد العزيز ولد الشيخ آياه، ليتم لاحقاً إغلاق الموضوع وسحب الشكوى.
وفي موضوع مشابه، أُوقف الإعلامي الموريتاني المقيم في قطر د. محمد ولد الشيخ بعد عودته إلى البلاد في ظروف غامضة. وقد طالبت نقابة الصحفيين في بيان لها السلطات الموريتانية بالكشف عن ملابسات هذا التوقيف. كما اعتقل الأمن الموريتاني الإعلامي والكاتب الصحفي أحمدو ولد الوديعة، ولم توضح السلطات للرأي العام أسباب الاعتقال حينها، مما أثار موجة تضامن واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي لتتم الإفراج عنه في وقت لاحق.
في عام 2021، أحال القضاء في انواذيبو الصحفي أحمد ولد محمد سالم إلى السجن المدني، وذلك بعد شكوى تقدم بها العمدة القاسم ولد بلال ضد الصحفي ولد محمد سالم وناشطين شبابيين. كما اعتقلت السلطات في عام 2018، صحفيين موريتانيين نتيجة شكوى تقدم بها ابن الرئيس السابق بدر ولد عبد العزيز بعد نشر الصحفيين أخبارًا عن إطلاقه النار على شخص يعمل لدى أسرته.
وحكمت الغرفة الجزائية بمحكمة نواكشوط الغربية حكماً سابقاً بالسجن لمدة سنة نافذة على الكاتب الصحفي محمد الحسن ولد لبات بعد اتهامه بنشر أخبار على خلفية شكوى تقدم بها رجل الأعمال الموريتاني زين العابدين ولد الشيخ أحمد.
وقبله تم توقيف المصور والمنتج التلفزيوني عبدو ولد تاج الدين، كما أُوقف الناشط والمدون محمد عالي عبد العزيز ووجهت إليه تهمة امتلاك وحدة لإنتاج مقاطع تحرض على العنصرية والكراهية.
كما تم توقيف الشاعر والصحفي الشيخ ولد نوح، رئيس تحرير موقع “تقدمي نت”.
وتعتبر الوقائع التي تصنف تضييقًا على الصحفيين أو استهدافًا لهم من قبل رجال الأعمال، أو ابتزازًا من قبل الصحفيين لرجال الأعمال، هي الأكثر حضورًا في المشهد الإعلامي الموريتاني. ويعزو المتابعون هذه الظاهرة إلى أسباب منها ضعف الرقابة على المجال، وتدني رواتب الصحفيين، ودخول المتسلقين وغير المهنيين.
وفي تصريح لموقع “أفريقيا برس”، قال الصحفي الموريتاني أبو بكر سالم تعليقًا على هذه الأحداث إن الأخلاقيات المهنية وروح الصحافة لا علاقة لها بما يجري من صراع بين الصحفيين ورجال الأعمال أو التجار أو الساسة والحقوقيين. فالصحفي عندما يُستخدم طرفًا في الصراعات وتصفية الحسابات، يصبح تلقائيًا منزوع الصفة المهنية حتى يعود إلى الالتزام بالأخلاقيات والضمير الصحفي. وعندما يكون الصحفي محسوبًا على طرف بعينه أو جهة، فإنه يفقد مصداقيته ويُعتبر شخصًا “يسترزق” بمهنة شريفة.
الإعلامية لمينة زيدان قالت إنها تعتقد أن المشهد الإعلامي يشهد حالة من الفوضوية والتشتت مما يؤثر سلبًا على المصداقية وجودة المحتوى. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها ضعف التكوين الصحفي، وانتشار الإعلام الإلكتروني غير المنظم، والهشاشة المؤسسية، وضعف الوسائل المادية، وضعف الرقابة، والافتقار لتفعيل القوانين التي تنظم المجال. وأضافت أن الحاجة إلى ضبط المشهد الإعلامي أمر مهم جدًا، خصوصًا مع التطور التكنولوجي المتسارع وسهولة انتشار المعلومات الكاذبة والمضللة، ويتطلب ذلك أمورًا من بينها تفعيل القوانين، وتعزيز قدرات الإعلاميين، والتربية الإعلامية للمرسل والمستقبل، وزيادة الدعم الحكومي للصحافة المستقلة.
وسبق لموريتانيا أن صُنفت في المرتبة العاشرة على مؤشر أمن الصحفيين، متجاوزة دولًا مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، فيما تعتبر الأولى على مستوى الوطن العربي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس