أحمد ولد صمبه لـ”أفريقيا برس”: أُعتقلت في ظروف صعبة، وعلمت بقرار الفصل بعد أسبوع

28
أحمد ولد صمبه لـ
أحمد ولد صمبه لـ"أفريقيا برس": اعتقلت في ظروف صعبة، وعلمت بقرار الفصل بعد أسبوع

أحمد إمبيريك

أفريقيا برس – موريتانيا. قال السياسي المعارض والقيادي السابق في حزب التحالف الشعبي أحمد ولد صمبه في تصريح لـ”أفريقيا برس”، إن الأزمة السياسية في موريتانيا لا يمكن أن تحل من خلال خطابات لا يعكسها على الواقع، وأشار ولد صمب إلى أن الأنظمة التي تعاقبت على الحكم فاقمت الأزمات داخل البلد، ولم تسعى إلى حلها ومعالجتها.

وكانت النيابة العامة لولاية انواكشوط الغربية قد أحالت ولد صمبه في وقت سابق إلى السجن على خلفية صوتية تم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي، انتقد فيها نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ثم أشفعت الحكومة ذلك بفصله من مهامه في وزارة الاقتصاد والمالية وذلك خلال مجلس الوزاء الذي عقد في أكتوبر الماضي، ليطلق سراحه لاحقا، وكان أحمد ولد صمبه يشغل منصب مفتش عام للمالية.

وقد تضمنت الصوتية عدم التغاضي عن وضعية الأرقاء السابقين في موريتانيا، والمستضعفين عموما، كما تضمنت انتقادات لولد الغزواني، وهو ما اعتبرته السلطات الموريتانية جريمة قانوينة وفقا لقانون الرموز، إضافة إلى كونه مساسا باللحمة الوطنية وتحريضا على التمييز حسب السلطات الموريتانية..

الظروف العامة التي جاء فيها الاعتقال والتجريد من المهام؟

أود في البداية أن أشكر موقع “أفريقيا برس”، وأقول إن الاعتقال جاء على خلفية صوتية نشرتها أندد فيها بالظلم والعنصرية والتمييز الذي تمارسه الحكومة الموريتانية على مكون “لحراطين” وعلى المستضعفين كافة، فتم استدعائي من طرف الكتبية المكلفة بالجريمة السبرانية، فذهبت إليها وأنا على يقين باعتقالي وقد حدث ما توقعت، اعتقلت في ظروف سيئة، فالسجن مكتظ ولا توجد فيه تهوية، ودرجة الحرارة مرتفعة إلى حد بعيد والطعام سيء هو الآخر، ولا يمكن تحمل تلك الظروف إلا من شخص مقتنع بمبادئه ومؤمن بها.

التجريد من الوظيفة علمت به بعد أسبوع من اتخاذ القرار حسب ظني، و كنت يومها على على انقطاع عن العالم الخارجي، حيث تم فصلي عن أهلي خلال الأيام الأول فلم ألتق بأحد منهم حينها، وبالتالي فإن القرارات التي اتخذت حينها لم أكن على علم بها ولكن الأمر لم يفاجئني بل كان متوقعا، وأتحمل تبعات ذلك ولا أراه أمرا مهما، فلا شيء سيحملني على ترك آرائي وقناعاتي والتعبير عن مواقفي السياسية، فالوظيفة لا تضيف إلي شيئا، والله هو الرزاق.

هل ترون حقا أن الشراكة السياسية والتنوع لازال دون المستوى؟

أرى أن الشراكة السياسية دون المستوى، فما يوجد في موريتانيا من الإقصاء والظلم والمحسوبية والزبونية والقبلية والعنصرية من وصفه بنظام الفصل العنصري “لابرتايد” لا يكون مبالغا، فالدولة اختطفتها أسر قليلة من الإقطاعييين يتقاسمون خيراتها لأنفسهم: المناصب، والوظائف والثروات؛ فالثروة البحرية فسمت على أسر قليلة ومثلها الزراعية والصفقات العمومية والمناصب وغيرها، تم تقسيمها على هذا المعيار، في الوقت الذي يتم فيه إقصاء الغالبية الساحقة من المجتمع الموريتاني، ويتخذ الإقصاء صورا متعددة: هناك إقصاء لبعض القبائل والتمكين للأخرى، وهناك إقصاء متعمد للحراطين إلا قلة قليلة يتم استدارار الدعم الخارجي بها، فالشراكة السياسية اليوم بعيدة كل البعد عما ينبغي أن تكون عليه، ودولة كموريتانيا -من دول العالم الثالث- نالت استقلالها وهي في وضعية حرجة من التراتبية والتفاوت الطبقي؛ كان ينبغي أن توضع آليات جادة وجريئة من شأنها القضاء على هذه المظاهر في البداية، وبشكل لا يضر البنية الاجتماعية، فالفئات التي تحمل مظالم تاريخية وتخلفا حياتيا ومعيشيا كان من الملح دعمها للحاق بالفئات الأخرى حتى يتشارك الجميع بناء الدولة الموريتانية على قدم المساواة، أما إعطاء الأولوية لبعض الشعب من خلال سياسات الأثرة وما أتاحه المستعمر لأبناء الشيوخ، في حين يترك النصف الآخر من الشعب للتهميش والتجهيل والبطالة والعزلة هذا بحد ذاته مؤد للسقوط.

فالظلم إذا بنيت عليه الدولة سيتضرر منه الجميع، سيتسع حتى يصل إلى المحيط الضيق للحاكم، واللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية هما الضامن الحقيقي للعبور إلى المستقبل، ولا يمكن أن نتصور وحدة وطنية في ظل ترقية الأنظمة للمسؤولين عن أحداث الإرث الإنساني خلال التسعينات ونهاية الثمانينات و تبوئهم المناصب العليا: كوزير الدفاع الحالي ولد حننا، ورئيس البرلمان الحالي أيضا، غير مقبول أن تستفز مجموعة من أبناء الشعب الموريتاني قُتل آباؤها وذووها ثم تطالبها بالأخوة الوطنية وأنت لم تعطهم حقهم من خلال إنشاء لجنة للمصالحة الوطنية تفضي إلى قناعة عميقة بأن موريتانيا للجميع وليست “للبيض” دون غيرهم ولا للحرطاني ولا للزنجي، وأظن أن عدم تسوية المشاكل الوطنية الكبرى مع بداية نشأة الدولة، وما تبع ذلك من تدخل المؤسسة العسكرية التي عملت على مفاقمة المشكل وتوسيع العنصرية والإقصاء داخل هذه المؤسسة الوطنية، هو السبب الرئيس في هشاشة الواقع الموريتاني.

أعلنت الحكومة عن مشاريع أغلبها يتعلق بالطبقات الهشة، ألا يسحب ذلك البساط من تحت دعاة الحقوق السياسية والاقتصادية للمهمشين؟

لا جديد في الأمر فالحكومات الموريتانية أعلنت عن مشاريع كثيرة من قبل منذ عهد ولد الطائع وحتى اليوم، ودأبنا على وجود هذه البرامج المخصصة لعلاج أوضاع المهمشين والفقراء، ولكن تلك البرامج والمشاريع لا تعود على المواطن بفائدة، وإنما يستفيد منها المتنفذون دون غيرهم، فمنذ برامج (الدمج) في عهد ولد الطائع إلى مشروع (تآزر) في عهد ولد الغزواني فإن البرامج والهيئات ظلت معطلة، لا يوظف فيها إلا أبناء المتنفذين، ورؤوس الزبونية والقبائل المتحالفة مع النظام، فالمسؤول الأول ليس من فئة مهمشة، والمنفذون الرئيسون كذلك، والكوادر المعنية بالتسيير، وإذا كانت الحكومة جادة في علاج أوضاع المهمشين فإنها ملزمة بالتوظيف على وقواعد ومنطلقات هذه الخيارات، فلماذا نجد حكومة أغلبتها الساحقة من فئة واحدة فقط، لماذا لا يحضر “الزنوج” فيها، أو “لحراطين” وأبناء الفئات الموريتانية بتنوعها؟ لماذا لا نراه في الأمانات العامة، لماذا يتقاسم هؤلاء الثورة والموارد الحكومية والمشاريع، والمنافع وحدهم دون بقية الشعب والفئات المكونة للنسيج الاجتماعي الوطني، لوكانت الدولة جادة لأقامت نظاما يعكس جديتها في إشراك الطيف السياسي وكافة الفئات، وللأسف الشديد دين هذه الحكومات التي تعاقبت على السلطة في هذا البلد وحتى اليوم هو الإقصاء والإقصاء المتعمد.

نشطتم في حزب معارض وأعلنتم الترشح للرئاسيات الماضية، هل ترون أن الفرصة مواتية لنجاح رئيس محسوب على فئة لحراطين؟

كنت ضمن حزب معارض ونشأت في أحزاب المعارضة وقناعتي أن المظالم في هذا البلد وتعاقب الأنظمة الفاسدة الظالمة الإقصائية الدكتاتورية على سدة الحكم؛ فرض عَلَيَّ البقاء في المعارضة إلى حين إحداث تغيير حقيقي، أعلنت ترشحي وأنا في التحالف الشعبي التقدمي وتوقعت من حزبي دعمي في هذا المسعى، لكن تبين لي أن الحزب همه الأكبر في دعم الأنظمة، والبحث عن مصالح ضيقة لرئيس الحزب ومقربين منه، فأصبح مراد الحزب لا يتجاوز ذلك، كما أنه يعادي كل الجهود التي تسعى لانتشاله من حالة الضياع، وعلاج الخلل الموجود، فتفاجأت بالحزب الذي انضويت تحته يعلن عن دعم النظام للمرة الثانية، ورغم نقد رئيس الحزب للنظام فإنه يبارد دائما لدعمه حفاظا على مصالح تتعلق بالرئيس مسعود ولد بلخير، لهذه الأسباب واصلت المشوار وأنشأت حزبا سياسيا، ولم تتم تزكيتي، لأن التزيكة احتكرها النظام لعدم جديته في خلق جو تنافسي في ظل انتخابات شفافة، وأنا في طور تأسيس حزب جديد وأتمنى التوفيق في ذلك.

وفيما يتعلق بجاهزية الدولة لرئيس من لحراطين أقول إن الشعب الموريتاني مرن بالطبع، ولا ينطلق من عنصرية رافضة للآخر تمنعه من تقبل خيار ديمقراطي، ويشهد تاريخ العلاقات الاجتماعية نماذج كثيرة من التنوع كالذي حدث مع همدي وإعطائه “اشياخه” في الساحل، وكذلك الأمر في تكانت وبعض المناطق الموريتانية، فالمجتمع بإمكانه تقبل رئيس خارج الأطر التقليدية، فالمكانة عندنا مبنية على المصالح، ولا يمتلك المجتمع “فيتو” ضد شريحة بعينها، بل تخضع المعايير لميزات شخصية مكتسبة، والجميع سيحترم من يحترم نفسه أو يتقدم إلى القيادة بقناعة وثبات، وكثير من النخب من الزنوج والبيظان رأيناهم ينادون بحاكم مختلف ومن فئات أخرى يعتبرونه طريقا في سبيل الديمقراطية، وأنا أعتقد أن سبب عدم حكم لحراطين يعود إلى القادة والشخصيات التي كانت تُقدم لهذا المنصب، ووجود شخصيةٍ نزيهة وأياديها بيضاء، وقادرة على الإصلاح الشامل الذي يغير واقع المجتمع الموريتاني سيكون مرحبا به لدى كل الموريتانيين من كل الفئات لأن ذلك مطلبا مدنيا واجتماعيا، فالشعب يريد من ينتشله من الجوع والفقر.

ما هي رؤيتكم لمستقبل موريتانيا، وما هي الآليات الكفيلة للتغلب على العبودية والتهميش؟

وجود نُخب جادة تطمح إلى إخراج الوطن من عنق الزجاجة وتناضل من أجل الحرية والشفافية والعدالة الاجتماعية هذا مما يطمئن على مستقبل هذه البلاد، ويجعل مستقبلها زاهرا، هذه النخب قد تكون مهمشة وليست على الواجهة، لكنها موجودة بالفعل وتناضل من أجل القضاء على الفساد وأنظمته، وأرى أن الدولة ما زالت فتيةً وفي أطوارها الأولى، والطريق لايزال أمامنا طويلا، بحمد الله لدينا مؤهلات فريدة، والشعب كذلك مهيأ لفرص التغيير.

مشكلتنا الحقيقية أن البلاد لم يحكمها منذ الاستقلال حاكمٌ يراعي المصالح العليا للوطن، ويسعى من أجل معالجة تحدياته الكبرى، فأغلب الذين حكموا هذه البلاد منذ الاستقلال كانت تحركهم المصالح الضيقة؛ رجعيون متخلفون وعلى رأسهم الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني وزبانيته، الذين يسعون فقط لمصالحهم الشخصية في ظل دولة فقيرة فاشلة، شعبها يرزح تحت البطالة والفقر والتهميش، وقناعتي أن الشباب الذي هاجر خارج البلاد ستنفتح أمامه آفاق جديدة، وتجارب حرية بالتطبيق والاستلهام داخل الوطن، وأعول على الشعب الموريتاني وأتوقع أن الخروج من نظام ولد الغزواني الفاسد فسيتغير الواقع وسنجد يوما من يسعى من أجل التغيير و الوصول إلى بر الأمان والازدهار.

بوصفي عضوا في منظمة نجدة العبيد وأحد المؤسسين والأمين العام المساعد لمكتبها الأول أقول إن العبودية حدث في ملفها تطور كبير، والجهود متواصلة من أجل القضاء عليها وعلى مخلفاتها، وأظن أن الظلم والتهميش اليوم أخطر من العبودية، ومخلفاتها، كما أعتقد أننا بإخراج النظام الحالي من السلطة سنغير ذلك الواقع.

برأيكم هل عكس خطاب الاستقلال إرادة وسعيا للتغلب على التحديات الكبرى للبلد؟

خطابات الرئيس ولد الغزواني في وادٍ وعمله في واد آخر، سواء في مأموريته الأولى أو في الثانية، ففي الأولى تحدث عن تطوير الدولة الموريتانية ولم يحدث شيء، تحدث عن الإقلاع ولم يجد جديد، ووضع عشرات الآلاف من المشاريع، ولم يحدث شيء، فكأن النظام الحالي لا يتحمل مسؤولية ما يقول وما يتحدث عنه، ولا أتوقع أن يتغير شيء، فهذا جزء من أكاذيبه التي قالها من قبل.

أتمنى فقط أن تنتهي هذه المأمورية بسلام ويحدث تغيير حقيقي مدني يضع موريتانيا على سكة العدالة والتنمية وترسيخ الديمقراطية إن شاء الله.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس